بين يدي كتاب الجريمة المركبة
🖋️ يحيى السقير
في مأرب ننتظر الكثير من الكتب ، لكن لم انتظر كتاباً كما انتظرت كتاب الجريمة المركبة ولم أفرح بكتاب كما فرحت بحصولي على نسخة من كتاب الجريمة المركبة، وبعد مطالعته أدركت أنه استحق الانتظار والفرح به، لا يقل الكتاب قيمة عن كتاب أبي الأحرار القاضـــي الزبيري ( الإمامة وخطرها على وحدة اليمن ) وهو في نفس قوة قصيدة صيحة البعث التي أيقظت كل أحرار اليمن، وسيكون للكتاب التأثير الذي أحدثته رصاصة القردعي في راس الكاهن.
– الكاتب همدان العليي شخصية متمكنة متسلح بخبرة سنوات من العمل الإنساني والحقوقي والصحفي, يكتب بتدفق وينزع إلى الاستدلال المنطقي وتفنيد حجج الخصم والرد عليها ويسوق الأدلة من الواقع ومن بطون الكتب ويعرض الوثائق بلغة الأرقام ويحشر الخصم في زاوية لا مهرب منها … سيكون الكتاب هراوتنا الغليظة لتهشيم رأس الأفعى فهو أكليل هذا العصر غير أنه غير قابل للضياع كما ضاعت أجزاء من الأكليل.
– الربط بين جرائم الأئمة الزيدية ومليشيا الحوثي بشكل سلس واحترافي ومتقن , حتى لا نحسن بانتقاله بين أزمنة الأئمة والحوثي اليوم , فعند حديثه عن جرائم عبدالملك الحوثي تحسن أنه يتحدث عن عبدالله بن حمزة وأنه امتداد له فكراً وسلوكاً.
– خطة الكتاب وفصوله وعناوينه الفرعية مرتبه منطقياً وفيها انسيابية لا تشعر معها أن فصلاً أو عنوانا حشر في غير مكانه إلا برر المؤلف ذلك بشكل سلس ومنطقي.
– التأريخ والتوثيق ، يوثق المؤلف ويؤرخ للأحداث طيلة الثمان السنوات باليوم والشهر والسنة لكل الوسائل والأساليب التي أتبعتها المليشيا في حربها على اليمنيين بما يغنيك عن البحث والتقصي والتحقيق فالكتاب مرجع لكل باحث يكفيه عناء ومشقة البحث.
– كل فصل أو موضوع يستعرض فيه المؤلف جرائم الأئمة ويربطها بجرائم مليشيا الحوثي ويسوق الأساس الفلسفي والعقائدي الذي تنطلق منه وهو نظرية الاصطفاء والولاية ويستعرض الأدلة من كتبهم ويسوق أساليب التجويع التي ابتدعها الكهنة والإبادة الثقافية ثم يستعرض الإحصائيات والوثائق ويورد إدعاءات الكهنة ويفندها ويرد عيها باسلوبه الممتع ، فلا تكاد ترى أنه أغفل شئاً وهكذا في سائر المواضيع.
– يمكن لغير اليمنيين فهم طبيعة المعركة بجلاء عند قراءة هذا الكتاب إذ يعاني غير اليمنيين من صعوبة فهم الواقع اليمني المعقد ، فقد تحدث الكتاب باللغة التي يفهمها الغرب بشكل مبسط يناسب ثقافتهم فحين تحذث الكتاب عن أصل المشكلة وهي العنصرية العرقمذهبية التي يفرضها الحوثي وفق النظام الثيوقراطي … هكذا تصل الفكرة للمتابع الغربي فهم قد أكتووا بالعنصرية النازية والفاشية وخبروا الحكم الديني الثيوقراطي للكنيسة والإقطاع في العصور الوسطى، لذلك أجاد المؤلف في إيصال الفكرة وتبسيط الواقع المعقد، بخلاف بعض النشطاء الذي يخاطب الغرب بقوله أن الحوثي يقتل العلماء ويفجر المساجد ويقتل حفاظ القرآن …إذ أن هذا الخطاب لا يثير الغرب بل ربما يسعدهم.
– يستخدم الكتاب لغة الأرقام والإحصائيات بدقة وبراعة وهي اللغة الأكثر صدقاً والأبلغ تأثيراً
– منهج الكتاب إذا جاز لنا تحديد منهج للكتاب فيمكن للمتابع والقارئ أن يلحظ المنهج التاريخي والمنهج الوصفي والتحليلي والتحليلي المقارن.
– الكتاب وثيقة وطنية يجب أن تودع لدى جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية ليتم البناء عليها والانطلق منها كاساس لملاحقة العنصرية العرق طائفية وتجريمها. لقد استغرق الشهيد عبدالله الحاضري سنوات في جمع الأدلة والوثائق والحيثيات ليصدر حكم الإعدام في حق رموز الحركة الحوثية من المحكمة العسكرية وهو ما يتيح البناء على هذه الاحكام والشي نفسه فعله الكاتب همدان العليي إذ استغرق سنوات في جمع مادة و وثائق هذا الكتاب ليصبح بين أيدينا وثيقة وطنية وإنسانية وحقوقية قابلة للبناء عليها ومتابعتها في أروقة ودوائر المحاكم الدولية والمنظمات الدولية ، لقد اطلق همدان حكماً من العيار الثقيل سيمزق إدعاءات السلالة للأبد.
– الترجمة للغات الحية ، إن اللغة السلسلة والأسلوب البسيط غير المعقد الذي يتيح لغير اليمنيين الإلمام بالواقع السياسي اليمني المعقد يحتم ترجمة الكتاب إلى اللغات الحية العالمية الإنجليزية والفرنسية والألمانية وهذا الجهد منوط بالحكومة بما يتيح وصول الكتاب إلى المفكرين والسياسيين والصحفيين والمنظمات ودوائر صنع القرار في الغرب والعالم الحر.
– التركيز على الأساليب وعدم تتبع الخط السياسي
عندما تفرغ من قراءة تاريخ الأئمة لا يزيدك ذلك إلا تيهاً وتعقيداً بعكس تاريخ أي دولة أو أمة مثل التاريخ الأموي أو العباسي مثلاً لذلك سمى البتول كتابه خيوط الظلام وسمى بلال الطيب كتابه المتاهة وهي نفس المعاني التي تراودك بعد الفراغ من قراءة هذا التاريخ الأسود , وفي كتاب الجريمة المركبة لم يتتبع الكاتب الخط السياسي لدولة الكنهة بل ركز على الأساليب والوسائل ونقل من كل كاهن أسلوبه في تجويع اليمنيين وطريقته في الإبادة الثقافية وهي الطريقة المثلى في دراسة وعرض تاريخ الإئمة والكهنوت.
– الإقتباس في المنهج المدرسي
يصلح الكتاب للاقتباس منه كفصول أو مواضيع في المنهج المدرسي فلغته تصلح للعرض في المراحل الدراسية الثانوية بلغته السهلة والسلسلة غير المتكلفة والجزلة وغير الفلسفية العميقة وهو ما يؤهله للإقتباس منه للمرحلة الثانوية والجامعية.
– التركيز على الجانب الإنساني والحقوقي يجعل الكتاب جدير بمخاطبة المجتمع الدولي ووثيقة دولية تكون راس الحربة في خطابنا لغير اليمنيين فهو جدير بإيصال الفكرة وتبسيط الواقع اليمني المعقد لغير اليمنيين.
– تجنب الكتاب مواطن الخلاف وما يثير الجدل وتحاشى نكأ مواطن الجروح ومعارك الماضي، حتى تدرك وأنت تقرا الكتاب حرص المؤلف على جمع اليمنيين وأن يكون الكتاب لكل اليمنيين ولكل المكونات وأن يكون محل إجماع بدون استفزاز أي مكون، وتلمس حرص المؤلف على تصويب السهام نحو العدو وتجميع اليمنيين في كنانة واحدة وقوس واحد ، فعند الحديث عن ثورة 11 فبراير يستخدم الكاتب كلمات هي قاسم مشترك للجميع لا يثير ويستفز أي مكون وهو نفس الشي عند الحديث عن ثورة 2 نوفمبر أو استشهاد الرئيس السابق علي عبدالله صالح .
قرات كتب كثيرة كان مؤلفها يحرص على التأكيد على قناعاته ووجهة نظرة ويجتهد في التدليل على صواب وجهة نظره وهو بذلك يكسب جمهوراً ويخسر آخرين، أما في كتاب الجريمة المركبة فقد حرص همدان العليي على جمع الكلمة وتوحيد الصف ولم ينتصر لفكرة أو قناعة له على حساب قضية اليمنيين المركزية وهي القضاء على العنصرية السلالية وبذلك يكون الكاتب متجرداً تجرداً كاملا للقضة وإلا فإن همدان لديه الكثير من القضايا التي يمكن أن تختلف معه فيها غير أنه فضل أن يكون كتابه لكل اليمنيين وأن يواصل دعوته لجمع الكلمة والصف وهو الخط الذي سارعليه همدان منذو زمن ليس بالقليل.
لقد وضع همدان العليي بين أيدينا سلاحاً فتاكاً وذخره بذخيرة كافية من العيار الثقيل ولا اشك في أن شظاياه ستصل إلى رأس كل سلالي عنصري وستصيبه في مقتل إذا أحسنا حمل الكتاب واستخدامه وعرضه وتصويبه بالشكل الأمثل.