تقارير

“جيلٌ بلا هوية وطنية مشتركة” تقرير بحثي للمركز اليمني للسياسات

أسامة فرحان

لكل دولة هويةٌ وطنيّةٌ تميزها عن غيرها من الدول، سواءًا كانت هذه الهوية تاريخيه كالمعالم الأثرية والأصالة، أو هوية عصرية كالمناهج الدراسية والنشيد الوطني والتي لا تقل أهمية عن الهوية التاريخية، -وربما- أثرها أكبر على الشعب، وتغيرها ليس بالأمر الهين، وحتمًا سيُحدث هذا التغير متتابعات وخيمه.

في التقرير البحثي الذي نشره المركز اليمني للسياسات، خلال مارس الماضي، للباحثة شيماء بن عثمان، تقول شيماء عن استبدال الهوية الوطنية المشتركة، بالهويات السياسية الجديدة وتعزيز المدارس لهذه الهويات الجديدة: إن هذه الهويات الجديدة التي تُروَّج في المدارس بدلًا من الطقوس التي تتضمن نشيدًا وطنيًّا وعلمًا مشتركًا، ستؤدي إلى تكوين جيلٍ مشتتٍ من دون هوية وطنية، مما يطيل أمد النزاعات، ويؤدي إلى مزيدٍ من الانقسام؛ وتستعرض هنا هذه الطقوس المتغيرة وآثارها على المجتمع في صنعاء وعدن وحضرموت.

وأشار التقرير اليحثي إلى أن الحوثيين ( المعروفون بإسم أنصار الله) قاموا بتغيرات كبيرة على المناهج الدراسية في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، كإلغائهم دروسًا تحتفي بثورة 26 سبتمبر، التي أطاحت بحكم الإمامة، كما ألزمت المدراس أن يبدأ الطلاب صباحهم المدرسي بالصرخة بدلًا من النشيد الوطني المتعارف والمشترك.

وأضاف البحث أن الحوثيين غيّروا أيضاً أسماء بعض المدراس، فمثلا  «مدرسة 21 سبتمبر»، وهو اليوم الذي استولى فيه الحوثيون على صنعاء عام 2014، كانت من قبل سيطرة الحوثي تُعرف بمدرسة (بابل)،و الأهم من ذلك أنهم حوَّلوا أيضًا العديدَ من المؤسسات التعليمية إلى سجون ومنشآت تدريب للأطفال الجنود.

وتناول البحث أهمية الآثار المترتبة نتيجة للتغييرات في الكتب المدرسية، وأن هدف الحوثيين من ذلك عهو بناء هوية وطنية تتماشى مع رؤيتهم للدولة اليمنية، كما أنه يهدف في نهاية المطاف إلى استغلال نظام التعليم ليس من أجل حشد وتجنيد الآلاف من اليمنيين من أجل قضيتهم فحسب، بل أيضًا من أجل ضمان السيطرة على الأجيال القادمة من خلال استبدال أيديولوجيتهم وأهدافهم الطائفية بالهوية الوطنية والمبادئ اليمنية.

وتطرق البحث أيضًا للعاصمة المؤقتة عدن، والتي شهدت التجمعات المدرسية فيها لبعض التحولات، حيث أعلن مسؤولو المجلس الانتقالي الجنوبي أن المناهج المدرسية قيد المراجعة حاليًّا، مع توقع حدوث تغييرات: ستحدد المراجعة الدروس «الدخيلة والكاذبة والمبرمجة لإضفاء طابع اليمن الموحد على الجنوب، ليُستبدَل بها دروسٌ تحمل هوية الجنوب وطابعه وتاريخه »، كما أنهم يروجوا لأهداف سياسية تتضمن رفضا لرموز الدولة، فعلى سبيل المثال، حظرهم للعلم والنشيد الوطني اليمني خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وبدلًا من ذلك يُستخدم نشيد وعلم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة في ممارسة الطقوس. 

وبحسب البحث أنه على الرغم من دعم شريحة كبيرة من السكان لهذا القرار في الجنوب، فإن بعض المشاحنات وقعت بعد أن رفض مدير مدرسة رفع العلم الجنوبي، مما أثار غضبًا واسع النطاق بين النشطاء الموالين للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذين طالبوا بمحاسبة المدير.

ويؤكد البحث أنه وعلى الرغم من أن اليمن لا يزال بحكم القانون دولة موحدة، فإن الطلاب في عدن ينشؤون ولديهم إيمان قوي باستقلال الجنوب، ورؤية شمال اليمن كدولة محتلة. ويشير تغيير العلم اليمني والنشيد الوطني، اللذين يرمزان إلى الهوية اليمنية الموحدة، إلى ظهور نزعة قومية جنوبية جديدة، مع الإيمان بالشمال كمحتلٍّ وعدوٍ مع السعي لترسيخ هذه الأفكار ونقلها لأجيالٍ قادمة.

ونوه البحث أنه توجد في حضرموت مجموعات وفصائل سياسية مختلفة، ويتضمن ذلك مؤيدي الوحدة اليمنية، وأنصار دولة الجنوب، إلى جانب أصوات تطالب بدولة مستقلة لحضرموت، ويعتقد العديد من الحضرميين أن منطقتهم تعرَّضت للإهمال من قبل الدولة الاشتراكية السابقة التي ركزت على عدن، ولاحقًا بعد التوحيد والحكم المركزي من صنعاء.

وركز البحث على الجماعات التي تعمل على التلاعب بالأجندات المدرسية، بقيامها بزرع جيلٍ جديدٍ يعاني من الصراعات، إذ إن الطلاب الذين نشأوا في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون يرون «السنة» بوصفهم أعداء لهم، ويعتقدون أن قادة الحوثيين هم ممثِّلو الرب، بينما يرى الجنوبيون الشماليين بوصفهم محتلين وأعداء بسبب هذه الانقسامات والاختلافات.

ومن أبرز التوصيات التي خرج بها البحث، أن الخلافات المتعلقة بالتجمعات المدرسية تفرض إعادة النظر في طريقة تفكيرنا حول السلام في اليمن بل تغييرها بنهج جديد من التفكير.

وأنه على الرغم من أن آليات السلام والعدالة الدولية الحالية تدعو إلى وقف العنف كاتفاقٍ أولي، فإن العدالة والمصالحة مطلوبان من أجل سلامٍ طويل الأمد. وتعد إعادة التفكير في الهويات والتنوع الثقافي كمميزات، بدلًا من عقبات أمام حل النزاعات، نقطة جيدة للبدء في تحقيق سلام دائم في اليمن.

وينوه البحث أنه يجب النظر إلى النزاع في اليمن على نحوٍ يتسم بالشمولية، بحيث تتضمن رؤانا حول السلام سرديات فترة ما قبل الحرب التي أصبحت تشكِّل هويات اليوم. إن الصراعات الحالية ناتجة عن مظالم الماضي التي يجب معالجتها قبل أن تزداد الأجيال القادمة تباعدًا وتنافرًا.

ويعد المركز اليمني للسياسات مركز أبحاثٍ مستقلٍ أسَّس في عام 2020، من قبل مجموعةٌ من الباحثين اليمنيين والألمان ممّن لهم صِلة بالمركز اليمني لقياس الرأي العام، وهذا الأخير هو منظمة غير حكومية يمنية معروفة مقرُّها مدينة تعز اليمنية، أمّا المركز اليمني للسياسات يهدف إلى التأثير على عملية صنع السياسات المحلية والدولية بهدف تحسين الظروف المعيشية للشعب اليمني.

تعليقات الفيس بوك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى