حكومات الثقب الأسود
عبدالقوي العديني
كيف تتلاشى أموال المانحين، وتضل الطريق إلى جيوب أكوات فاخرة من توم فورد وزينيا وكنالي وسيزار أتوليني وبرونيلو كوسينلي وهنتسمان بروكس براذرز… فيما الناس يلفظون أنفاسهم جوعًا وفقرًا!
جزء من المشكلة كان نتيجة سوء “الإدارة”.
وقطعًا فإن ضعف أداء المؤسسات والأجهزة الرقابية، وعدم وجود أجهزة تعنى بالتخطيط والإدارة، وغياب المعلومات، وتقارير الإفصاح المفقودة في أروقة المؤسسات المختصة عن قضايا وملفات الفساد المتراكمة، وكذلك ضعف دور الصحافة المحايد والنزيه والمستقل؛ أدى إلى الوضع القائم.
أذكر لقاء صحفيًا مع سعادة السفيرة البريطانية جين ماريوت، لمجلة “الاستثمار”، 2014، قالت فيه وهي تتحدث عن التمويلات وسوء الإدارة الحكومية لملف المشتقات النفطية، وحاجة المواطنين لمشاريع وخدمات، قالت إن “المانحين لا يصبون أموالهم في ثقب أسود”.
لقد صدقت السفيرة، وكان توصيفها لسوء الإدارة في اليمن دقيقًا. ولكن ما يجري اليوم هو أن كل الجهود والمساعدات وإيرادات الدولة، تصب في ثقب أسود، وبشكل معلن.
وبنظرة سريعة لا بد منها لمضمون المقابلة مع السيدة جين ماريوت، في ذلك الوقت، أشارت إلى أن “رفع الدعم عن المشتقات النفطية قد أثار جدلًا ما بعده جدل، والسبب في ذلك يعود إلى أنه لم يتم توضيح الأسباب والدوافع الحقيقية لاتخاذ هذا القرار للشعب اليمني بشكل صحيح، بل تم شرحه بشكل سيئ جدًا، لأن كل الدعم الذي تنفقه الدولة على المشتقات النفطية كان يذهب إلى جيوب أناس فاسدين، ولديهم مصالح غير وطنية، وبالتالي فإن الفئة المستفيدة منه قليلة جدًا، وهذه قضية فساد كبيرة يعاني منها اليمن؛
إذن، ما الجدوى من إبقاء هذا الدعم الذي يرهق الخزينة العامة للدولة؟! فبدلًا من ذهاب هذه الأموال إلى جيوب الفاسدين والمهربين، نأخذها ونخصصها لمشاريع وبرامج تنموية لتطوير البلاد، بالإضافة إلى دفع ديون اليمن”.
من سيخبر سعادة السفيرة بأن دعم المشتقات النفطية رفع بالفعل، وتحرر السعر، وصعد وطار في السماء؛ لكن سوء الإدارة وقوة الفساد لديها سوط أقوى من صوت الشعب.. وإن الدعم الدولي، وفي مقدمته دعم المملكة العربية السعودية، يصب في ثقب أسود؟!
توقف دعم المشتقات النفطية فعليًا، لكن الأموال استمرت تضخ لصالح الفساد.. مع فارق بسيط: إن الأموال التي حملت فوق المشتقات النفطية، أصبحت تضخ إلى أرصدة الفساد في حساباتهم البنكية، بدلًا من جيوبهم.
وبدلًا من تحسين الخدمات، ورفع معاناة مدينة عدن من كابوس انطفاء الكهرباء؛ ذهب ما نسبته 40% من مخصص كهرباء عدن إلى الحسابات البنكية الرقمية لهوامير الفساد من الأثرياء الجدد.
نعلم أن فرص التغيير في زمن الصراع ضعيفة ونادرة تقريبًا، خصوصًا إذا كانت النوايا سيئة، والكروش متخمة بسوء الإدارة المتراكمة على مدار كل الحكومات.. والأدهى عندما يصل الفساد إلى القطاع الخاص وهو في غنى عن ذلك.
ولعل هذا المشهد هو الميزة الوحيدة لتطوير العمل المؤسسي الرقمي لحسابات بعض المسؤولين، بعد أن كانوا يقبضون نقدًا مقابل سمسرتهم وتجارتهم بمعاناة الناس.
إن مشكلتنا الآن، تتمثل في كيفية إدارة المانحين لدعمهم ومنحهم المقدمة لليمن، وكذلك في الإيرادات التي تحشدها الحكومة وتصرفها دون أي إفصاح أو مساءلة، وأمام مرأى ومسمع من العالم الراعي ومن الداعمين. جميعهم يلتزم الصمت، وهم يدركون أن الأموال المقدمة للشعب اليمني تصب في ثقب أسود.
نطالب المانحين -والضرورة ملحة- بأن يكفوا عن صب أموالهم في ثقب أسود، وألا يعينوا استمرار الفساد على بلد تكالبت عليه التحديات.
على المانحين تمويل مشاريع تمكن البلد وسلطات الحكم المحلي من دمج التكنولوجيا مع الإدارة، والغذاء والدواء سيأتي، وسيكون آمنًا إذا صلحت الإدارة؛ فنحن لا نعيش بالغذاء فقط، بل نحتاج إلى تعليم، وتنمية، وفرص عمل، وحياة آمنة مزدهرة.