تقرير : بشرى الجرادي
في محاولة للهروب من العنف النفسي والبدني الشابة اليمنية أم براءة، (24 عامًا)، تتخذ زواجها كقاصرة وسيلة للهروب من العنف الذي كانت تواجهه من أسرتها، لكنها دخلت فصولا أكثر إيلاما وعنفا، في بلد مازالت فيه نحو ٦.٣ ملايين امرأة وفتاة عرضة لخطر أشكال متعددة من العنف في ٢٠٢٤ وفق صندوق الامم المتحدة للسكان.
تقول أم براءة إنها تزوجت وعمرها 15 عاما للهروب من عنف والدها الجسدي والنفسي الذي تعرضت له منذ الطفولة، لكنها انصدمت بزوجها الذي فاق والدها عنفا وقسوة، والذي وصل حد حبسها بالحمام لساعات طويلة ومحاولة حرقها بالبترول والغاز عدة مرات لكنها نجت منها بإعجوبة. كل ذلك بسبب طلبها مبلغ مالي مصاريف للمنزل.
تضيف أن طفلتيها تلقتا أيضا نصيبا من المعاناة والحبس داخل الحمام، بدون أي سبب.
أما هناء ، البالغة من العمر 22 عامًا، فتروي تجربة مشابهة، حيث تعرضت للعنف الجسدي والنفسي من زوجها، الذي استخدم الخنق كأداة للعنف، لولا تدخل أخوته الذين أنقذوها عدة مرات.
لم يكن لدى هناء خيارات أفضل من التحمل لا شهادة تعولها ولا أسرة تحميها، حيث حاولت مرات عدة أن تشتكي لوالدها ولم يعمل شيئا سوى تعنيفها لفظيا وجسديا وإعادتها لزوجها مقابل مبلغ من المال.
أم علاء هي الأخرى بعد مقتل زوجها تعرضت للضرب المبرح من شقيقه الذي تسبب لها بصدمات نفسية واستولى على أطفالها.
تقول أم علاء: تلقيت العديد من الضرب و في إحدى المرات، ضربًني ضربا مبرحًا ودق رأسي على الجدار حتى أغمي عليّ، ليتمكن من أخذ أولادي .
وتضيف لجأت للقضاء الواقع تحت سيطرة الحوثي لكنه لم ينصفني وظل اطفالي تحت رحمة عائلة الزوج يذوقون أصناف التعذيب حد الحرق.
أسباب العنف
الأسباب وواقع المرأة اليمنية
تتعدد أسباب العنف ضد النساء في اليمن، فبالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، تؤدي النزاعات المسلحة والنزوح إلى زيادة الضغوط النفسية على الرجال، ما يدفع بعضهم إلى اللجوء للعنف ضد النساء كوسيلة لتفريغ غضبهم.كما أن العادات القبلية والتربية الاجتماعية التي تميز بين الجنسين، و قلة الوعي، تجعل النساء يتحملن العنف دون التوجه للقضاء أو اللجوء لحماية قانونية حسب دراسة نشرتها منظمة مساءلة لحقوق الانسان 2023.
صندوق الأمم المتحدة للسكان يفيد أنه وبسبب الخيارات المحدودة للمأوى وتفكك الآليات الرسمية وغير الرسمية لحماية النساء والفتيات، أصبحت الفتيات أكثر عرضة للممارسات الضارة كالزواج المبكر، والتسول القسري، وعمالة الأطفال وتشويه الأعضاء التناسلية الانثوية (ختان الإناث).
زمزم راجح الأخصائية النفسية لدى مركز اتحاد نساء اليمن .
تؤكد أن أبرز أسباب العنف ضد النساء هو الفقر الناجم عن النزوح، وعدم وجود حماية اجتماعية في أماكن النزوح، فيما يفاقم وضع الأسر غير المتعلمة تعزيز العنف.
وتفيد أن معظم الفتيات ممن يخضعن للعنف يتزوجن بسن مبكر ويحرمن من التعليم .
وتضيف تسهم بعض الاعراف القبلية والعادات في التربيةكالتي تُحَرِمْ على المرأة التعبير عن العنف أو اللجوء للقضاء مضاعفة العنف .
وتفيد أن انعدام وسائل الحماية في مناطق تقع تحت سيطرة الحوثي يشجع استمرار الرجال في العنف القائم عليهن .
بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان
يوجد أكثر من 6.3 ملايين من النساء والفتيات باليمن في خطر مضاعف للتعرض لأشكال مختلفة من العنف لا سيما العنف القائم النوع الاجتماعي.
توصيات وحلول
تشير رئيسة مؤسسة “دفاع لحقوق الإنسان” هدى الصراري إلى أن التوعية المجتمعية وتغيير المعتقدات الثقافية السائدة يعدان من الحلول الأساسية للتصدي للعنف ضد النساء.
وتوصي بإطلاق حملات توعية توضح أضرار العنف ضد النساء على الأسرة والمجتمع، والعمل على تغيير العادات التي تبرر هذا العنف عبر المساجد والمدارس والإعلام.
كما تؤكد على أهمية تمكين المرأة اقتصاديًا من خلال توفير فرص العمل ودعم المشاريع الصغيرة.
وتشدد الصراري على ضرورة تعزيز تعليم الفتيات، معتبرة ذلك من أبرز طرق تقليل تعرضهن للعنف من خلال تمكينهن
وتؤكد الصراري على ضرورة توفر برامج تثقيفية للرجال لتوعيتهم بأهمية احترام حقوق المرأة.
جهود الاستجابة
تقول دعاء، الناجية من العنف، إن الدعم النفسي الذي تلقته في مركز اتحاد نساء اليمن ساعدها على استعادة ثقتها بنفسها.
اليوم، تقف بشجاعة ضد العنف وترفض العودة إلى حياة الخوف.
أما أم علاء، فتروي أن حصولها على الدعم القانوني والنفسي من اتحاد نساء اليمن، مكنها من حصول حكم محكمة مارب بحقها بإساعادة أطفالها وحق الحضانة وأن ذلك أسهم في تحسن صحتها النفسية .
يقول صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن انه يقود تقديم خدمات الحماية المنقذة للحياة لملايين النساء والفتيات في كل انحاء البلاد-في المديريات الأشد احتياجاً في ٢٠ محافظة يمنية- متوزعة على رغم شحة التمويل وتحديات بيئة العمل الإنساني. منذ بداية العام 2024، أوصل صندوق الأمم المتحدة للسكان خدمات الحماية الأساسية لأكثر من 308,835 ألف من النساء والفتيات من خلال دعم تقديم هذه الخدمات في 44 مساحة آمنة للنساء والفتيات، 9 مراكز إيواء، 7 مراكز متخصصة لتقديم الرعاية الصحية النفسية، 10 فرق متنقلة، 3 خطوط ساخنة بالإضافة إلى نظام الإحالة وإدارة الحالة.
وأن الصندوق قدم دعم من أجل إيصال هذه الخدمات لأكثر من 1,250 مليون ومائتي وخمسين ألف من النساء والفتيات في كل اليمن خلال العامين الماضين2022، و2023. تشمل هذه الخدمات التدريب والتأهيل، التمكين الاقتصادي، العون القانوني والمساعدات النقدية والرعاية الصحية النفسية والتوعية بالإضافة الى خدمات الإحالة الى خدمات متخصصة أخرى بحسب الاحتياج عن طريق إدارة الحالة بين المنظمات الإنسانية ذات الصلة.
مركز اتحاد نساء اليمن في محافظة مأرب شمالي اليمن، قدم أيضا دعما نفسيًا لـ140 حالة من النساء المتضررات من العنف الاسري خلال عام 2024، وذلك منذ بداية العام وحتى الشهر الحالي، وفق مدير المركز فاندا العماري.
وأضافت العماري أن إجمالي عدد الحالات التي تلقت دعمًا في المركز بلغ 209 حالات، مع ملاحظة أن هذا العدد في تزايد مستمر.
احصائيات
ووفقًا لتقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان، يحتاج نحو 7.1 مليون امرأة في اليمن إلى خدمات عاجلة لمنع العنف القائم على النوع الاجتماعي ومعالجته.
وتشير دراسة لمنظمة “كير” لعام 2023 إلى أن نسبة النساء المعنَّفات في اليمن قد تجاوزت 63%، مع وجود أكثر من 60,000 امرأة عرضة لخطر العنف الجسدي والنفسي.
تستدعي هذه الإحصائيات المقلقة تضافر الجهود من جميع الجهات لتوفير الحماية للنساء في اليمن. من خلال التوعية، وتوفير الدعم القانوني والنفسي، وتعزيز حقوق المرأة، لبناء بيئة أكثر أمانًا تتيح للنساء العيش بكرامة بعيدًا عن العنف.