البلاد الان :الحرب الروسية الاوكرانية وتداعياتها على منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي«تقرير»
الحرب الروسية الاوكرانية وتداعياتها على منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي
تقرير: نسيم البعيثي
مع بدء التحرك الروسي العسكري منطقة دونباس الاوكرانية بدأت الاحداث تتسارع دوليا في شتى الميادين ورغم ان هذه الخطوة كانت متوقعة منذ اسابيع مع تصاعد التوتر بين الجانب الروسي وحلف الناتو واوكرانيا لكن جميع الاطراف لم تضع حسابات النتائج المحتملة لتلك الخطوة التي كان أولها تأثرا هو الجانب الاقتصادي حيث ارتفعت اسعار النفط الى ما فوق الـ100 دولارا للبرميل، ناهيك عن ارتفاع أسعار الغاز عالميا خصوصا في أوروبا نتيجة لانقطاع امدادات الغاز من الخط الروسي الى ألمانيا.
ربما يكون التأثير الأول والاسراع والذي سبق ساعة الصفر للاجتياح الروسي الى منطقة الدونباس الاوكرانية تمثل في تسارع دول العالم إلى سحب رعاياها، ومطالبتهم بمغادرة كييف، في خطوة تهدف لحمايتهم، ورغم ان الازمة في شرق اوروبا لكن تداعياتها السلبية على الاقتصاد أمر حتمي بعد تطورها إلى مواجهات بين الطرفين، وبخاصة مع دول الخليج العربي، والتي تتداخل مصالحها الاقتصادية مع الدولتين، إذ تعد أوكرانيا إحدى أهم الدول التي استثمرت فيها دول الخليج العربي في السنوات الماضية، لا سيما في القطاع الزراعي بجانب القطاعات الأخرى التي وقعت فيها الدول اتفاقيات شراكة معها، والتي تطورت بشكل لافت في السنوات الأخيرة، حيث تولي كييف اهتماماً كبيراً لتطوير تلك العلاقات، لا سيما في المجال الاقتصادي، كان آخرها إصدار رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي، في (آب) 2020، مرسوماً يعفي مواطني دول الخليج من التأشيرة عند دخول بلاده.
المراقب للشأن السياسي حسن الحاج أشار في حديث لموقع البلاد الان الى، “إن التداعيات السلبية للأزمة بين روسيا وأوكرانيا تتمثل في أن روسيا دولة عالمية لها ثقلها الامني والسياسي وحتى الاقتصادي ليس في المنطقة العربية وحسب وإنما في جميع دول العالم كما أن أوكرانيا بدأت تظهر على المجال الاقتصادي خلال الأيام الماضية مع ارتفاع احتمالات اجتياح روسي لها، بخاصة فيما يتعلق بأسعار النفط التي بدأت في الارتفاع واليوم ارتفعت بشكل قياسي فوق المئة دولار للبرميل، وانعكس ذلك على البورصات وأسواق المال في المنطقة، والتي بدأت تشهد انخفاضاً في مؤشرها”.
وأوضح الحاج أن “معدلات تلك الآثار سترتفع بعد ان تمت المواجهة، وسيكون لها تأثير سلبي على اقتصاد دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط ومن الآثار الاقتصادية المباشرة هو إيقاف استيراد المواد الغذائية من كييف، حيث إن أوكرانيا تعد إحدى الدول المهمة التي تعتمد عليها دول الخليج في تحقيق أمنها الغذائي، كما ان روسيا لديها ثقل في الاقتصاد وتوريد الاسلحة “.
وتابع ان “روسيا جزء مهم من التحالف الرباعي بين العراق وروسيا وايران وسوريا في الحرب على الإرهاب ما يعني أن اي تداعيات سلبية من الأزمة مع اوكرانيا ستنعكس سلبا على الوضع الامني في المنطقة خصوصا في حال ايقاع عقوبات اقتصادية على روسيا وقد تضع تداعيات وخيمة على المنطقة خصوصا انها اي المنطقة منقسمة على نفسها في الانحياز لهذا الطرف او ذاك ما يعني خلق فجوة جديدة بين دول المنطقة تضاف الى الأزمات السابقة أمنيا وسياسيا واقتصاديا، بالتالي فان هذه الحرب ليست في صالح المنطقة والشرق الاوسط والعرق هو جزء من هذا الضرر الذي سيصيب المنطقة برمتها نتيجة لوجود تعاقدات عراقية مع روسيا في مجالات الطاقة والغذاء و جميعها في حال إيقاع العقوبات على روسيا من جانب الناتو وأمريكا فانها ستؤدي الى عرقلة تلك الاتفاقيات ما ينعكس سلبا على البلد”.
التأثير على الأمن الغذائي
تعد السعودية من أوائل دول الخليج والمنطقة العربية التي بدأت العلاقات السياسية مع كييف بعد انفصالها عن الاتحاد السوفياتي السابق، وأقيمت العلاقات بين البلدين في عام 1993، عن طريق زيارة الوفد الحكومي الأوكراني برئاسة ليونيد كوتشمافي، رئيس الوزراء الأوكراني في ذلك الوقت إلى السعودية، وبشكل عام فإن جميع الدول ستشهد تأثيرات على الوضع الاقتصادي، خاصة وأن طرفي النزاع لهما تأثير كبير على الاقتصاد العالمي، مما يعني أن العالم يواجه إشكاليات في سلاسل الإمدادات سواء الجوية، أو البحرية، أو البرية، وهذا سينعكس على حجم السلع المتداولة في العالم، إضافة إلى ارتفاع فواتير شركات التأمين على البضائع مما سينعكس على الأسعار حيث سنشهد موجة من ارتفاع السلع، بخاصة في منطقة الخليج العربي التي تعتمد على استيراد غالبية السلع من الخارج.
وترى محللة شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية كيلي بيتيلو، أنه سيكون للتصعيد في أوكرانيا “عواقب وخيمة للغاية على الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، والتي استحوذت على 40 في المئة من صادرات أوكرانيا من الذرة والقمح عام 2021.
وتُبين أنه “إلى جانب الاضطرابات التي قد يحدثها أي نزاع مسلح في سلاسل التوريد، تشير الأحداث التي عرفتها أوكرانيا في عام 2014 إلى الأثر الذي يتركه الاضطراب في تلك المنطقة من العالم على أسعار المواد الغذائية”.
وما يفاقم الوضع سوءا، بحسب بيتيلو، هو أن الارتفاع المتوقع في الأسعار نتيجة للأزمة، يأتي في وقت وصلت فيه أسعار المواد الغذائية إلى مستويات تاريخية مرتفعة بالفعل، خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي ارتفعت فيها الأسعار خلال العامين الماضيين، “نتيجة مزيج سام من الصراع والمظالم السياسية والانهيار الاقتصادي المتزايد”.
أسواق النفط
وبخلاف العلاقات القوية بين دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط وكييف، فإن منطقة الخليج والمشرق العربي ترتبط ارتباطاً وثيقاً مع موسكو في العديد من المجالات، بخاصة العلاقات الاقتصادية التي دخلت مرحلة من القوة والصلابة بعد تشكيل تحالف “أوبك+” والذي يجمع بين روسيا ومنظمة “الأوبك”، والتي تدخل دول الخليج والعراق في عضويتها.
وهنا أوضح المحلل الاقتصادي جابر القحطاني، في تصريحات صحفية، أن للأزمة تداعيات أخرى من جانب علاقة دول الخليج مع روسيا، بخاصة أنهم جميعاً أعضاء في “أوبك+” قائلاً، “إن هناك التزاماً بين أعضاء المجموعة، وعندما تتوقف المنظمة ستكون دول أوبك أمام موقف صعب؛ وذلك لأنها تأقلمت مع موسكو عند قيام أوبك+ فيما يتعلق بالنفط وهو المصدر الرئيس للطاقة على مستوى العالم”.
وأشار القحطاني إلى أن اندلاع الحرب سيرفع أسعار النفط لكثرة الطلب عليه، موضحاً أن الوضع سيكون فيه العديد من الانعكاسات السلبية التي من بينها ارتفاع أسعار التأمين على نقل موارد الطاقة، والذي يمكن أن يتوقف بسبب الحرب، اضافة الى أن إيقاع العقوبات على روسيا سيقلص علاقتها السياسية والاقتصادية مع دول المنطقة ودول “أوبك”، وربما سيكون لها تأثيرات على “أوبك+” بطريقة غير مباشرة، وبالتالي فإن فاعلية دورها يمكن أن تتراجع ولا نجدها في ذات الإطار.
الأزمة الإنسانية
من الجانب الإنساني فإن تصاعد التوتر في أوكرانيا يترك أثرا كبيرا، وإن كان بشكل غير مباشر، على الوضع الإنساني في عدد من الدول العربية حيث إن المساعدات الإنسانية التي تصل إلى المنطقة ستتأثر بشكل كبير بسبب اندلاع نزاع مسلح في أوكرانيا، إذ سيؤدي وجود أزمة إنسانية في أوكرانيا نتيجة لأي صراع قد يندلع إلى “تحويل التمويل والموارد الطارئة بشكل أكبر نحو أوكرانيا وبعيدا عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نتيجة لحالات النزوح من مناطق القتال ما سينعكس سلبا على مناطق عربية متوترة مثل سوريا واليمن اضافة الى وجود جاليات لدول عربية وطلاب في اوكرانيا سيكون لزاما ايجاد مخرج لهم او ملاجئ انسانية تحميهم من القتال الى حين تأمين عودتهم الى ديارهم وهو امر سيؤثر ايضا على الوضع في تلك الدول بسبب الوضع الاستثنائي الذي تعيشه المنطقة.
اعادة رسم أقطاب القوى في العالم عسكريا
مما لا شك فيه أن ظهور قوى كبرى، وعودتها للمسرح العالمي تدفع إلى نظام أمني متعدد الأقطاب، كما أن النظام المتعدد سيكون أكثر فائدة ومنفعة لتحقيق الاستقرار والأمن العالمي؛ وذلك لأننا لاحظنا في السنوات الماضية سلبيات القطبية الواحدة، والتي لمسنا نتائجها في النزعة الهجومية للقطب الواحد، والحرب التي تم تفجيرها في بلد عربي وآخر إسلامي ولم تخرج منهما من دون خسائر ودمار”.
المراقب للشأن الدولي يوسف سلمان أكد ان الحرب الروسية الاوكرانية هي حرب اقتصادية أكثر من كونها عسكرية وسيكون لتداعيات هذه الحرب اقتصاديا منعطف حاسم للعراق والمنطقة العربية.
وقال سلمان في حديث للبلاد الان، إن “العمليات العسكرية حاليا ضد أوكرانيا هو تصعيد خطير وهي حرب اقتصادية اكثر من كونها عسكرية خصوصا ان الصناعة والاقتصاد الأوروبي يعتمد بالدرجة الاساس على النفط والفحم والغاز الروسي بالتالي فإن تداعيات هذه الحرب اقتصاديا هي منعطف حاسم للعراق والمنطقة العربية خصوصا ان المعسكر الروسي له موطئ قدم في المنطقة العربية وحلفاء روسيا لا يريدون خسارة هذا التحالف ولا تريد تلك الدول الوقوف بالضد من هذا التحرك للدب الروسي باتجاه اوكرانيا لا سيما العراق وسوريا وبعض دول الخليج وحتى الاطراف المعترضة لا تريد ان تكون في قلب المواجهة او الانحياز الى الجانب الامريكي او الاوربي في هذا الملف على اعتبار أن روسيا لديها علاقات وامتدادات تجارية وسياسية مهمة في المنطقة”.
واضاف سلمان، ان “انعكاس العملية العسكرية بدأ سريعا في ارتفاع أسعار النفط والذهب بالأسواق العالمية وجميع دول المنطقة تفكر في الخطوة المقبلة بعد هذا التصعيد والجميع يتوقع ان روسيا لن تتوقف او تكتفي بهذا الموضوع لان روسيا تريد صناعة رأي عام عالمي بأن هذه الحرب ليست حرب روسية أوكرانية بل هي حرب ستلقي بظلالها على المنطقة وما قاله الرئيس الأوكراني كان واضحا بان دخول روسيا الى إقليم دونباس سيغير خارطة العالم بالتالي فان المعالم ستكون أوضح بالساعات المقبلة”.
وتابع ان “الوضع قد يتطور في الساعات المقبلة من خلال استهداف روسيا الى دول أخرى باتجاه جانب البلطيق لاسيما الدول القريبة من اوكرانيا والتي لديها خلافات مع روسيا وفد لا نجد الرد المناسب من أمريكا والناتو ولن يكون التدخل الامريكي عسكريا بل اقتصاديا باجراءات مشددة على روسيا وهذا بمجمله سينعكس على المنطقة العربية لأن العقوبات الاقتصادية على دولة عظمى لن تكون محدودة بل عابرة للحدود”.