نوقشت اليوم، الموافق 23 يناير 2025، في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة عدن، رسالة الماجستير المقدمة من الباحث وحيد الفودعي، والتي حملت عنوان “تقييم أداء البنك المركزي اليمني ومتطلبات الإصلاح المؤسسي للفترة 2016-2023”. وشهدت قاعة المناقشات حضورًا واسعًا ضم عددًا من الأكاديميين والمهتمين بالشأن الاقتصادي، بالإضافة إلى جمع من الأهل والأصدقاء، الذين شاركوا الباحث هذا الإنجاز العلمي الهام.
تألفت لجنة المناقشة من أ. مشارك د. صالحة محمد علي، التي تولت رئاسة اللجنة وأشرفت علميًا على الرسالة، وأ. مشارك د. محمد صالح الكسادي عضوًا ومناقشًا خارجيًا، وأ. مساعد د. منصر مهدي حبتور عضوًا ومناقشًا داخليًا. وبعد نقاش علمي موسع وتحليل معمق للرسالة ومحتواها، أعلنت اللجنة قبول الرسالة العلمية بتقدير امتياز عالٍ جداً، وبدرجة بلغت 98%، مشيدةً بالجهود الكبيرة التي بذلها الباحث في تقديم دراسة علمية متميزة عالجت موضوعًا محوريًا يتعلق بالاقتصاد اليمني.
ركزت الرسالة على دراسة أداء البنك المركزي اليمني خلال مرحلة تاريخية حافلة بالأزمات الاقتصادية والسياسية، مسلطةً الضوء على أبرز التحديات التي واجهها البنك، وعلى رأسها تأثير الحرب والانقسامات السياسية التي انعكست بشكل مباشر على الأداء الاقتصادي للبلاد. وكشفت الدراسة عن تدهور الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير، نتيجة لانهيار العملة المحلية وتراجع الإيرادات العامة، إلى جانب توقف صادرات النفط، مما أدى إلى تفاقم العجز المالي واضطرار السلطات إلى اللجوء للطباعة النقدية أو الاقتراض لتغطية الاحتياجات.
وخلال النقاش، أشار الباحث إلى أن الانقسام في السياسات النقدية بين صنعاء وعدن شكّل عائقًا رئيسيًا أمام البنك المركزي، مما أدى إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية، بما في ذلك المضاربة بالعملة والطباعة النقدية غير المدروسة، والتي ساهمت في تدهور سعر الصرف. كما أبرز الباحث هشاشة البنية المؤسسية للبنك المركزي في عدن، حيث تعاني البنية التحتية المادية والتقنية من ضعف كبير، إلى جانب قدم القوانين التنظيمية وعدم ملائمتها للتطورات الاقتصادية والتكنولوجية الحديثة.
وأوضحت الدراسة أن البنك المركزي عاجز عن تفعيل معظم أدوات السياسة النقدية، حيث يواجه صعوبات في استخدام أدوات غير مباشرة مثل نسبة الاحتياطي الإلزامي وسعر الفائدة وعمليات السوق المفتوحة، مما جعله يعتمد بشكل أساسي على أداة سعر الصرف. ومع ذلك، أظهرت النتائج أن هذه الأداة لم تكن كافية لتحقيق الاستقرار بسبب العوامل الاقتصادية والسياسية المعقدة. وأكدت الدراسة أن عرض النقود أثر سلبًا على سعر الصرف والتضخم والناتج المحلي الإجمالي، مشيرةً إلى أن الاحتياطيات الأجنبية والودائع السعودية ساعدت في تحقيق استقرار مؤقت للعملة، لكنها لم تكن كافية لتحقيق الاستدامة على المدى الطويل.
وخرجت الدراسة بجملة من التوصيات، كان أبرزها ضرورة تحديث القوانين والتشريعات لتواكب المتغيرات الاقتصادية، وتعزيز البنية التحتية المادية والتقنية للبنك المركزي، وتطوير الهيكل التنظيمي واستقطاب الكفاءات المؤهلة. كما شددت التوصيات على أهمية تعزيز استقلالية البنك في اتخاذ القرارات النقدية والإدارية، وتبني منهجيات رقابية حديثة قائمة على المخاطر، وإنشاء صندوق لدعم السيولة بهدف تعزيز استقرار السوق النقدي. ودعت الدراسة إلى تحسين التنسيق بين السياسات النقدية والمالية، وتعزيز الثقة المحلية والدولية بالنظام المصرفي من خلال الحوكمة المؤسسية والشفافية، بالإضافة إلى تفعيل نظم الدفع الإلكترونية لضمان الكفاءة والاستدامة.
واختتمت المناقشة بتقدير عالٍ من أعضاء اللجنة للباحث وحيد الفودعي، مؤكدين أن الدراسة تمثل إضافة علمية مميزة تسلط الضوء على قضايا جوهرية تتعلق بالاقتصاد اليمني، وتوفر رؤى هامة يمكن الاستفادة منها في تعزيز أداء البنك المركزي وتحقيق استقرار اقتصادي مستدام.