اغتالت وأطاحت بـ 22 رئيسا.. هكذا حكمت فرنسا أفريقيا من وراء ستار لمدة 50 عاما

يُخبرنا الصراع المشتعل في أفريقيا الوسطى بين الرئيس تواديرا المدعوم من روسيا والمعارضة المدعومة من فرنسا الكثير عن الطريقة التي تنظر بها القوى الكبرى إلى أفريقيا بوصفها ملعبا للنفوذ والصراعات بالوكالة، بل ولنهب الموارد والاستيلاء على خيرات الشعوب. ربما انتهى زمان الاستعمار رسميا، لكن قواه لا تزال تتحكَّم في أفريقيا من خلال الإمبراطوريات الاقتصادية والشركات الأمنية، والأنظمة الديكتاتورية التي لا تتردَّد في استدعاء القوى الأجنبية لضمان البقاء في السلطة. هي قصة قديمة إذن لكنها تتجدَّد كل يوم بصورة مختلفة، ليستمر معها الرجل الأبيض في الاستيلاء على خيرات أفريقيا، في أكبر سرقة علنية عرفها التاريخ.في ذلك التوقيت لم يكن هناك صوت يعلو فوق صوت الربيع العربي، حيث يموج العالم بالصخب بعد رحيل زين العابدين بن علي وحسني مبارك، في حين بدأ للتو القصف الدولي على ليبيا بهدف الإطاحة بالقذافي، بينما تتلاحق التطورات سريعا في اليمن وسوريا. في خضم هذا الصخب، وتحديدا في إبريل/نيسان 2011، كانت الطائرات الفرنسية تُحلِّق بكثافة في سماء أبيدجان، عاصمة ساحل العاج، مُرسِلة صواريخها لتُدمِّر مستودعات الأسلحة حول المدينة مُحوِّلة سماء البلاد الهادئة إلى عرض مرعب للألعاب النارية، وسرعان ما تحوَّلت الطائرات، بعد السيطرة على مطار أبيدجان، إلى القصر الرئاسي حيث يُقيم الرئيس “لوران غباغبو”، الذي كان قد لجأ للتو إلى المجلس الدستوري من أجل إلغاء نتائج الانتخابات التي فاز بها منافسه “الحسن واتارا”، الذي يحظى بعلاقات جيدة مع فرنسا، واعتُرِف به رئيسا شرعيا للبلاد. وفي خضم الاشتباكات بين قوات الجيش الموالية لغباغبو والمسلحين الموالين للرئيس الجديد، انقسمت البلاد فعليا تحت سيطرة حكومتين، قبل أن تتدخَّل فرنسا من جديد بغطاء دولي وتقوم باعتقال “غباغبو”، وإرساله إلى المحاكمة أمام الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
لم تكن عملية أبيدجان بحال خارجة عن سياق النشاط الفرنسي المستمر في أفريقيا، الذي لم يوقفه بحال النهاية “الرسمية” لعهود الاستعمار بحصول جميع الدول الأفريقية على استقلالها، فعلى مدار العقدين الماضيين نفَّذت فرنسا تدخُّلات عسكرية نشطة في كلٍّ من جيبوتي ومالي وأفريقيا الوسطى وتشاد، ناهيك بقواتها الموجودة بحكم الواقع في قائمة أخرى من البلدان كالسنغال وبوركينا فاسو والكونغو والجابون وغيرها، وهو نشاط لا يُغيِّر من طبيعته حقيقة أنه لا يحظى بحقه اللائق من التغطيات الإعلامية الغربية، نظرا لأن وسائل الإعلام في الغرب ربما لا تزال تستبطن تلك الرؤية الهيغلية، نسبة إلى الفيلسوف الألماني هيغل، حول أن العبودية هي “خاصية أفريقية ومصير محتوم للأفارقة”، وأن العبيد الأفارقة الذين اقتيدوا قسرا إلى الغرب لم يكونوا ليصبحوا أفضل حالا إذا ظلَّوا في بلادهم، تلك الصورة النمطية حول الحكم والسياسة والمجتمع في أفريقيا التي لا يزال العالم أسيرا لها إلى الآن.
جندي فرنسي في بانغي عاصمة أفريقيا الوسطى (رويترز)
“الاستبداد والفساد المستشري ليسا لازمين للثقافة الأفريقية كما يبدو. في الواقع فإن المجتمعات عديمة الدولة مثل الصومال والإيبو والتيف -قبائل في نيجيريا- تميَّزت دوما برفض أي سلطة مركزية، لذا لم يكن من الممكن أن يظهر بينهم حكام مستبدون، بدلا من ذلك فقد قامت هذه الأنظمة على القانون العرفي والعدالة بوصفها مبادئ حاكمة”.
(اللورد بيتر باور، اقتصادي بريطاني شهير، في كتابه “بين الواقع والبلاغة: دراسة في اقتصادات التنمية”)