حراك شعبي في اليمن من رحم مبادرة “مسارات المصالحة”
12 مارس/ آذار 2023 – جاء تدشين مبادرة “مسارات المصالحة” – أول منصة شعبية في اليمن تعتمد على شبكة من المنسقين المحليين في 21 مديرية بخمس محافظات (عدن وتعز والحديدة والمهرة ومأرب) – بمثابة مرحلة أولى من مبادرة وطنية ومستقلة ومحايدة تهدف إلى إرساء السلام وتحقيق المصالحة وسرد قصص نجاح تعكس دور المجتمعات المحلية.
يأتي تدشين المنصة بعد مشاورات عقدت بين أكتوبر/ تشرين الاول 2020 وأكتوبر / تشرين الاول 2021 – في إطار مبادرة مسارات المصالحة بدعم من المعهد الأوروبي للسلام. جمعت هذه العملية 16000 شخص من تسع محافظات يمنية في أكبر مبادرة تشاور شهدها تاريخ اليمن الحديث ، حيث شملت جميع شرائح المجتمع اليمني.
بهذه المناسبة، قالت نسيم العديني، أحد المنسقات المحليات لمنصة مسارات المصالحة “طوال فترة الصراع الدائر، ساد شعور متزايد لدى السكان المقيمون داخل اليمن بتهميش معاناتهم ومخاوفهم وعدم إدراجها ضمن أولويات المجتمع الدولي لا سيما مع تصاعد الأزمات العالمية، وبأن المسارات الرسمية الرامية إلى تحقيق السلام تشوبها عيوب ومنفصلة عن الحقائق الموجودة على الأرض. ومن هنا تبرز الحاجة الملحة لإيجاد مسار محلي يمكن من خلاله إيصال أصوات اليمنيين المهمشة إلى صناع القرار والمجتمع الدولي”.
عُقد مؤتمر اليوم – الذي ضم 42 منسقا محليا – عن بُعد (افتراضيا) حيث استحال حضور النشطاء من مختلف المديريات في اليمن بشكل شخصي في ظل التحديات الأمنية والقيود المفروضة على السفر والتنقل. يعكس العمل المُنجز حتى الآن داخل المجتمعات المحلية المختلفة عن وجود حاجة كبيرة لتعزيز أصوات عشرات الآلاف من اليمنيين المفتقرين للتمثيل ورأيهم في القضايا الجوهرية التي تؤثر عليهم، بما في ذلك مسألة إنهاء الصراع والمصالحة الوطنية والسلام المستدام. الهدف الرئيسي للمنصة هو إشراك اليمنيين من خارج دائرة النخب القوية وتعزيز أصواتهم، وبالتالي جعل جهود التسوية للصراع شاملة وشرعية ومستدامة.
قالت عبير الاثوري، عضو اللجنة التوجيهية للمنصة، “نتيجة الصراع الدائر، تواجه القرى والمديريات والمحافظات في اليمن مجموعة من المشاكل العويصة المتزايدة والنزاعات التي لم يتم حلها، في ظل الافتقار الواضح لآليات فعالة لفض المنازعات. احدى أهم النتائج التي توصلت اليها المشاورات مع المجتمعات المحلية هو وجود حاجة إلى مبادرات عملية على الميدان تُعزز المصالحة والسلام بطريقة تكفل الاستماع إلى الناس وتعزز قدرتهم على المشاركة. وبناء على ذلك، وإيمانا منا بأن التغيير عملية تراكمية وبأهمية الاستماع الى الأصوات المحلية، كان علينا العمل على إطلاق هذه المنصة لأن اليمنيين وحدهم هم من يدركون احتياجاتهم وتطلعاتهم للمستقبل”.
هذا ونجح المنسقون المحليون بالفعل في خلق وجود مؤثر على الميدان ليس فقط من خلال تحليل المشاكل، ولكن عبر قيادة المبادرات المحلية العملية التي كان لها تأثير في حل المشاكل والقضايا الملموسة بما في ذلك حل قضايا الثأر القبلي، وفتح الطرق، وإذكاء الوعي بأهمية السلام، وانتشال وتبادل الجثث عبر الجبهات، و تقديم المساعدة القانونية للنساء، ومساعدة النازحين داخليا والمجتمعات المتضررة من الحرب من خلال توفير الملاجئ وإعادة تأهيل آبار المياه.
هذا وسلط المؤتمر الضوء على عدد من المطالب المحددة من المجتمعات المحلية في مختلف أنحاء البلاد، والتي سيتم نقلها إلى الجهات الفاعلة المحلية والوطنية والدولية ممن لديها القدرة على تلبيتها. تشمل هذه المطالب: ضرورة وقف الحرب وتحقيق السلام، والتخفيف من وطأة الأزمة الإنسانية وبدء التعافي الاقتصادي، واستعادة الخدمات الأساسية وحماية حقوق اليمنيين، واعتماد استراتيجية تنطوي على تكامل مختلف مسارات بناء السلام وتحقيق المصالحة، وتغيير مجرى الصراع من خلال إنشاء حراك شامل يمثل مختلف الاطياف ويسعى حقا إلى تحقيق المصالحة والسلام المستدام.
وفي هذا السياق، قال عبدالسلام الدعيس، عضو اللجنة التوجيهية للمنصة، “تتمثل المهمة الأساسية لمنصة “مسارات المصالحة” في مساعدة اليمنيين على إنشاء حراك – حراك من الأشخاص المتضررين من الحرب ممن يسعون حقا إلى إنهاء الصراع وتحقيق المصالحة الوطنية والسلام المستدام. المنصة ملك لجميع اليمنيين وستخدم مصالح جميع أبناء الشعب اليمني دون تمييز أو إقصاء من أي نوع، وبعيدا عن أي أجندات أو مصالح ضيقة”.
نشأت منصة “مسارات المصالحة” من فكرة أساسية وهي مبدأ الشمول والمشاركة وتعزيز أصوات المواطنين العاديين باعتباره عنصر حاسم في إرساء أسس سليمة لتحقيق المصالحة وبناء السلام. ويسعى إلى أن يكون أساس مرجعي لصناع القرار في الداخل والخارج، للاستماع إلى آراء اليمنيين العاديين وتشجيعهم على المشاركة ومناقشة القضايا المحلية والوطنية ذات الأولوية والدعوة لحلها.
كما ستسعى المنصة إلى تكوين شراكات مع الفاعلين الإقليميين والدوليين الرئيسيين ذوي الصلة بعملية السلام، لتوسيع نطاق انخراطهم، وصولا إلى تشكيل حركة وطنية مستقلة تضمن إدراج الآراء الحقيقية لليمنيين من المجتمعات المحلية في المناقشات وتأطير وتصميم الحلول والاتفاقيات التي من شأنها التأثير عليهم.