سواء كنت راكباً أو راجلاً، يجب عليك أن تمشي ببطء وتتفحّص تفاصيل موضع كل قدم قبل أن تحطّها في منطقة سق وأن وصلت إليها مليشيا الحوثي المتمّردة المدعومة من إيران. وقبلها عليك أن تودّع أهلك وتستعد لرحلة خطرة قد تكلّفك حياتك كما حدث لكثير ممن سبقوك في مغامرة مماثلة.
خلال السنوات السبع الماضية، عملت المليشيا الحوثية على تفخيخ كل أرض يمنية وصلت إليها؛ سواء في البر أو في البحر، وحوّلت البلاد إلى حقول ألغام تحصد أرواح اليمنيين كل يوم. وشملت أضرارها الحيوانات البرية والبحرية.
أدوات الموت
تنقسم هذه الألغام نظرياً إلى ألغام مضادة للأفراد وأخرى مضادة للدروع، إضافة إلى العبوّات الناسفة، وفقاً لمصادر خاصة تعمل في الفرق المحلية لمكافحة الألغام الحوثية في اليمن.
وتنقسم الألغام المضادّة للدروع، وفقاً للمصادر، بين ألغام معروفة دولياً، وأخرى محلية إما صنّعتها المليشيا الحوثية أو قامت بتعديلها لتناسب أهدافها الإجرامية، وفقاً لنوع الهدف والمنطقة التي تريد تلغيمها، سواء كانت جبلية أو صحراوية أو مناطق سكنية كالمدن والقرى وغيرها.
وبحسب المصادر فإن الحوثيين يصنعون هذه الألغام بأحجام وألوان متعددة بمساعدة مباشرة من خبراء الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، ويتعمّدون تمويهها بأشكال مألوفة وخادعة بهدف الإيقاع بأكبر عدد من الضحايا في أوساط اليمنيين، بما فيهم الأطفال والنساء وكبار السن.
مشيرين إلى أن المليشيا تقوم بتطوير هذه الألغام باستمرار لتجاوز جهود انتزاع ومكافحة هذه الألغام سواء من قبل الفرق الهندسية الميدانية أو جهود التوعية عبر وسائط الإعلام المتعددة.
أسماء وصور
وفيما يلي عرض خاص بالأسماء والصور لـ10 من أبرز أنواع الألغام والعبوّات الناسفة الحوثية، والتي كشفتها الفرق الهندسية في المناطق التي جرى تحريرها من المليشيا خلال السنوات الماضية.
شبكات ألغام
تحدّث الخبراء عن نوعين من الألغام المحلية التي تعمل المليشيا الحوثية على صناعتها في المعامل الخاصة بها، بأحجام وأشكال وأهداف مختلفة.
ومنها الألغام الفردية التي تشركها بدوائر كهربائية وتزرعها على مداخل القرى والمناطق الآهلة بالسكّان وعادة ما تسمّى “شبكات ألغام”.
ألغام دواسة
وبالإضافة إلى ذلك، كشف الخبراء عن نوع آخر من الألغام الفردية شديدة الخطورة، حيث تقوم المليشيا بإشراكها بدوّاسات بحيث تكون قابلة للإنفجار تحت أي ضغط.
ومنتصف العام 2019، عثرت القوات الحكومية بعد تقدمها في مديرية باقم شمال صعدة، على مخازن ألغام تابعة لمليشيا الحوثي مخفية في أنفاق تحت الأرض. وكان من ضمنها ألغام مركبات مزودة بدواسات مضادة للمدنيين،
مواد بناء ومجسمات خادعة
من خلال عمليات انتزاع الألغام خلال السنوات الماضية، يظهر أن المليشيا الحوثية تتعمّد تفخيخ المنازل والمرافق الخدمة في المدن التي تحتلّها بأنواع مختلف من الألغام والعبوّات، ومنها ألغام وعبوات على شكل خرسانات إسمنتية أو قطع بلاستيكية أو أسطوانات حديدية وغيرها من الأشكال المألوفة والمجسّمات الخادعة.
ومن ضمن الغرائب، أن المليشيا حوّلت علب الفول إلى متفجّرات تضع داخلها قطع حديدية وكمّية من البارود وحشوة متفجرة متصلة بكبسولة كهربائية، بحيث تنفجر بمجرد الإقتراب منها.
ألعاب قاتلة
وهناك ألغام حوثية أخرى على شكل ألعاب أطفال تعمّدت المليشيا زراعتها إما في المنازل أو في الطرق المؤدية إليها، وغالباً ما تصطاد صغار السن.
وفقاً للمختصّين، فإن هذه الخدع القاتلة تهدف إما لقتل الأطفال مباشرة أو قتلهم مع أسرهم عندما يعودون بها إلى المنزل، حيث تنفجر بالعائلة كاملة عندما يبدأ الأطفال بالعبث بها.
وفي ١٥ ديسمبر ٢٠٢١، قتل طفلين هما: نادي حكمي، وإسحاق بخشيش، وأصيب ثالث هو طارق بخشيش (12 سنة) نتيجة انفجار عبوة ناسفة مموهة على شكل “لعبة” في قرية “المقانع” شرق مدينة حيس بمحافظة الحديدة، وفقاً للمرصد اليمني للألغام.
أحجار البناء
مؤخّراً، تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مشاهد مصورة تظهر نموذجاً جديداً للألغام الحوثية في شكل أحجار البناء “البلك”، ويظهر المقطع بلكة “مفخخة” وضعتها المليشيا في حائط منزل لأحد المواطنين في مديرية الدريهمي بالحديدة.
ويظهر في المقطع مواطن وهو يستعرض البلكة (اللغم) متحدثاً عن صعوبة التفريق بينها وبين البلكة العادية والتي تتطابق معها أيضاً في المقاسات ارتفاع 20 سم وعرض 24 سم وامتداد 15 سم.
صخور مفخخة
يقول الخبراء إن المليشيا الحوثي تقوم بصناعة أشكال وأحجام مختلفة من العبوات الناسفة على شكل صخور ملونة، منها سوداء وأخرى رملية، وتستخدمها بحسب طبيعة المنطقة التي تريد أن تزرعها فيها سواء كانت جبلية أو صحراوية.
وفي مايو ٢٠٢١، انتزعت فرق الهندسية العسكرية 150 لغمًا، منها ألغام مموهة على شكل أحجار كانت قد زرعتها المليشيا في الطرقات المؤدية إلى مدينة الحزم ومناطق أخرى شمال وجنوب محافظة الجوف.
أجسام مموّهة
تتعمد المليشيا الحوثية زراعة عبوات متفجّرة مموّهة تقوم بزراعتها في الطرق الرئيسية بين المحافظات والطرق الفرعية المؤدية إلى القرى والأماكن العامة، وتقوم بوضعها إما على جنبات الطرق أو في وسطها على شكل مطبات ومجرد المرور عليها تنفجر بالمركبات.
وغالباً ما تكون هذه الألغام عبوات موجهة أو مزدوجة على شكل صاروخ وتنفجر بعّدة طرق إما بدائرة ضوئية أو بشراك، وفقاً للمصادر.
وأواخر يناير 2022، انتزعت الفرق الهندسية عشرات الألغام متعددة المهام، وعبوات ناسفة مموهة شديدة الانفجار، زرعتها المليشيا بكثّافة في الطرقات والمزارع ومناطق يستخدمها المدنيون بمديريتي عسيلان وبيحان غربي محافظة شبوة.
جذوع نخل متفجّرة
خلال السنوات الأخيرة ظهر نوع جديد من الألغام الحوثية قامت بوضعها في مزارع المواطنين في الحديدة.
وفي أكتوبر 2018، نشر المركز الإعلامي لألوية العمالقة عبوات ناسفة على شكل جذع نخلة كانت قد زرعتها مليشيا الحوثي بمزارع النخيل القريبة من كيلو 16 التابعة لمديرية الحالي، قبل أن تنجح الفرق الهندسية في اكتشافها وإبطال مفعولها.
قفازات قاتلة
ومن ضمن الأشكال الخطيرة التي تستخدمها المليشيا الحوثية في الآونة الأخيرة، ألغاماً فردية على شكل قفازات، وهي من الألغام المرتدّة المضادة للأفراد.
ووفقاً للمرصد اليمني للألغام فإن هذا النوع من الألغام ينطلق للأعلى لمسافة نحو متر ونصف، عندما يتم الدوس عليه، ثم ينفجر، محققًا هدفه بدقة.
وفي ٤ أغسطس ٢٠٢١، قتل رجل مسن بانفجار لغم من هذا النوع (وثاب) كان قد زرعه الحوثيون في منطقة “مزارع النسيم” بمديريه حرض غرب حجة، وفقاً للمرصد.
إطارات متفجّرة
ومن ضمن العبوّات الحديثة التي ظهرت في ترسانة المليشيا الحوثية في الآونة الأخيرة، عبوّات في إطارات السيارات.
وفي فبراير الماضي (2022)، انتزعت الفرق الهندسية كمّيات هائلة من الألغام كانت قد زرعتها المليشيا الحوثية في مديريات بيحان غرب شبوة قبل دحرها منها مطلع العام الجاري، ومن ضمن هذه العبوات إطارات سيارات قامت بتفخيخها وتحوّيلها إلى عبوات شديدة الإنفجار.
تقنيات التفجير
منذ بداية حروبها التوسّعية عملت مليشيا الحوثي على تطوير الألغام وابتكار أساليب جديدة لطريقة انفجارها مستفيدة من الخبرات الإيرانية وخبراء حزب الله المتواجدين في صنعاء.
ووفقاً للخبراء فإن جميع تلك العبوات مزوّدة بتقنيات التحكّم عن بعد، إضافة إلى عبوات مزوّدة بكاميرات حرارية تعمل بالأشعّة تحت الحمراء بحيث تنفجر عند درجة معينة من الأشعّة بمجرد الإقتراب منها.
إضافة إلى ألغام وعبوات تنفجر عبر “الشريحة” التي تثبّتها داخل العبوة الناسفة ويتم تفجيرها في الهدف عن بعد، وألغام تنفجر بـ”الدواسات” بمجرد دعسها بالقدم، وألغام مرتبطة بشراك (خيط رفيع) وتنفجر عند لمسه إما في الممرات الفرعية أو عند فتح باب.
ووفقاً لخبراء الألغام فإن بعض العبوات مزوّدة بخاصية الإنفجار بأكثر من طريقة، منها على عبوات تنفجر بدواسة ولاسلكي وكاميرا، لافتين إلى أنها من أخطر أنواع العبوات سواء بالنسبة للمستهدفين أو للمهندسين الذين يعملون على انتزاعها وتفكيكها.
يناير المأساوي
وصف المرصد اليمني للألغام، شهر يناير الماضي 2022، بـ”المأساوي” على المدنيين وعلى الفرق الهندسية، كاشفاً عن سقوط 36 قتيلًا و37 جريحًا نتيجة الألغام والعبوات الناسفة الحوثية.
وقال المرصد في تدوينات بحسابه على تويتر: وثّقنا سقوط 30 قتيلًا مدنيًا بينهم أطفال معظمهم في شبوة ثم الحديدة فمأرب والجوف، وإصابة نحو 35 آخرين من المدنيين بعدة محافظات.
مضيفاً أنه “خلال شهر يناير الفائت قتل 6 عاملين في نزع الألغام وأصيب 2 آخرين أثناء تأديتهم عملهم في مديرية حيس بالحديدة وفي شبوة وحريب جنوب مأرب.
ومن جانبه، قال وزير الشؤون القانونية أحمد عرمان، في مقابلة حديثة مع صحيفة عكاظ، إنه حتى منتصف 2021، قتل الحوثيون (9552) مدنياً بينهم (1523) طفل و(696) امرأة، و(7333) رجلاً، ومن ضمن القتلى (1326) مدنياً بسبب الألغام الحوثية.
سلوك متأصّل
واعتبر فريق خبراء مجلس الأمن المعني باليمن، في تقريره السنوي للعام 2021، أن “الاستخدام العشوائي للألغام الأرضية والأجهزة اليدوية الصنع من قبل الحوثيين هو استخدام متوطن ومنهجي”. واصفاً تأثيرها على المدنيين بـ”المدمّر”.
ودعا فريق الخبراء، مليشيا الحوثي إلى “وقف الاستخدام العشوائي للألغام الأرضية، وتسجيل مواضع زرعها، وإزالة الألغام الأرضية الموجودة من المناطق المدنية الخاضعة لسيطرتها”.