تعز.. وثائق جديدة تكشف جانباً من صور الصراع في مجموعة الشيباني التجارية
كشفت وثائق رسمية جديدة جانباً من صور الصراع المتراكم في أروقة أسرة الشيباني، العائلة والمجموعة التجارية الكبيرة، والذي ظل يتطور منذ سنوات طويلة، حتى وصل إلى حد إدخال المجموعة في خطر التفكك مؤخرا بعد الاقتحام المسلح للمجموعة والانقلاب على مجلس الإدارة نهاية ٢٠٢٢، وهو ما يهدد بآثار سلبية كثيرة على الاقتصاد الوطني عموما، كما سينعكس بشكل مباشر على آلاف من أسر العاملين في المجموعة التي تعد ثاني أكبر المجموعات التجارية في اليمن.
وتعود الوثائق المسربة إلى شهر نوفمبر من العام ٢٠٠٦، وتقع في ١٣ صفحة، هي عبارة عن رسالة تقييم مطولة من مؤسس المجموعة الحاج أحمد عبدالله الشيباني إلى نجله الأكبر “عبدالكريم” الذي كان يدير المجموعة قبل أكثر من ٢٥ عام، لكنه فشل فشلاً ذريعاً وتسبب في سلسلة إخفاقات أوصلت المجموعة إلى حافة الانهيار، وجعلت البنك المركزي اليمني حينها يدخلها في القائمة السوداء، ليتدارك الأب الأمور ويعين نجله الثاني “أبو بكر” مديراً عاماً والذي استطاع قيادة المجموعة إلى “الاستقرار” ومن ثم نقلها إلى مرحلة التطور والازدهار منذ تسلم عمله مطلع العام ٢٠٠١ .
*المصارحة والمكاشفة وسلسلة الإخفاقات:
ويكشف الحاج الشيباني في رسالته لنجله “عبدالكريم” صوراً من صور فشله المالي والإداري، إضافة إلى انعدام كفاءته وعدم مسؤوليته في أداء مهامه طوال فترة عمله، كما يذكره بأنه قد منحه فرصاً عدة لتصحيح أخطاءه وتقويم مساره، لكنها قوبلت ب”اللا مبالاة” وانعدام المسؤولية.
كما يُذكِّر الشيباني نجله بحسب الوثائق المرفقة بأنه سبق وعقد اتفاقا معه بشأن الصلح بينه وبين شقيقه، وتم تعميده بالمحكمة على أن يلتزم الطرفان بكل ما فيه، لكن عبدالكريم بدأ في الشوشرة واصطناع الفوضى من جديد، وهذا ما وصفه الشيباني ب:”التحدي والتحرش والعقوق وعرقلة الاستقرار والعمل” وهو ما اعتبره أمراً مرفوضاً وغير مسموح به.
كما كشفت الرسالة في صفحتها الثانية قرار الأب المؤسس بمنع دخول نجله “عبدالكريم” إلى أي موقع من مواقع المجموعة الصناعية والتجارية أو الإدارة وفروعها لمدة عام كامل، مؤكداً استعداده للتعاون معه من جانب “أبوي” إذا رغب في تأسيس مشروع خاص به، رغم يقينه من أنه لن يدخل في أي مشروع ب”جدية” واهتمام حد قول الأب.
*المخالفات التي قصمت ظهر المجموعة:
ويسرد الحاج أحمد الشيباني في رسالته أهم المخالفات التي قام بها نجله عبدالكريم، والتي أثرت بشكل بالغ على المجموعة التجارية وسائر مؤسساتها في تلك الفترة، ومن أهمها:
– سحب مبالغ بمئات الملايين دون علم أحد، ورفض تقديم أي حسابات رسمية لها كما كان يطالبه والده.
– عدم معرفة أبسط المعلومات عن بعض المصانع بسبب إهماله للعمل، حيث لم يزر بعضها طيلة سنوات ولو لمرة واحدة أو يعرف إنتاجها وحجم تجهيزاتها واحتياجاتها فضلا عن التفاصيل الإدارية الدقيقة.
– كثرة الشكاوى من الاختلاسات والصرفيات العشوائية ورفض نجله استخدام أنظمة محاسبة آلية للشركات بل ورفض إدخال “الكمبيوتر” في العمل بحسب تعبير الشيباني.
– توقف الإنتاج في أكبر مصانع المجموعة لمدة ثلاث سنوات، حيث توقف منتج الطلاء الفضي والذهبي أثناء فترة إدارة عبدالكريم، ولم يعلم بذلك، وهو ما اكتشفه الأب بعد ذلك وكان من أهم أسباب توقيفه لعبدالكريم وتعيين أبو بكر.
– تدني المبيعات بشكل حاد، حتى وصل إلى درجة “الصفر” مع منتج الشاي مثلاً كما هو مذكور.
– مخالفات بالجملة في الضرائب، ونفقات إضافية، وعجز مالي، وضياع لحقوق ملكية علامات تجارية.
– كثرة سفريات عبدالكريم إلى الخارج، والأموال الكبيرة التي تنفق على تلك السفريات من حسابات المجموعة بحجة انها جميعا”سفريات عمل”.
– إغلاق بعض المصانع والمؤسسات التابعة للمجموعة بسبب سوء العمل الإداري والغياب المستمر لعبدالكريم وإهماله.
– سوء علاقة المجموعة بالجهات الرسمية ذات العلاقة، لدرجة قيام الضرائب بإغلاق مصنع، وإغلاق الأمن السياسي لآخر.
*محاولات الأخ الهروب من مشاكل شقيقه:
وفي ثنايا رسالته المطولة لنجله الأكبر، تحدث الشيباني في أكثر من موضع عن “الحسد” وكيف يقتل صاحبه، مخاطباً ولده بأنه لا يطلب منه المستحيل، بل سلامة النفس وتنقيتها والتصالح مع إخوته وطاعة والده، مذكراً إياه بغضب أمه منه وحزنها من تصرفاته ضد إخوته حتى في عز مرضها الذي وقف فيه أشقاؤه بجانبها، فيما ظل وحيداً يفتعل مشكلات جديدة.
وإلى جانب سرد إخفاقات نجله الأكبر وأسباب فشله، يوضح الشيباني في رسالته كما يظهر في الوثائق، يوضح ما نجح فيه الابن الآخر “أبو بكر” الذي حقق سلسلة نجاحات كبيرة بعثت المجموعة من جديد وأعادتها إلى سكة المنافسة بل والصدارة، إذ على سبيل المثال تضاعفت مبيعات شركات المجموعة أكثر من عشرة أضعاف خلال بضع سنوات.
كما يبين الأب محاولات “أبو بكر” الهروب من المشاكل في مواجهة شقيقه، وقبوله الدائم بكل ما يطرحه والده، وموافقته على كل ما تقرره الأسرة بشأن تلك المشاكل وما يتعلق بها، لدرجة رجاءه من والده قبول استقالته أكثر من مرة.
وكشف الشيباني أن نجله “أبو بكر” كان قد قرر الانسحاب تماماً من الإدارة ومن المجموعة ككل في العام ٢٠٠٤ بعد تصاعد المشاكل التي افتعلها شقيقه، لكن الأب اضطر للإلحاح عليه من أجل العودة إلى اليمن وإدارة المجموعة، وذلك بعد تجربة أخرى في حينها لعبدالكريم استمرت لسنوات وانتهت بفشل إضافي وقائمة مصروفات بمئات الملايين وأعباء جديدة.
*وكالات قديمة وجديدة لأبو بكر وتفويض كامل:
كما أظهرت الوثائق المنشورة وجود وكالات قديمة حررها الحاج الشيباني لولده “أبو بكر” واستمرت لفترات مختلفة كما يظهر في الوكالة المنشورة والمحررة في العام ٢٠٠٨ ويفوض فيها الشيباني نجله بحق التصرف والتحكم وإدارة كل أملاكه، مما يدحض بعض الشائعات المغرضة عن ان عملية التفويض كانت استغلالا لمرض الحاج بعد ٢٠١٩ فقط..
وتم تجديد هذه الوكالات طوال سنوات كثيرة، بنيت جميعها على رغبة الحاج المؤسس والنجاحات التي حققها أبو بكر، كما بنيت أيضا على أساس التشاور مع جميع أبناء الشيباني وغالبية قيادات المجموعة، وقد سبق نشر الوكالة الأخيرة التي حررها الأب المؤسس لنجله، وتستمر حسب بنودها حتى نهاية ٢٠٢٣.
*الأعمال الخيرية والمشاريع التنموية والدينية:
يذكر الشيباني أيضا ضمن صفحات رسالته استعراضاً مصحوباً بمقارنة، حول عدد من المشاريع الخيرية التي ترعاها المجموعة، من مساجد ومدارس ومستوصفات ودور تعليم القرآن، مقارناً بين عبدالكريم الذي قال إنه لا يعرف أي شيء متعلق بها، وبين أبو بكر الذي شارك في تأسيسها وظل يتابع باهتمام كل صغيرة وكبيرة حولها، حد قوله.
كما أشار إلى ترتيبات “الزكاة” السنوية التي لم يرتب لها عبدالكريم ولو لعام واحد، فيما ظل أبو بكر مع شقيقه عمر يرتبان كل شيء، موجهاً خطابه لولده في تساؤل استنكاري: “هل يمكن بهذه الطريقة أن تكون خليفة لوالدك وكبيراً للأسرة” ؟!
*ماذا حدث بعد ذلك؟:
يذكر أن هذه الرسالة كانت في العام ٢٠٠٦، وقد حدثت بعدها أمور كثيرة وصلت بعضها إلى حد الحوادث والجرائم، منها: قيام عبدالكريم بتهديد والده بالقتل في ٢٠١٢، ومحاولة قتل شقيقه ووضع مسدسه على رأسه أمام أنظار والده في مايو ٢٠٠٩، ثم حكم الصلح الذي تم بوساطات كبيرة وإشراف من الحاج الشيباني وقضى بإخراج نصيب “عبدالكريم” في كل الشركات والمصانع ودفعها له نقدا حبث تجاوزت المبالغ عشرات الملايين من الدولارات على أن يخرج عبدالكريم من كل شيء وتتوقف مشاكله، وبعد ذلك قيامه باستئجار مجموعة لقتل “أبو بكر” واعداً إياهم بمكافئة ضخمة ووجود تسجيلات صوتية مثبتة له بهذا الشأن، وشهادة والده للنيابة العامة بخصوص عدم استبعاده تورط عبدالكريم في محاولة الاغتيال التي تعرض لها أبو بكر وأصيب على إثرها بالرصاص في سبتمبر ٢٠١٢، إضافة إلى فراره من حكم قضائي بالسجن لتسعة أشهر في قضية محاولة قتل شقيقه.
وعاد عبدالكريم إلى اليمن في نهاية ٢٠٢٢، مع بدء تنفيذ المخطط الانتقامي لتفكيك المجموعة، والذي بدأ من استغلاله مع أخت له مرض والده وسفره إلى الأردن مطلع ٢٠١٩، لتقوم أخته بالتكفل بقلب مزاج الأب الذي تجاوز التسعين من عمره، وعكس الحقائق في ذهنه، وتصوير “أبو بكر” على انه يريد الاستئثار بكل شيء لنفسه، رغم وقوف إخوته العشرة ومجلس الإدارة إلى جواره، ليفاجئ الرأي العام بعد فترة تغييب للحاج الشيباني ومنعه من مقابلة أحد من قبل ابنته ونجله عبدالكريم، بخروج الشيباني في فيديو مصور يشكو فيه استحواذ أبو بكر على شركاته، رغم توكيله الرسمي له في إدارة كل شيء منذ سنوات كثيرة لم يتغير فيها شيء، باستثناء زيادة مطامع النجل الأكبر وأخته التي استحوذت على شركتين لابنيها وأقنعت والدها بتسجيل تنازل تام لهما عن الشركتين، في خطوة صادمة لم يصدقها عقل..
وتتسارع بعد ذلك خطوات المسلسل وصولا إلى اقتحام إدارة المجموعة في تعز بمجاميع مسلحة يقودها البرلماني عبدالكريم شيبان، ورفض كل التوجيهات الرسمية والأحكام القضائية، والاستقواء بالسلاح وتوزيع الأموال هنا وهناك وفرض أمر واقع يتنافى مع الدستور والقانون وأحكام القضاء والمحاكم المتخصصة في عدن وتعز، وتوجيهات رئيس الوزراء ووزارة الصناعة والتجارة ووزارة الشئون القانونية ومحافظ تعز وقائد محور تعز وكل الجهات ذات العلاقة..
بل والوصول إلى إصدار بيان باسم الحاج الشيباني من قبل نجله عبدالكريم ومن معه، يناقض فيه كل الحقائق التي أوردها والده هنا، ويعرفها جميع الناس وكل من عمل في مجموعة الشيباني على وجه الخصوص، رغبة من عبدالكريم في الإنتقام وإعادة الاعتبار لنفسه، حتى لو كان الثمن تفكيك وتدمير المجموعة التجارية، وهدمها على رؤوس الجميع!