كتاب (دعّام الجمهورية) للأستاذ أحمد عباس
تقديم: عادل الأحمدي
لا شيء أكثر رهبةً من أن تتكلم في حضرة شهيد بذل روحه لتظل جذوة الكرامة باقية في وطن تهون من أجله كل التضحيات.
وحين يكون الشهيد ذا سبق في مضمار الدفاع عن الوطن والعقيدة والحرية فإن الرهبة تكون أكثر، فلا تدري كيف تفيه حقه وكيف توثق بطولته في ذاكرة الأجيال على الوجه اللائق والمستحق، كما هو حال شهيدنا البطل نبيل بن عبدالواحد الدعام طيب الله ثراه.
والكتابة عن الشهيد هي أقل عرفان يزجيه الأحياء لبطل قدم روحه فداءً لهم.. والكتابة عن الشهيد الدعام هي كتابة عن كل شهداء اليمن الأبرار الذين كان لهم شرف الإسهام في مقارعة الكهنوت السلالي الإمامي الوثني الذي أسفر عن وجهه القبيح تحت لافتات خادعة وشعارات كاذبة أملا في عودة الماضي الإمامي البغيض الذي ركله شعبنا اليمني في ال٢٦ من سبتمبر ١٩٦٢، تلك الثورة العظيمة التي نحتفل هذا العام بعيدها الستين وقد وعينا أهدافها العظيمة واستلهمنا مقاصدها السامية التي كدنا أن ننساها لولا المحاولة الإمامية الأخيرة التي كان للشهيد نبيل الدعام شرف مواجهتها مثلما كان لأبيه المناضل السبتمبري الكبير اللواء عبدالواحد الدعام شرف الإسهام في ثورة سبتمبر الخالدة.
كما أن الكتابة عن شهدائنا الأبرار هو في الحقيقة نوع من العهد نقطعه على أنفسنا وفاءً لتضحياتهم الكبيرة في سبيل قضيتنا الوطنية العادلة وحق شعبنا في الحرية والكرامة بعيدا عن دجل الكهنة واستعباد الخرافة. تلك التضحيات التي روت ترابنا الطاهر بأزكى الدماء لن تذهب هدراً بل ستكون نبراسا يضيء طريق الأجيال اليمنية القادمة التي سوف تخلد أسماء كل الشهداء بأحرف من نور.
وانطلاقاً من هذه الحقيقة يأتي كتاب الأستاذ الأديب أحمد عباس لتخليد بطولة الشهيد نبيل عبدالواحد الدعام والذي شرفني بكتابة هذه المقدمة ولا يسعني إلا أن أتقدم له بالشكر الجزيل على هذا المجهود الطيب الذي بذله تأليفا وجمعا وتوثيقا، بعقل المؤرخ ولغة الأديب. ولا أبالغ إن قلت بأني كنت طيلة صفحات الكتاب ألمح ابتسامة الشهيد العظيم وهو يرى هذا العرفان المستحق لروحه الزكية والذي يصدر بعد سنوات من استشهاده رحمه الله.
ولعل القارئ الكريم يلحظ أن الكتاب أثناء توثيقه لبطولة الفارس النبيل نبيل الدعام يوثّق أيضاً لمرحلة هامة وحساسة من مراحل النضال الوطني كانت فيها الصورة لاتزال ضبابية عند الكثير من أبناء شعبنا تجاه العصابة الحوثية المدعومة من ملالي إيران، لكن بفضل صمود آل الدعام وغيرهم من الأبطال في طول اليمن وعرضه سقط القناع عن تلك العصابة ونشأت مقاومة استطاعت أن تحافظ على أجزاء واسعة من البلاد خارجةً عن سيطرة المليشيات السلالية العنصرية ومنطلقاً لتحرير باقي الوطن.
تلك مرحلة عايشتُها مواكبة وتعليقا في القنوات الإخبارية في محاولة للفت الأنظار لملاحم البطولة التي يبذلها أبناء الرضمة بقيادة القيل الدعام، ولقد استلفتتني تلك البطولات للوقوف طويلا عن كون تلك المناطق، الرضمة وأخواتها في محافظتي إب والضالع، كانت هي السد المنيع الذي وضع حاجزا لتمدد الخرافة في حقب مختلفة من تاريخ شعبنا.
ولابد لنا عند الحديث عن الشهيد نبيل الدعام، الإشارة إلى أن آل الدعام، أسرة عريقة من أقيال اليمن، عُرفت بنضالها وصلابتها في مواجهة مشروع الإمامة العنصري الغازي في اليمن، منذ وفوده قبل قرون، ولا تخلو كتب التاريخ من ذكر بطولاتهم في التصدي الأول للمجرم الهادي الرسي، ومثلما أن للدجل سلالةً تقوم بنشره وتعمل على استمراريته، فإن للشعب بيوتاً يتناسل فيها العز والشرف وتتواتر فيها التضحيات.
وكما أسلفنا فإن التاريخ النضالي لآل الدعام امتد للشيخ المناضل اللواء عبدالواحد هزام الدعام، والذي كان له شرف المشاركة في ثورة 26 سبتمبر الخالدة ثم الدفاع عنها وتثبيتها، وصولاً إلى تصدره هو وأنجاله الميامين الوقوف بوجه المحاولة الإمامية الجديدة والتي عاثت في الأرض الفساد، وأيقظت الشعب من بعد سبات.
التقيتُ الشيخ المناضل اللواء عبدالواحد هزام الدعام في صنعاء في العام ٢٠١٠ عقب عودته من مشاركته مع المئات من أبناء قبيلته في دحر التمرد الحوثي في مدينة صعدة، وتعرفت خلال ذلك اللقاء على جوانب من شخصيته القيادية الفذة وثقافته الوطنية الواسعة وسمعت منه أبياتاً حماسيةً رواها عن أحد التبابعة لم يسبق لي أن قرأتها في أيّ من كتب التاريخ.
كانت ساعات قليلة خرجت منها بالكثير من الجسارة التي تمتلئ بها روح اللواء الدعام ويفيض بها على من حوله، فما بالك بأبنائه الذي عاشوا معه عمراً.. لا شك أنهم تشربوا تلك المبادئ والمثل العظيمة ومن بينهم الفارس الشهيد نبيل طيب الله ثراه والذي استشهد وهو يؤدي واجبه البطولي في قيادة المعركة ضد المليشيات الإمامية العنصرية، ولقد صار بمثابة الرمز الذي يفخر به كل يمني، مثلما يفخر به أبناء محافظة إب بشكل خاص، وبكل آل الدعام وكل الأحرار الذين يشلكون عنواناً للرفض والأنفة ومقاومة الكهنوت العنصري البغيض.
رحم الله الفارس الشهيد القيل عبدالواحد الدعام وتقبّله في الشهداء والصديقين، ورحم الله كل شهدائنا الأحرار في كل مناطق اليمن، وحق علينا تثمين تضحياتهم وتخليد بطولاتهم والتمسك بالحلم الكبير الذي بذلوا أرواحهم رخيصة من أجله، كي يعود اليمن سعيدا عزيزا كما ينبغي له أن يكون. والشكر لكل الأقلام الشريفة التي تعمل على إبقاء جذوة الكرامة والحرية وقّادةً في النفوس، أمثال الأديب أحمد مصلح عباس صاحب هذا المجهود الجميل، ويقيناً إنه لا يكتب عن الكبار إلا الكبار.
رئيس مركز نشوان الحميري للدراسات والإعلام
القاهرة ١٠ أغسطس ٢٠٢٢
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid02hUVXE58DrpxJCT6raDZuAuHVsbkKBXZbA9yxh2Fh7YwK4FeaMM3eEwtvm2h4fFEhl&id=100000223494367