ضرورة الوعي بالمغالطات
بقلم: ماجد عبدالله الناصري
أوجدت الحروب والثورات في معظم البلدان العربية، جملة من المسميات والمصطلحات الراديكالية التي طرأت على أروقة الحكم بشكل صادم، أضاعت معنى الديموقراطية والتشاركية، وكرست منهج الأحقية الإلهية في الحكم والسيطرة على الآخرين بصورة متنافية مع أصل الدين، الذي يدعو إلى ضرورة المساواة بين كافة فئات المجتمع بغض النظر عن العرق والمنطقة والفكر.
إن ما يحدث في مناطق الشرق الأوسط، من عدم وعي وتخلف ساد مجمل المجتمعات؛ جعل الأفراد لقمة سهلة وفريسة لكل المكونات السياسية التي تطمع البقاء في سلطتها، تمارس سطوتها على مفاصل الدولة بتفرد تام وتسعى من خلال ذلك لفعل أبشع أنواع الفساد بشتى ألوانه، ما أدى إلى تصادم تيارات سياسية لجأت فيما بعد للخطابات الدينية لاستعطاف الأشخاص، من أجل كسب المزيد من المؤيدين، دون أدنى علم في مدى تأثيرها على فكر الجماعة الواحدة التي ظلت متعايشة منذ آلآف السنين.
وفي بلدنا اليمن ليست الحرب العقائدية وليدة اللحظة فالتاريخ الحديث، يعيد نفسه ويكرر أحداث ماضوية كنا نطمح أن تصبح في خبر كان، كون الحقبة التي نعيش فيها لا ترحم، ولا يوجد فيها مجالا لمثل تلك الأفكار التي دمرت كل ماله علاقة بالتعايش، وأنتجت نزعة عدائية ونظرة دونية لمن يحمل لقب له صلة بمعتقد معين، لدرجة أن معتقدك أو منطقتك ، قد يسببان مقتلك، وهذا ماحذر منه أولو الألباب مؤخرا، منذ اندلاع حروب الإيديولوجيات، التي لا زلنا نعاني تبعات تلك الهجمات المعادية للأقليات العرقية والدينية، والمناوئة لفكرة التكافل الإجتماعي، وضرورة قبول الآخر المختلف فكريًا وعقائديًا.
وعلى غرر هذا وجِد الإسلام السياسي وبدأ البعض من كل مكون سياسي ومعتقد ديني؛ يتبنوا أحاديث وأقاويل تراثية يستندوا بها ضد من يخالفهم؛ لكي يستطيعوا أن يحكموا عليه بالكفر أو الصلاح، وعندما يتداخل الدين بالسياسة يفسد ويبطل، ويحوله إلى أداة للتسلط والغطرسة وشيطنة الآخر وإقصائه من المشهد، لذا لا غرابة إن تعجب هؤلاء من وجود أصوات حداثية وتنويرية تدعوا لتحييد الدين عن السياسة، من أجل الحفاظ على المجتمع من العنصرية والطائفية المقيتة، التي تقصي الآخر عن مشهد الحياة.
وحتى اليوم مايزال الغالبية العظمى من الشعب اليمني يتحسس من مصطلحات حداثية على سبيل المثال: “العلمانية” الذي يفسره البعض على أنه الإنحلال الأخلاقي والقيمي والفسق والفجور والكفر، دون معرفتهم بالمعنى الحقيقي له وهو بناء دولة مدنية حديثة تكفل للجميع حق العيش بالتساوي دون تمييز أو كراهية، للعلم أن بعض الجماعات تحاول أن تغالط المجتمع الذي يقبع تحت مظلتها لتقنعه أن “العلمانية” تنشر الكفر والتبرج والإنحلال الأخلاقي؛ دون أدنى علم حتى بالمسطلح المنشود.
والحقيقة الموجعة أن تلك الجماعات تمارس جرائمها بناءً على إسقاطاتها الذهنية دون الرجوع لأصل الحقيقة التي يتلفوها بالنقليات، وإذا نظروا بوعي لمبدأ العلمانية لرأوا أنها الحل وبالذات في ظل تصارع القوى الدينية، لأنها ستحافظ على رونق الدين وتجعله بعيدًا عن متناول المتطفلين الإستغلاليين، وتترك المجال للعقل البشري كي يبدأ بحلحلة العُقد التي خلفها الخليط السياسي الديني، بحيث يكون هناك نظام مدني يكفل للجميع حقوقه، بعيدا عن المحاصصة والفساد الذي أثقل كاهل المجتمع.
هل سنرى في قادم الأيام دولة حديثة تتقاسم العيش مع أبناء جلدتها، وتوفر لهم متطلبات الحياة بدءًا من الحرية وانتهاءً برغيف الخبز، بعيدًا عن الواسطات والمحسوبة والنهب، بحيث يصبح الجميع تحت القانون كأسنان المشط؛ دون تمييز؟