قريباً .. في المكتبات والأكشاك المذكرات الخاصة بالمناضل والسياسي والمفكر الأكثر جرأة وصراحة الراحل «محمد عبدالله الفسيّل»
خاص:
صدر حديثاً عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» بيروت – لبنان، كتاب «الحياة التي عشت – حكايتي مع تحولات الفكر والسياسة في اليمن 1926-2022»، للأستاذ المناضل والمفكر والسياسي المخضرم الراحل محمد عبدالله الفسيّل – احد ابرز وأهم رموز الحركة الوطنية في اليمن.
الكتاب المكون من جزئين، هو في الاساس المذكرات الخاصة بالمناضل محمد عبدالله الفسيل، الذي يعد واحدا من اهم وابرز والمع الشخصيات السياسية التي شهدها التاريخ اليمني الحديث، اذ انه عاصر وشارك بفعالية في كافة الثورات والاحداث والتحولات التي شهدتها البلاد .. كما عاصر 3 أئمة ونحو 11 رئيسا ممن تعاقبوا على حكم اليمن جنوبا وشمالا .. وساهم من خلال نشاطه السياسي والفكري وبشكل كبير في تشكيل وعي الكثير من اليمنيين .. ليصبح جزء من ذاكرة اليمن.
وتنبع أهمية مذكرات المناضل الفسيل، والتي قال في الإهداء: «من أحرار وثوار الماضي، إلى ثوار الحاضر والمستقبل، أقدم هذه المذكرات للذكرى والقدوة» .. من كونه الفسيل يعد السياسي الاكثر جرأة وصراحة، وفق رأي اغلب رفقائه ومعارفه .. فقد عرف طيلة مشوارة النضالي باستقلالية الرأي، ورجاحة العقل، وعدم الإنتماء لاي حزب او تيار سياسي، وانحيازه للوطن والشعب دائما، ناهيكم عن كونه كان مقربا من مراكز صناعة القرلر في اليمن منذ بداية تشكل وعيه، وحتى رحيله.
ويسرد الفسيل في مذكراته التي تعد شهادة صريحة واستثنائية عن الحياة السياسية في اليمن – جوانب من حياته الشخصية وبداية مشواره النضالي، مستعرضا مجمل المراحل التي مرت بها اليمن انطلاقا من مساهمته في تأسيس حزب الأحرار والجمعية اليمنية الكبرى بزعامة الزبيري والنعمان العام 1944م، ثم مرحلة الاعداد والمشاركة في ثورة 1948م الدستورية، ثم مرحلة اعتقاله وسجنه من قبل نظام الأئمة، ثم مشاركته في احداث ثورة الـ26من سبتمبر 1962م، وما بعدها.
كما يكشف الفسيل في مذكراته المقرر توزيعها على العديد من المكتبات والاكشاك داخل الوطن وخارجه مطلع الشهر القادم – الكثير من الخفايا والاسرار التي تخللت كافة الاحداث والتحولات التي عاصرها خلال فترات حكم كلا من الرؤساء عبدالرحمن الارياني، وابراهيم الحمدي، واحمد الغشمي، وقحطان الشعبي، وسالمين، وعبدالفتاح اسماعيل، وعلي ناصر محمد .. الى جانب تسليطه الضوء على فترة حكم الرئيس علي عبدالله صالح، وكذا فترة الوحدة وتوليه عضوية البرلمان، بالاضافة الى مرحلة حكم الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، مرورا بكل الاحداث التي تلت ذلك وحتى اليوم.
ويقول المؤلف في مقدمة الكتاب: “إن ما كتبته يمكن أن يكون سيرة فكرية وذاتية، لأن الأحداث التي أسهمت في صنعها وعشتها وعايشتها كانت في الواقع نابعة من قناعة فكرية بمبادئ وطنية، لا من أهواء وطموحات ذاتية، لقد كان جيلي والجيل الذي سبقني يعيشون ويناضلون للتغير في اليمن بمثالبات وطنية، لا بأساليب سياسية، تتخذ المرونة والتقلب السياسي المعهود في العمل السياسي”.
ويوضح: “أنه قبل أن يقرر كتابة مذكراته وذكرياته كان الكثير من أصدقائه ومعارفه، والكثير ممن يعرفونه عندما يلتقون به صدفة في الطريق، أو في مجلس من المجالس يسألونه: “هل كتبت مذكراتك؟ وعندما أجيب بالنفي يستغرب بعضهم، ويطلب مني بعضهم الآخر ضرورة كتابتها، لأنهم يرون أن ذلك واجب وطني وتاريخي يجب أن يقوم به باعتباره واحدا ممن عاش وعايش أحداث التاريخ اليمني الحديث، ولأنهم كانوا يحسنون الظن به، ويرون أنه سيكون أمينا وصادقا وصريحا في إب راز حقائق الأحداث وخفاياها”.
ويضيف المؤلف: “لقد تأثرتُ بكلمات هؤلاء الشباب الصادقة أكثر من تأثري بإلحاح أصدقائي الذين أجلهم وأعزهم، وصممت أن أكتب ذكرياتي، وأخذت استعرض حياتي كلها منذ ولادتي وحتى اليوم؛ استعرضها يتيما في سنوات الطفولة مع أم عظيمة ترعاني، وتغرس الشعور بالكرامة والعزة في أعماق نفسي، واستعرضُ دوري في الصراع المستميت للمعارضة خلال عهود الحكم الإمامي، واستعرضها في ثورة “48” الدستورية، ودوري في التمهيد لها ومعاناة ما بعد سقوطها، وأستعرضها في كل عهود الجمهورية ودوري في محاولة العودة بها إلى أهداف ثورتها، قبل وأستعرها قبل وبعد تحقيق الوحدة اليمنية ودوري في مجلس النواب، وفي محاولة احتواء الأزمات لحماية الوحدة، استعرضت كل ذلك في لحظات ذكرتني ببيتين رائعين من شعر شاعر اليمن أبي الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري الذي يقول “عمر في دقائق مستعاد، ودهور مطلة من ثواني، فكأن الماضي تأخر في النفس، أو استرجعت صداه الأماني”.
ويرى الفسيّل: “أن كتابة الذكريات أو المذكرات من أصعب ما يكتب الكاتب، وذلك أنه يحاول أو يعتقد بأنه يؤرخ أحداث التاريخ التي عاشها أو عايشها، وهذا ليس صحيحا، لأن من يكتب ذكرياته أو مذكراته هو في الحقيقة شاهد أمام محكمة التاريخ، وليس مؤرخا، وهناك فرق بين الشاهد والمؤرخ، نحن ندلي بشهاداتنا أمام محكمة التاريخ التي ليس في منصتها قضاة يستمعون إلى شهادة الشهود كل بمفرده، ويجمعونها ويبحثون عن شهود آخرين ويحققون في تلك الشهادات، ويحللونها ويمحصونها، بهدف الوصول إلى الحقيقة، وهذه مهمة لا يستطيع الشهود أن يقوموا بها، إن من يقوم بتلك المهمة علماء مؤرخون لا علاقة لهم بالقضايا التي تخص الآخرين، ثم إن الشهود الذين يدلون بشهاداتهم ليسوا جميعا فوق الشبهات، أو بعيدين عنها، أو قادرين عند الإدلاء بشهاداتهم لك على ضبط أهوائهم الذاتية الظاهرة منها والخفية”.
ويقول المؤلف: “في هذا المدخل من مذكراتي وذكرياتي أشير إلى بعض النقاط التي تهمني وتهم من سيكتب ذلك بعدي، وتهم القراء وهي أن لك من يكتبون ذكرياتهم يستهلونها بعبارات يؤكدون، أو يوحون بها أنهم قد التزموا فيما كتبوه بالحقيقة وأمانة التاريح والموضوعية، أو أنهم قد حاولوا ذلك، سواء استطاعوا الوفاء بما التزموا به أو عجزوا عنه، ولا يسعني إلا أن أسايرهم في ذلك، وأن أزعم لنفسي بأني قد حاولت، بكل ما استطيع أن أكون صادقا وأمينا عند الإدلاء بشهادتي هذه أمام منصة التاريخ الحالية من قضاتها. وإذا كان كاتب الذكريات أو المذكرات يكتب عن أحداث ساهم في صنعها، وعاشها أو عايشها، فغالبا ما يصبغ الأحداث بالصبغة الذاتية، التي تجعل محاولة الالتزام بالموضوعية والتجرد من تأثيرات الذات- بوعي وبدون وعي- أمرا في غاية الصعوبة، ولذلك صغت العبارة التقليدية صياغة تكرر محاولة الالتزام، ولا تؤكد الالتزام، سأحاول محاولة جادة ومخلصة أن أكون صادقا وأمينا ومتجردا في كتابة هذه المذكرات والذكريات”.
ويضيف المناضل الفسيّل: “إن كتابة الذكريات أو المذكرات تتحدث عن أحداث عاشها كاتبها، وعن أشخاص ساهم معهم أو ساهم ضدهم في صنع الأحداث، ومن هنا فإن رؤية طبيعة الأحداث، أو حقيقة الأحداث تختلف باختلاف مواقع الأشخاص، أو وعيهم، أو طموحاتهم الذاتية، أو العامة؛ بل باختلاف قدراتهم المتفاوتة في استيعاب وفهم الأحداث، وتلك القدرات تختلف باختلاف شمولية الرؤية أو محدوديتها”.
ويشير المؤلف إلى وجود أخطاء شائعة في كتابة المذكرات أو الذكريات، منها محاولة تعميم الرؤية المحدودة لجانب من جوانب الحدث، وكأنها رؤية لجميع جوانبه الأخرى التي لم تشملها الرؤية، ومن هنا يتصور بعض كتاب المذكرات أن رؤيته أو معايشته كانت شاملة لكل جوانب الحدث أو الأحداث. وقد يستنكر إبراز آخرين للجوانب التي غابت رؤيته لها، ولا أبرئ نفسي من ذلك، إن صناعة أحداث التاريخ عملية معقدة، قد تشترك في صنعها مجموعات منسجمة أو متناقضة أو لا يعرف بعضها الآخر، بل قد تشترك في صنع الحدث أجيال متعاقبة من البشر، حتى إذا تكاملت عوامل صناعة الحدث في فترة زمنية معينة برزت المجموعة أو الجيل الذي يبرز الحدث، بحيث يبدو وكأنه هو الذي صنع الحدث أو الأحداث التاريخية، مع أنه في الواقع مكمل لعملية صنع الحداث أو الأحدث.
وخلص المرحوم محمد الفسيل، إلى أن الرغبة في محاولة الالتزام بالموضوعية قد تدفع الكاتب إلى إبراز الحقيقة، ولكنه قد يتدخل برغبات ذاتية خفية في تصوير الحقيقة بالأسود والأبيض مع أنها ملونة، وبذلك يقلل كثيرا من إبراز الحقيقة كما هي، أو قد يكثف الألوان والظلال في صورة الحقيقة، بهدف إبرازها أجمل أو أبشع مما هي عليه في الواقع، أو قد يبرزها في شكل كاريكاتوري.
ولمن لا يعرفون من هو الاستاذ المناضل والمفكر محمد عبدالله الفسيل .. نورد لكم فيما يلي مقتطفات من سيرته الذاتيه:
– ولد محمد الفسيل في قرية الجراف بالعاصمة صنعاء في 15 صفر 1345هجرية الموافق 26 اغسطس 1926 ميلادية .. وتلقى تعليمه الاولي في كتاتيب التعليم الاولي (المعلامه)، ثم التحق بمدرسة الايتام الى الصف السابع والاخير .. لينتقل بعدها الى المدرسه العلمية التي كانت شبيهة بدار العلوم في مصر، وفيها درس فيها علوم الدين واجزاء من التاريخ ومن الأدب العربي ومن فقه الشريعه الإسلاميه.
– التحق بعد ذلك بالمدرسه المتوسطة كان يوجد مجموعه من الاساتذه العائدين من الدراسه في العراق وعلى رئسهم الاساتذه (احمد حسن الحورش، محي الدين العنسي، علي يحيى السلال) .. وقد تتلمذ علي الاستاذ احمد حسن الحورش واستوعب ما في مكتبته التي عاد بها من العراق من كتب ومجلات ادبيه .. وفي العام 1943م اصبح من الشعراء والادباء المعروفين في الساحة.
– هو أحد المناضلين المشاركين في الحركة الوطنية، وأحد مؤسسي حزب الأحرار والجمعية اليمنية الكبرى بزعامة الشهيد محمد محمود الزبيري والأستاذ أحمد محمد نعمان ابتداء من عام 1944م .. وكان أحد الثوار الأحرار الذين فجروا ثورة ١٩٤٨م الدستورية، وسجن في عهد الإمامة لمدة «١٣» عاما.
– شارك مشاركة فعالة في ثورة ١٩٦٢م الجمهورية، وكان أول من صاغ اعلاناتها وبيانها الاول وقراه في اذاعة صنعاء والذي اعلن سقوط الملكية وقيام الجمهورية، وكذا البيان الثاني الذي حدد اهداف الثورة كتب وقرأ البيان الأول للثورة في إذاعة صنعاء .. كما شارك حينها في تشكيل سلطات الدولة العليا مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء ومجلس قياده الثورة.
– تولى مناصب رفيعة في الدولة منها سفيرا لليمن في كل من: «الصومال، وكينيا، وتنزانيا، وأوغندا، وألمانيا الشرقية، والعراق» .. كما عمل مستشارا سياسيا للرئيس إبراهيم الحمدي، وكان من المقربين في بداية عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
– انتخب عضوا في مجلس النواب عقب إعلان الوحدة اليمنية .. وشارك في صياغة دستور الجمهورية اليمنية .. كما شارك في صياغة الميثاق الوطني للمؤتمر الشعبي العام، وكان عضوا فاعلا في اللجنة الدائمة للمؤتمر، ثم استقال نتيجة رأيه المخالف للحكم الشمولي، ولكنه استمر ناصحا ومعارضا حتى اليوم .. بالاضافة الى مشاركته في ثورة فبراير 2011م الشبابية الشعبية.
– هو كاتب وشاعر وأديب، له العديد من الكتب والإصدارات السياسية أهمها كتاب «رسائل إلى الرئيس – كيف نفهم القضية الوطنية – نحو النور – ودموع وآلام – أراء في الحياة – وبين الشك واليقين – الحياة التي عشت جزأين» .. وكان في بداية حياته قد أصدر كتابا بعنوان «الرجل الشاذ» هاجم فيه ولي عهد الامام وهو الامر الذي جعله مستهدفا ومطاردا من نظام الأئمة طيلة فترات حكمهم.
– توفي بتاريخ: 29 أغسطس 2022م في العاصنة المصرية القاهرة عن عمر ناهر الـ(97) عاما.