لماذا لم يجر إتلاف شحنة الدقيق التالف في ميناء عدن؟!

د. يوسف سعيد أحمد
تبدأ قصة شحنة الباخرة MARIM M التي تبلغ حمولتها 5000 طن، منها 118 ألف كيس دقيق عبوة 50 و25 كيلوجرامًا، و46 ألف كيس نشأ ذرة عبوة 40 و25 كيلوجرامًا، وبلد منشأ البضاعة المشتراة مصر. لكن مصر الشقيقة هي البلد الأكبر استيرادًا للقمح والدقيق في العالم، ولأول مرة أسمع أنها مصدرة لدقيق القمح والذرة.
ومن البيانات فإن الشحنة تابعة لشركة حرمل التجارية اليمنية.
هذه الشحنة، حسب التقارير، وصلت ميناء عدن الدولي قبل أسبوع، بعد رحلة دامت أكثر من ثلاثة أشهر، قضت معظمها في ميناء الحديدة في البحر الأحمر، في محاولة من الشركة لإدخال البضاعة عبر ميناء الحديدة، إلا أن الجهات هناك رفضت السماح للشحنة بالدخول لعدم صلاحيتها للاستخدام الآدمي.
وعندما تعذر دخول البضاعة عبر ميناء الحديدة، اتجهت الباخرة مريم إم باتجاه جيبوتي، ثم غيرت مسارها ووصلت قبل أسبوع إلى ميناء عدن الدولي.
وقائع الإجراءات
فور وصول الباخرة مريم إم، حرم ميناء عدن الدولي، قام اختصاصيو هيئة المواصفات والمقاييس، ومعهم ممثلو جمارك وأمن ميناء عدن، وبحضور عدد من الجهات ذات العلاقة، كما هو متبع، وبوجود مشرف الشحنة ومندوبين عن الشركة، بمعاينة وفحص البضاعة بالعين المجردة، ووجد المختصون عند أخذ عينات من الدقيق من رفوف الباخرة، أن الدقيق “مسوس”، بمعنى أن الحشرات ظاهرة عليه، عدا عن وجود تحجر ببعض أكياس الدقيق، وهو ربما ناتج عن تسرب مياه البحر إلى الشحنة بحكم تقادم الباخرة.
هذه الوقائع تم تسجيلها وتصويرها بالفيديو، وشاهدها المواطنون عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
وبناء على ذلك، رفعت هيئة المواصفات والمقاييس مذكرة مرفقة بنتائج فحص الشحنة الذي تم على ظهر الباخرة، إلى وزارة الصناعة والتجارة، ومذكرة إلى نيابة الصناعة والتجارة أكدت فيها بوضوح عدم صلاحية الشحنة للاستخدام البشري، وبالتالي منع دخولها للأسواق.
لكن ما هو الجديد إذن؟!
الجديد أنه منذ ذلك الحين لم تتخذ الإجراءات كما هو متبع بإتلاف الشحنة، وهذا أمر غريب ومريب في نفس الوقت. وربما هناك جهات من أصحاب المصالح تبذل جهودًا لإدخال الشحنة للمستهلكين، مدعية كما نسمع أن الشحنة صالحة للاستخدام، متجاوزة كل المعايير.
وكما سمعنا وقرأنا أن نيابة الصناعة والتجارة التي لا نشك بحياديتها، وربما تحت ضغوط، طالبت هيئة المواصفات والمقاييس بإجراء فحص جديد للشحنة، على أن يكون الفحص مخبريًا هذه المرة، ووسعت الجهات المطلوب وقوفها على الشحنة، وبعضها ليست ذات علاقة.
لكن كما يبدو أن هيئة المواصفات والمقاييس المعنية قانونيًا بالسماح أو الرفض لأية شحنة، اعتذرت عن إجراء فحص مختبري للشحنة، لأن البضاعة وبالعين المجردة تبين أنها مليئة بالحشرات الناتج عن تسوس الدقيق. والهيئة في هذا الموقف على حق، فلا يمكن فحص بضاعة تبين من الإجراءات الأولية أنها غير صالحة للاستخدام.
ونحن كاقتصاديين ندعم موقف الهيئة، فمن غير العلمي ولا المنطقي فحص بضاعة تالفة تم التأكد بالعين المجردة أنها مسوسة، وعبر صورة الفيديو أيضًا، عدا عن تحجر جزء من اكياس الدقيق بسبب تسرب مياه البحر. هذا يعني بكلمات واضحة أن البضاعة لا تتوافق مع معايير السلامة الغذائية.
والخلاصة أن شحنة الدقيق التي وصلت ميناء عدن منذ أسبوع، على الباخرة مريم إم، غير صالحة للاستهلاك البشري، ومن غير المقبول قانونيًا وأخلاقيًا المماطلة في إتلاف الشحنة مهما كانت الضغوط، ويجب أن يكون الجميع في صف المواطن، ونطالب الجهات والنائب العام بعدم السماح بإدخالها إلى الأسواق، لأن ذلك يشكل خطرًا صحيًا جسيمًا على المستهلكين، وإن حدث ذلك فإنه سيشكل سابقة وجريمة لا تغتفر، وستتحملها الجهات المعنية وحكومة الشرعية ومؤسسة القضاء.
عدن، 2 مارس 2025