حتى لا نفسد محاربة الفساد

نجيب عبد الرحمن السعدي

ان عملية محاربة الفساد عملية شاملة ومترابطة وواسعه ولا تقتصر على اصدار تقارير الأجهزة الرقابة واحالتها الى القضاء.
كما ان محاربة الفساد لتصبح اكثر فاعلية وتؤدي الى نتائج ملموسة تصب في صالح الحفاظ على ممتلكات الدولة وتطبيق الانظمة واللوائح.
من اهم الخطوات التمهيدية لمحاربة الفساد هو :
اولا توفر الارادة السياسية العليا لمحاربة الفساد فمن المهم ان تدرك القيادة السياسية اهمية محاربة الفساد ومتطلبات ذلك وما يجب عليها هي قبل غيرها ان تعمل لاجل انجاز هذه المهمة كما انه من المهم ان تمتلك رؤية واضحة وخطة لمحاربة الفساد تاخذ في الاعتبار كافة المعطيات والمخاطر التي تواجه هذا الملف الشائك.
كما ان على القيادة ان تكون مدركة انها هي المعني الأول بمحاربة الفساد وليس من المقبول ان تمارس هذه القيادة اي نوع من انواع الفساد المالي او الفساد الاداري كاصدار قرارات او تعيينات بناء على متطلقات شخصية او مناطقية او حربية.
كما انها يجب ان تكون عون وسند لمؤسسات المعنية بمحاربة الفساد لا ان تصبح اداه لحماية الفاسدين من خلال استخدام سلطتها للضغط على الأجهزة الرقابية لايقاف مراجعه جهه معينة او لتنفيذ مراجعة في جهه اخرى وبشكل موجه.
اذا لم تلتزم القيادة بهذه النقاط ستتحول عملية محاربة الفساد الى عملية افساد واداة انتقام لا اكثر .

ثانيا الاصلاح القانوني : يجب ان يسبق عملية محاربة الفساد خصوصا في بلادنا عملية اصلاح للقوانين واللوائح بما يتناسب مع الزمان والمكان والظروف كون المراجعه والتدقيق وفق قوانين ولوائح احدث قانون فيها صدر قبل عشرين عام لانه وببساطة ان بقاء القوانين واللوائح كما هي هو بحد ذاته فساد ففي اللغة فساد الشيء اي انه غير صالح فسد الطعام اصبح غير صالح للاكل او انه اصبح يخالف لما يجب ان يكون فسدت الاخلاق اصبحت في غير ما يجب.
ولعل اكبر فساد هو بقاء الرسوم ولوائح المصروفات كما كنت علية قبل عشرين عام دون تحديث كونها تهدر المليارات وبشكل قانوني كما انها تفتح ابواب الفساد والذي يكون في البداية بهدف معالجة الاختلالات القانونية ثم يتحول الى سلوك وتصنع له طرق وادوات واليات مبتكرة يصعب اكتشافها والتخلص منها. اضافة الى تحديث الرسوم واللوائح والقوانين المالية يجب التركيز على اصلاح الموازنة العامة للدولة وتحويلها إلى موازنة برامج بحيث يتم الربط بين الصرف والانجاز فمقابل كل ريال يصرف من خزينة الدولة هناك انجاز قد تحقق، فلا يعقل ان يتم التركيز على سلامة الصرف واستيفاء الوثائق دون النظر إلى ما الذي تم انجازة كما يجب ان تكون الموازنة مرنة تتيح للجهة عملية التوجيه الاسلم للنفقات والاستخدام الامثل لها.

ثالثا : حيادية الجهات القضائية والرقابية:

يجب ضمان حيادية الجهات الرقابية والقضائية المعنية بانفاذ القانون وعدم تحويلها الى ادوات بيد اي جهه او شخص وان تضل اداة الدولة لفرض الرقابة وضمان تطبيق القوانين وان الحيادية تطلب توفير الامكانيات الكاملة لهذه الأجهزة مما يجعلها قادرة على القيام بدورها دون ان تكون عرضة للاغراءات المادية خصوصا في ضل الوضع المادي المتردي التي تعيشه هذه الجهات ومنتسبيها.
كما ان من اهم عوامل الحياد هو الحياد في التعيينات في هذه الجهات والا تخضع عملية التعيينات لاي اعتبارات سياسية او مناطقية والا تخضع للمحاصصة.

رابعا الكفاءة والتأهيل: لضمان فاعلية جهود محاربة الفساد فلابد ان تمتلك الجهات الرقابية والقضائية الكادر المؤهل والكفؤ وبالعدد الكافي الذي يمكن هذه الجهات من ممارسة مهامها فلابد ان يكون كادر الأجهزة الرقابية مؤهل ومواكب للتطورات في اعمال الرقابة والتقييم ولمعايير المراجعه وان يكون لديه القدرة على تقدير المهم والاهم في عملية المراجعه والا يعمل وفق نظرية( العملية ناجحة والمريض مات ) حسب وصف دولة رئيس الوزراء عند حديثة امام قيادة الجهاز المركزي للمحاسبة مطلع العام المنصرم.
نفس الشيء يجب ان يكون عليه اعضاء النيابة والقضاء المتخصص في الأموال العامة يجب ان يكون لديه الدريب الكافي في الجوانب المالية والمحاسبية والادارية والتقنية فضلا عن الجوانب القانونية.
يجب ان يعاد للقضاء والاجهزة الرقابية هيبتها ومكانتها وعليها هي قبل غيرها ان تعمل على ذلك من خلال ان يكون ولائها الملطلق للنظام والقانون بعيدا عن الاعتبارات السياسية والمناطقية وغيرها.

خامسا : ربط محاربة الفساد بالصلاح الاداري :

إن الاصلاح الاداري هو الاستخدام الامثل للسلطات لتطبيق الاجراءات الجديدة .
بمعنى ان سوء استخدام السلطة وتطبيق الاجراءات يعد فساد وبرايي ان الفساد الاداري اشد خطورة واكبر تاثيرا على المالي العام وعلى حياة الناس وحاضرهم ومستقبلهم.
فبقرار واحد لا احد يلتفت له يمكن ان تخسر الدولة مئات المليارات ومما جعل الفساد الاداري اخطر من الفساد المالي هو ان الفساد الاداري يصعب قياسة كما انه هو المغذي والرافد الاساسي للفساد المالي فساد التعيينات وفساد القرارات والتوجيهات من السلطات العليا هي من تخلق البيئة الخصبة للفساد المالي
ولعل اهم مظاهر الفساد في بلادنا حاليا هو التعيينات بالمحاصصة واخضاع الوظيفة العامة والمؤسسات للمحاصصة حيث اصبحت المؤسسة التابعة لحزب او تكتل معين وكانها الطاعية خاصة به وتنفذ توجهات الحزب لا توجهات الدولة.
اضف الى ذلك التوجيهات العليا من اعلى سلطة في البلد او في الجهات لجهات تنفيذية متجاوزة التسلسل الاداري المعروف.

ومن المهم جدا ان تكون عملية محاربة الفساد هي عملية بناء قدرات للجهات والاشخاص قبل ان تكون أداة لادانة فلان او علان هنا نستطيع ان نقول اننا قد تجاوزنا عقده ان الرقابة والمحاسبة هو خصم يجب الحذر منه واصبح هو عامل مساعد للجهات والأشخاص لبناء قدراتهم ومساعدتهم على القيام بمهامهم دون تجاوز للقوانين والأنظمة.

هذه النقاط من المهم التركيز عليها لمحاربة الفساد مالم فمن خلالها سيستطيع الفاسدين التسرب من بين ايدي اجهزة الرقابة والقضاء وتصبح عملية محاربة الفساد هي اكبر عملية لغسيل تاريخ الفاسدين ومنحهم صكوك النزاهه وتبيض ما نهبوه.
علينا جميعا قيادات ونخب سياسية وثقافية ومجتمع ان ندرك أن الفساد عدو الجميع حتى المستفيدين منه فالفساد سيقضي على الحاضر والمستقبل، وعلينا ان نعترف ان الفساد قد إستشرى في جسم دولتنا وتجاوزها الى المجتمع وان احد ابواب الخروج من واقعنا المرير هو بوابه محاربة الفساد علينا ان تدرك ان محاربة الفساد هو واجب وطني واخلاقي يجب ان يكون محاربة الفساد والإصلاح المؤسسي هو قضيتنا جميعا وليس قضية قيادة الدولة والاجهزة الرقابية فقط .

تعليقات الفيس بوك
Exit mobile version