تُعد عودة مؤسسات الدولة إلى ممارسة نشاطها من داخل الوطن، لا سيما من العاصمة المؤقتة عدن، خطوة جوهرية نحو استعادة الاستقرار وبناء الدولة بشكل فعّال. فوجود المؤسسات في الداخل يعزز هيبة النظام والقانون، ويُرسّخ سلطة الدولة، ما يتيح لها القدرة على القيام بواجباتها في خدمة المواطنين، وتقديم الخدمات الأساسية، ومواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية والتنموية التي تمر بها البلاد.
إن استمرار غياب مؤسسات الدولة وقياداتها الإدارية خلال سنوات الحرب، وبقائها خارج البلاد، أدى إلى تفكك البنية المؤسسية، مما انعكس سلباً على الأداء العام وعلى عملية التنمية. إذ إن غياب القرار من الداخل أدى إلى ضعف التنسيق وغياب الفاعلية، بينما أدى اعتماد بعض المؤسسات على إدارة شؤونها عبر وسائل التواصل أو عبر مكاتب خارج البلاد إلى حالة من الجمود وعدم القدرة على تحقيق إنجازات حقيقية على الأرض.
وزارة الأوقاف والإرشاد – قصة نجاح مؤسسي من الداخل
تُجسّد وزارة الأوقاف والإرشاد نموذجاً رائداً في إعادة تفعيل مؤسسات الدولة من الداخل، حيث شكل نقل الوزارة إلى العاصمة المؤقتة عدن في بداية عام 2020 نقطة تحول كبيرة في مسار عملها. قبل ذلك، كانت الوزارة تُدار بشكل افتراضي من خلال وسائل الاتصال، دون وجود مقر فعلي أو بنية تحتية حقيقية داخل عدن، وكانت أنشطتها مقتصرة على إدارة موسم الحج من خلال مكتب شؤون الحجاج في مكة المكرمة لفترة قصيرة من العام، وبعدد محدود من العاملين وبشكل موسمي.
مع انتقال الوزارة إلى عدن، تغير المشهد بالكامل، حيث بدأت الوزارة في بناء هيكل إداري قوي على الأرض، ووضع خطط استراتيجية لتفعيل قطاعاتها المختلفة بشكل دائم، ما انعكس في تحقيق العديد من الإنجازات التي نراها اليوم.
إنجازات ملموسة على مستوى البنية التحتية
استطاعت وزارة الأوقاف والإرشاد، رغم غياب الميزانية الحكومية، أن تعتمد على إيراداتها المحلية لتنفيذ مشاريع حيوية، على رأسها إعادة ترميم معهد الإمام البيحاني، الذي أصبح اليوم المقر الرئيسي للوزارة. شهد المبنى عملية تأهيل شاملة، ليصبح مركزاً رسمياً للوزارة يضم مكاتب لكافة قطاعاتها، إلى جانب المعهد العالي للتوجيه والإرشاد، الذي أُعيد افتتاحه بعد سنوات من التوقف. واليوم يستقطب المعهد الطلاب من مختلف المحافظات لدراسة العلوم الشرعية، ما يُسهم في رفد المجتمع بكوادر علمية مؤهلة تعمل على نشر قيم الوسطية والاعتدال.
لم تقتصر الإنجازات على الترميم فقط، بل تم تجهيز المبنى وتأثيثه بالكامل على نفقة الوزارة، كما تم إعادة تقسيمه وهيكلته ليستوعب كافة القطاعات والإدارات العامة، ما أدى إلى تحسين الأداء المؤسسي وتوسيع نطاق الخدمات التي تقدمها الوزارة.
نهضة إدارية – بناء كوادر محلية
إدارياً، حرصت الوزارة على استدعاء الموظفين الرسميين والتعاقد مع كوادر مؤهلة لإدارة العمل المؤسسي، مع ضمان صرف رواتبهم من الإيرادات المحلية. ويُعد هذا التوجه خطوة نوعية، حيث نجحت الوزارة في بناء فريق إداري فعّال دون انتظار أي دعم مالي حكومي، ما يؤكد أهمية الاعتماد على الموارد الذاتية لتجاوز العقبات.
قطاع الحج والعمرة – نموذج في الكفاءة والتميز
شهد قطاع الحج والعمرة تحولات كبيرة منذ انتقال الوزارة إلى عدن، حيث أصبح يقدم نموذجاً رائداً في خدمة حجاج اليمن. نجحت الوزارة في تنظيم مواسم الحج بشكل سلس وفعّال، رغم الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد، وهو ما لم تتمكن من تحقيقه حتى بعض الدول المستقرة.
النجاحات التي تحققت في قطاع الحج تعكس كفاءة الإدارة وعملية التخطيط الجيد، حيث بات الحجاج يحصلون على خدمات متميزة بدءاً من التسجيل وحتى أداء المناسك، ما يُعد إنجازاً يُحسب للوزارة وقياداتها.
قطاع تحفيظ القرآن الكريم – إنجازات تلمسها الأيدي
في قطاع تحفيظ القرآن الكريم، تمكنت الوزارة من تحقيق إنجازات ملموسة في تخريج مئات الحفاظ من مختلف المحافظات، كما شارك العديد من الحفاظ في مسابقات دولية، وحققوا مراكز متقدمة، ما يُبرز المستوى المتقدم لحفاظ اليمن رغم الظروف الصعبة.
تحقيق هذه النتائج لم يكن وليد الصدفة، بل كان ثمرة جهود الوزارة في تفعيل المدارس والمعاهد القرآنية، وتوفير الدعم اللازم لها، إلى جانب الإشراف المباشر على برامج التحفيظ التي تنتشر في جميع أنحاء الجمهورية.
قطاع الإرشاد – تعزيز قيم الوسطية والاعتدال
قطاع الإرشاد في الوزارة يلعب دوراً محورياً في نشر ثقافة التسامح والاعتدال، من خلال توجيه المرشدين للعمل على تعزيز الوحدة الوطنية ومواجهة الأفكار المتطرفة. أطلقت الوزارة مؤخراً مشروع إنشاء أكاديمية متخصصة لتأهيل المرشدين والموجهين، بهدف رفع كفاءتهم العلمية والإدارية، ومن المتوقع أن تكون لهذه الأكاديمية نتائج إيجابية خلال الفترة المقبلة.
قطاع الإرشاد لا يقتصر على الجانب التوعوي فحسب، بل يشارك بشكل فعّال في مختلف الأنشطة المجتمعية، ويوجه رسائل توعوية من خلال الخطب والمحاضرات، لتعزيز قيم التعايش السلمي في المجتمع، ونبذ العصبية والتطرف.
دعوة لتعزيز العمل المؤسسي من الداخل
إن تجربة وزارة الأوقاف والإرشاد تقدم درساً مهماً لكافة مؤسسات الدولة، يؤكد أن النجاح المؤسسي لا يتحقق إلا من خلال تفعيل الأنشطة من داخل البلاد. فالعمل من الداخل يعزز الاستقرار، ويُعيد الثقة بين المواطن والدولة، ويُسهم في تحسين الخدمات العامة.
وأتقدم بالشكر والتقدير إلى معالي الشيخ الدكتور/ محمد عيضة شبيبة وكافة الوكلاء والوكلاء المساعدين والقيادات الإدارية من دون استثناء على جهودهم المبذولة في خدمة الدين والوطن.
لهذا، ندعو كافة مؤسسات الدولة إلى أن تحذو حذو وزارة الأوقاف والإرشاد، عبر نقل أنشطتها إلى العاصمة المؤقتة عدن، وتفعيل عملها المؤسسي على الأرض، لما لذلك من أثر كبير في تعزيز وجود الدولة، وفرض سلطة القانون، ومواجهة التحديات الراهنة.
الدكتور/ وسيم فضل محسن يافعي
مدير عام الموارد البشرية
وزارة الأوقاف والإرشاد
اليمن – عدن
28 ديسمبر 2024