مقالات رأي

عبدالله بقشان: سيمفونية التنمية والتعليم

عادل الأحمدي

من وحي صورة، جاء هذا المقال الذي أحلم أن يصل لكل باحثٍ عن فكرة ملهمة وخلاصة مضيئة. هذه السطور هي خلاصة 20 عاماً من التأمل في مسيرةٍ تنأى بنفسها عن الإعلام.

أما الصورة فهي توثق لحظة احتفاء متواضع في منزل الشيخ عبدالله بقشان وتجمع المايسترو محمد القحوم وبعض الأصدقاء، ابتهاجاً بنجاح ليلة الأوركسترا اليمنية في الرياض. وبقدر المشاعر الجياشة التي أثارها الحفل في أعماقي، بقدر ما أثارت الصورة شجوناً أوسع؛ إذ ما أجمل فرحة الإنجاز وما أطيب ثمار الصبر.

هنالك قصةٌ أوصلت لهذه اللحظة الاحتفالية وسيرة طيبة تكتب نفسها بيراع كل منصفٍ، ذلك أننا هنا لا نوثق لشخص بل لتجربة نحتاج لقراءتها وتعميمها. وتكون الكتابة فرضاً واجباً عندما يكون هناك تشويش في الرؤية، وأصوات تتساءل عن جدوى السيمفونيات التراثية وأخرى تتحدث عن أن هناك ما هو أهم.

خيط اهتمام

مطلع العام 2005، وفدت من صنعاء إلى مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت، والتي كانت ورشة عمل كبرى استعداداً للاحتفاء بالعيد الوطني الـ15 وهي المناسبة التي تحققت على هامشها الكثير من الإنجازات لمحافظة حضرموت لا تزال بصمتها حاضرة إلى اليوم.

كانت فرصة للتعرف على حضرموت، وخلال ذلك، كان اسم رجل الأعمال عبدالله بقشان يتردد على المسامع، فقد كان هذا الرجل ورجال أعمال آخرين، وراء العديد من تلك المشاريع. واجتمعنا في منزله شرقي المكلا على مأدبة عشاء رفقة زملاء آخرين، ثم في العام التالي 2006، التقيت الشيخ بقشان للمرة الثانية في مأدبة عشاء أقامها الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، بالمكلا، على شرف الأمير سلطان بن عبدالعزيز، رحمهما الله.

في تلك الأثناء، اجتمع مجلس رجال الأعمال اليمني السعودي، وفي مقدمته بقشان، ليتم وضع حجر الأساس لكلية التقنية بجامعة حضرموت، كأول كلية معنية بأبحاث الطاقة البديلة واستخداماتها السلمية. ومن هنا تبدأ رحلة البحث عن ثنائية رجال الأعمال والتعليم.

وبوصفي معلماً سابقاً، والثاني من أوائل الجمهورية في دبلوم المعلمين نظام ثلاث سنوات، ثم بكالاريوس تربية جامعة صنعاء، ظل التعليم محل اهتمامٍ دائمٍ لدي. وكنت ولا أزال أعتبر الاهتمام بالتعليم مقياس الوعي لدى أي شخص أو جهة، وكان لدي في هذا الجانب أفكار وهموم، وسرني أن أرى رجلاً مؤثراً يحمل هذا الهم ويسبقنا بمراحل بالرغم من كونه لم يتخصص في مجال التعليم بل هو خريج هندسة بترولية ورجل أعمال بارز على مستوى الجزيرة العربية، هو الشيخ عبدالله أحمد سعيد بقشان آل سيبان، المستثمر السعودي المحب للمملكة ولليمن موطن آبائه، وخاصة محافظة حضرموت التي زارها للمرة الأولى في العام 1963 وعمره ثماني سنوات، وظل إخلاصه يتنامى مخلفا العديد من المنجزات في كل مجال، الأمر الذي كان يفسره البعض في البداية بأنه ربما يخفي مطمعاً ما، ولقد اختلف المنجمون حول مغازيه من هذا الدعم السخي، ومرت العقود لتثبت للجميع أن الشيخ بقشان لا يبحث عن مصالح خاصة سياسية أو تجارية، بل هو إنسان أحس بنعمة الله عليه، وأحس بواجبه تجاه أهله ومجتمعه والبشرية جمعاء، ضمن ما يسميه هو “المسؤولية الاجتماعية”.

فلسفة مغايرة

لا ينطلق الشيخ عبدالله بقشان في خدمة المجتمع من مفهوم العمل الخيري، وإن كان الرجل في الحقيقة منبعاً للخير، لكنه يتحاشى ثنائية المحسن المتفضل والمسكين المنكسر الممتن والموسيقى التصويرية الحزينة التي ترافق الأعمال الخيرية والسلال الغذائية.

تقوم فلسفته في خدمة المجتمع على محاصرة مساحة الفقر وتقليل عدد المحتاجين، بحيث لا أحد عالة على أحد، والكل يسعى معتمدا على الواحد الأحد. وللوصول إلى هذا المجتمع يتوجب الاعتناء بالتأهيل التعليمي من ناحية، وخلق فرص العمل من ناحية أخرى. وبالنسبة لخلق فرص العمل فالرجل أوجد العديد من المشاريع الاستثمارية التي استوعبت الآلاف من الكوادر، كما أنشأ بنك الأمل للتمويل الأصغر للمساعدة على توفير نقطة الانطلاق. أما ما يتعلق بالتأهيل التعليمي فهذا كتاب يبحث عن مؤلّف، ويمكن إيجاز بعضه في نقاطٍ تالية:

يرى بقشان أن المال وحده لا يكفي لبناء الحضارة بدون التعليم، مجسداً بذلك قول الشاعر:

“بالعلم والمال يبني الناسُ مجدهمُ
لم يُبنَ مجدٌ على جهلٍ وإقلالِ”

وكما يقول هو، فإن تشجيعه للتعليم يأتي بوصف التعليم حجر الزاوية في النهضة والرقي وأنه السبيل الأمثل لمحاربة الفقر، وبالتالي فإنه مفهومه في مساعدة الآخرين يقوم على قاعدة “لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطاد”. من هنا قام بمنظومة من الإسهامات التعليمية من بينها تزويد العديد من الجامعات اليمنية بالعديد من المعدات اللازمة وصار رئيساً لمجلس أمناء جامعتين حكوميتين.

كما أنشأ مؤسسة حضرموت للتنمية البشرية التي تدير شبكة واسعة من مرافق التأهيل وقنوات الابتعاث. وحسب آخر إحصائية على موقعها، فإن هذه المؤسسة ابتعثت حتى اليوم 5767 طالبا جامعيا، وفي التعليم التقني 3510 متدربا، بالإضافة إلى 60455 ملتحقا في معاهد حضرموت للغات، بينما تضم المنشآت التابعة للمؤسسة 63301 طالبا في التعليم العام، في حين يضم نادي الخريجين 2796 عضوا.

أرقام هائلة يرفع التاريخ قبعته لها إجلالا وعرفانا.. وبناء على ما سبق يمكننا أن نطلق عليه اسم “حريري اليمن” و”مهاتير الجزيرة العربية”، نسبة إلى رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، ورئيس الوزراء الماليزي الراحل مهاتير محمد، والأخير كان صديقا شخصيا لبقشان.

مهندس أفكار

وقبل ذلك، كان للرجل لمساته التعليمية الفارقة في المملكة العربية السعودية، فهو مؤسس مدارس الأجيال العالمية المتطورة في جدة، وصاحب أول مقعد أكاديمي في الجامعات السعودية، وقد حذا حذوه العديد من رجال الأعمال. وعبر مقعد بقشان الأكاديمي يتم إنجاز العديد من الأبحاث النوعية.

كما أن المهندس بقشان صاحب فكرة “أوقاف الجامعات”، ومنشئ مؤسسة دار الاختراع الدولية والهيئة السعودية للمهندسين، ولديه العديد من الرؤى تجعل منه مفكراً تربوياً من الطراز الرفيع، من بينها أن “السوق هو الذي يحدد التخصصات”، وبالتالي طرح على الجامعات السعودية ضرورة “ربط الجامعات بالشركات” لتحديد نسب التخصصات المطلوبة، وذلك لتحاشي البطالة المؤهلة.

ومن أفكاره التربوية أنه عند إنشائه الثانوية النموذجية في المكلا، حرص على تشجيع الالتحاق بالقسم الأدبي بعدما وجد أنه يعزف عنه الكثير من المتفوقين، قائلاً بأن التعليم “لا يطير إلا بجناحين: علمي وأدبي”. فمثلما نحن بحاجة للطبيب الماهر والمهندس العبقري، نحن أيضاً بحاجة إلى عالم الاجتماع والفقيه المجتهد والمفكر السياسي… وهذه تخصصات تتحكم في جودة حياتنا لكنها للأسف تُركت لأصحاب المعدلات المتوسطة.

إذن نحن أمام رجل صاحب قضية، وقضيته الأولى التعليم كرافعة للمجتمع.. وبناء على ذلك صار يعيش قضيته أينما حل، فمثلا تراه يحتفي بمن يأتيه وفي يديه شهادة تخرج، ويعتذر عمن يأتي وفي جيبه قصيدة مدح. وما على مادحه عتب.

وعندما يسافر خارج المملكة يهتم بزيارة أبنائه الطلاب المبتعثين الذين يدرسون على نفقته ويتفقد أحوالهم، أكثر من اهتمامه بزيارة معالم السياحة وأماكن الاستجمام. وتراه أيضاً يحرص على حضور حفلات التخرج أكثر من حرصه على حضور افتتاح شركات جديدة في مجموعته الاستثمارية.

ودائماً ما كان يقرن أية خطوة اقتصادية بخطوة تعليمية، فعندما نسّق لزيارة وفدٍ من كبار رجال الأعمال السعوديين إلى عدن، نسّق بعدها لزيارة وفدٍ من الأكاديميين السعوديين. ومع كل توسعٍ استثماري في مجموعته العملاقة، يحرص على توسع تنموي. وكأن هذه زكاة تلك. وهذا مؤشر على كونه يعتبر أن التأهيل هو الاستثمار الأكثر ربحاً في الدنيا والآخرة.

النهضة ثقافة

في صيف هذا العام 2024، كنت في خيلة بقشان بوادي دوعن موئل آل بقشان وزرت قصر بقشان المزدان بألوان البهجة. كان ذلك ضمن رحلة شملت أغلب حواضر حضرموت، وكلما رأيت منجزاً أردد في نفسي: رعاك الله يا أبا فيصل.

مثل عديد من أقرانه العمالقة، كالعمودي وبن محفوظ وغيرهم، ظل الرجل يُعطي بلا ضجيج وبلا انقطاع رغم تقلبات الأوضاع. ويقدم نفسه بتواضع مشدداً أنه أقل من يدعم حضرموت.

ومن أمام قصر بقشان، الذي يقع في مقابل “دمون” بلاد امرؤ القيس، تعرف مدى الخبرة الحضارية التي اكتنزها هذا الرجل، والتي وجدت بيئة خصبة في المملكة العربية السعودية. لقد علمه والده رحمه الله، فضيلة الصبر وأسرار النماء، كما أرضعته والدته خديجة بنت أحمد بالبيد رحمها الله، معاني التواضع والنباهة.. ومن السعودية تعلم كيف يصنع السعادة ويرتوي بعدها بنكران الذات وراحة الضمير. ومن المفيد في السياق، التأكيد على أن النهضة التي شهدتها المملكة منذ بواكير التوحيد وحتى اليوم ناتجة عن ثقافة سليمة وإرادة طيبة، والنية الطيبة رأسمال.

مخطئ من يظن أن النهضة السعودية يقف وراءها الحصة الكبيرة في صادرات أوبك، بل عقول نظيفة كابدت وأخلصت وتخلصت من مفاهيم مغلوطة حيال الرزق والبناء، هذه المفاهيم المغلوطة هي التي لاتزال تكبل قدرات مجتمعات عديدة لم تفطن لأسرار الرفاه.

النهضة هي خلاصة التمسك بقيم وأخلاقيات نمت في أرض المملكة منذ فترة التأسيس، وهي فترة عايشتها عائلات تجارية عريقة من بينها عائلة بقشان التي كانت من أوائل من استقبلوا بمكة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه، وبذلك استلهمت أسرار التأسيس والحفر في الصخر حتى صارت مضرب المثل ومعقد تكريم الملوك وامتدت لتصبح شركة عربية من دبي شرقاً إلى الرباط غرباً مروراً بالقاهرة، وتوسعت في العديد من المجالات بفعل رؤية إدارية حصيفة تسبق السوق بخطوة، وتستشرف متطلبات التطور. وما إن أُقرت رؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (30-20)، حتى كانت مجموعة بقشان جاهزة للمواكبة.

أن المتابع للإنجازات الاقتصادية لمجموعة بقشان قد يظن أن قائدها ينصب كل همه في متابعة التوسع الاقتصادي، والحقيقة أن الجانب التنموي والتأهيلي يأخذ وقتاً أطول لأنه مضمار سعادته، إذ لايزال يشرف بنفسه على تفاصيل دقيقة رغم كونه قد قام بمأسسة قنوات التنمية، (منزله الذي في المكلا صار مقرا لمؤسسة حضرموت للتنمية البشرية وبحواره مقر مؤسسة حضرموت للثقافة). كما أن الرجل يهتم بعائلته ويلاطف أحفاده، ويستغرب المرء من أين يجد الوقت للمواءمة بين كل هذه المسؤوليات، والحقيقة أن التخطيط السليم لكل مشروع جديد وتعيين ذوي الكفاءة، يجعل العمل يسير في المجموعة مثل الساعة.

سجل حافل ومتواصل يمتاز بالأصالة والصلابة والديمومة والنفع، تعبد دروبه معدات “شانتوي” الثقلية، وتُبنى صروحه ب”اسمنت العربية”، ويسير للمستقبل واثق الخطى على إطارات “برجستون” القوية.. مسارات استثمارية وتنموية متناغمة كأنها معزوفة “الهبيش”.

تلمع في ذهنه الفكرة النافعة، فيقوم بالتخطيط السليم، ويُوقف لها التمويل الكافي، ويهتم بإزالة العوائق المحتملة، ثم يشاهدها تكبر وتثمر. وهكذا: مزرعة في الوادي ومدرسة في السفح ومصنع في الصحراء وسفينة في البحر وحاوية في الميناء ومئذنة في السماء وحلم في الجبين. مشوار متضافر تتحدث عنه قاعات الجامعات وأروقة المصانع، ودور العبادة، وأندية الرياضة، وصروح الثقافة، وصالات الفن، وصوامع الابتكار.

سيرة تتحاشى الإعلام وترى في السياسة “وجع قلب”. يُتعب نفسه من يظن أن بقشان يميل لطرفٍ أو يقف وراء طرفٍ، لأنه في حقيقة الأمر رجلٌ للجميع، رجل لديه رؤية، ورؤيته تتعدى الحاضر، مثلما أن “إسهاماته في البنية الاجتماعية تجاوزت خطط التنمية” حد تعبير محافظ حضرموت الأسبق عبدالقادر هلال رحمه الله.

ليس ترفا..

في موازاة هذا كله، يأتي اهتمامه بالفن باعتباره يموسق الوجدان ويوحد القلوب. والشيخ عبدالله ممول أولٍ عمل أوركسترالي حضرمي في العاصمة الماليزية كوالالمبور 2019، والذي تلاه نغم يمني في باريس ونغم يمني على ضفاف النيل… والقائمة تطول.

والحقيقة أن هذا الاهتمام بالفن ليس حديث العهد؛ إذ أن الشيخ بقشان كان هو من تكفل بدعوة فنانين كبار إلى المكلا وصنعاء في أوقات سابقة، ومنها حفل المكلا مايو 2005 الذي أحياه العمالقة أبوبكر سالم، عبدالرب إدريس، علي بن محمد، أسماء لمنور، وآخرون بحضور الفنان الكبير كرامة مرسال رحمه الله. وبعد ذلك جاء بالفنان الكبير أبوبكر سالم بلفقيه رحمه الله إلى صنعاء وأحيا فيها ليلته التاريخية في الصالة الرياضية.

كانت حفلة كوالالامبور برعاية قناة حضرموت التي أنشأها بقشان بهدف ربط حضارم العالم بثقافتهم العربية، واختيرت ماليزيا بوصفها نقطة وسطى لتجمع المهاجربن الحضارمة الذين أسلمت على ايديهم شعوب صارت الاعلى سكانًا في خارطة العالم الاسلامي. ولقد لمست بنفسي الحاجة لانشاء قناة تحقق هذا الهدف عندما رافقت جواً في العام 2010 أسرة حضرمية من دار السلام بتنزانيا إلى صنعاء.. كانت الأم تتحدث معنا العربية فيما كان أبناؤها لا يفقهون من حديثنا شيئا.

ولاشك أن أي صاحب رؤية شاملة للنهضة يعرف جيدا أن الفن ليس ترفاً، بل إن حفلة واحدة يمكن أن تبلسم جراح سنين. حفلة “نغم يمني في باريس” أسهمت في إحداث تحسن كبير في النظرة الأوروبية تجاه اليمنيين والعرب، في وقت لا تنقل فيه قنوات الأخبار سوى مشاهد الدمار والدموع. وبالمثل جاءت حفلة الأوركسترا اليمنية في الرياض لتبعث رسالة عميقة المدلول عن عمق الأواصر بين اليمن والسعودية، وتجسد ذلك حينما تفاعل الجمهور اليمني مع ميدلي الأغاني الوطنية السعودية بذات الحماس الذي تفاعل فيه الجمهور السعودي مع الأغاني اليمنية.. لقد كانت لحظات صادقة محت شغل سنوات من محاولات تشويه العلاقات بين البلدين الجارين، وهو إنجاز تهون إزاءه تكاليف الإعداد، وهنا يتوجب الشكر لكل من أسهم في نجاح تلك الليلة التاريخية وفي مقدمتهم معالي وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود.

هذا النجاح الباهر الذي حقق أهدافه بدقة متناهية، كان لابد له من تتويج لائق، وتحقق ذلك باستقبال الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي كلاً من الشيخ عبدالله بقشان والفنان محمد القحوم، ليجتمع مايسترو السياسة اليمنية مع مايسترو التنمية ومايسترو السيفونيات التراثية، بحضور الوزير المهذب معمر بن مطهر الإرياني.

نهر يفتش عن مجرى

ليس ترفا بل هو جزء من عِقد طويل مرصع بجواهر البذل.. وهو بمجموعه رسالة تعكس الرغبة في صناعة الحياة في وجه ثقافة تعكف على صناعة التعاسة، وتسكتثر على المواطن أنه لايزال على قيد الحياة.

ليست عبثا، بل هي رؤية تجتهد في صناعة العِلم في مقابل ارتكاس محمومٍ يعمل على صناعة الجهل وتكريس الخرافة.

وختاما، فإن الحديث عن إسهام رأس المال حديث مهم، وبقشان نموذج شاخص للعيان وقصة مفادها أن الإسهام في تنمية المجتمع هو نوع من شكر النعم يبارك في الثروة. ولولا جسارة رجال الأعمال وسخاء بذلهم ما تمت التخولات الفارقة في تاريخ اليمن.

ومن المؤسف اليوم أن رجال الأعمال يتعرضون في صنعاء وما حولها، لما يشبه حرب اجتثاث من قبل أفراد جماعة يسرقون الكحل من العيون، ويمنعون الماعون، ويجمركون الهواء وأشعة الشمس، ويحاسبون الجائع على قرقرة أمعائه الخاوية.

إنها دعوة لإفساح المجال أمام رجال الأعمال الذين يتوقون أن يصنعوا شيئاً جميلاً لمجتمعاتهم، وللأسف فأن مساعيهم الطيبة في اليمن تصطدم بواقع مضطرب، كما أنها تصطدم في الظروف العادية ببعض محدودي الأفق الذين ينظرون لرجل الأعمال كطامع، وكذا الانتهازيين الذين ينظرون لرجل الأعمال كمَطمَع، ويحسبون أنفسهم أذكياء. لا يعرفون أن التاجر الناجح تاريخ من الخبرة ولديه من التجارب ما يجعله يزِن الناس بمجرد نظرة واحدة فاحصة وكأنها ماسح ضوئي.

رجال الأعمال نهرٌ يفتش عن مجرى، وغمامة تبحث عن جبل وحكمة تبحث عن مستفيد.

تعليقات الفيس بوك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى