سعر الصرف خلق أزمة إنسانية بالغة الخطورة!
د. يوسف سعيد أحمد
خلال الأشهر الأخيرة، استمر تدهور قيمة العملة الوطنية، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية والمعيشية. فقد الريال اليمني خلال شهر أكتوبر 2024 أكثر من 20% من قيمته في عدن والمناطق الخاضعة للشرعية. ويبدو أن الاتجاه العام لسعر الصرف يوحي بمزيد من التدهور، حيث تجاوز سعر الريال حاجز 2050 ريالاً للدولار الواحد، في ظل استمرار المضاربات والتوقعات المتشائمة، لا سيما مع تأخر المملكة العربية السعودية في تسليم الدفعة الأخيرة من المساعدة المالية، البالغة مليار ومئتي مليون دولار، المخصصة لدعم الموازنة العامة لهذا العام 2024 وتحديدًا لصرف الرواتب. فماذا سيحدث إذا لم تُجدد المملكة دعم الموازنة للعام القادم 2025، وكيف ستتمكن الدولة من الاستمرار في دفع رواتب موظفي القطاع العام، خصوصاً بعد فقدان الموازنة العامة لأكثر من 42% من مواردها نتيجة فرض القوة القاهرة على إنتاج وتصدير النفط من حقول حضرموت وشبوة، وتراجع عائدات ميناء عدن الدولي، وعدم توريد الإيرادات الضريبية والجمركية إلى حساب الحكومة في البنك المركزي؟
في هذه الظروف، يمثل استقرار سعر الصرف أولوية قصوى للبنك المركزي والحكومة والمجلس الرئاسي، لأن المواطن في عدن وغيرها من المناطق الواقعة تحت سيطرة الشرعية وصل إلى مستويات من الجوع الحقيقي نتيجة تآكل قيمة الدخل وارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى حد لم يعد في متناول معظم السكان. فما هو موقف الدولة إزاء التدهور الكارثي لسعر الصرف؟
عقدت الحكومة أكثر من اجتماع واتخذت إجراءات تنظيمية وإدارية وأمنية في محاولة لاحتواء تدهور سعر الصرف، ووضعت مصفوفة إصلاحات اقتصادية، إلا أن المضاربين واصلوا تحديهم لهذه التدابير، وكأنهم يقولون إنه لا توجد قوة قادرة على إلزامهم بالانضباط. وفي هذا السياق، أغلقت الحكومة 16 شركة ومحل صرافة تعمل بدون ترخيص من البنك المركزي، لكن المضاربة استمرت بوتيرة أعلى، وتُمارس بشكل أساسي من قبل شركات الصرافة الكبيرة التي أثبتت أنها أكبر من أن تُمس، لكن ليست أكبر من أن تُفلس.
من جهته، عقد مجلس القيادة الرئاسي اجتماعاً يوم السبت الموافق 2 نوفمبر 2024، حيث أرسل رسالة طمأنة للشارع بتحمله كامل المسؤولية وعزمه على مواجهة الوضع الإنساني المتدهور نتيجة استمرار تدهور سعر الصرف. وأكد المجلس مواصلة الإصلاحات الاقتصادية بالتنسيق مع المانحين إقليمياً ودولياً. لكن المجلس والحكومة لا يمتلكان الوسائل والإمكانيات لمواجهة الأزمة الاقتصادية، وتقتصر مسؤوليتهما على التواصل مع المانحين الإقليميين والدوليين لشرح الأوضاع الاقتصادية الكارثية وطلب الدعم.
تحذير البنك الدولي:
في تقريره الصادر نهاية أكتوبر 2024، تناول البنك الدولي الوضع الاقتصادي والإنساني في اليمن. وقد أبرز التقرير النقاط التالية:
1. انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1% بحلول نهاية العام 2024، بعد أن كان قد انكمش بنسبة 2% في العام 2023.
2. العجز في الموازنة العامة للدولة سيصل إلى 42% بنهاية العام.
3. انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 54% مقارنة بعام 2015. (لكن يُعتقد أن نصيب الفرد من الناتج المحلي في مناطق الشرعية قد انخفض لنفس الفترة بنسبة 70% نظراً للتدهور المستمر في سعر الصرف).
4. تزايد الحرمان الغذائي بشكل مضاعف في بعض المحافظات.
وأشار التقرير إلى أن الوضع الإنساني في اليمن ينحدر نحو مستويات خطيرة بسبب الانقسام والصراع المستمر، والأحداث في البحر الأحمر، مطالباً بضرورة العمل لتحقيق السلام وإنهاء الانقسام الاقتصادي، ووقف التعرض لناقلات التجارة الدولية، حيث يؤدي ذلك إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية وارتفاع تكاليف التأمين على الواردات.
الطريق إلى مواجهة أزمة سعر الصرف:
على المدى القصير وحتى نهاية العام 2025، تظل مواجهة أزمة سعر الصرف مرهونة بالدعم السعودي، بما في ذلك تسليم ما تبقى من التزامات هذا العام وتجديد دعم الموازنة للعام المقبل، إلى جانب استئناف تصدير النفط والغاز. ومع ذلك، ينبغي على الحكومة والمجلس الرئاسي، وبالتنسيق مع الأمم المتحدة والمانحين، الدعوة لعقد مؤتمر دولي لدعم اليمن، شرط التحضير الجيد له عبر وضع برنامج محكم وشفاف لإصلاحات مالية واقتصادية حقيقية تقوم على مبادئ الحوكمة والشفافية، وبإشراف من البنك والصندوق الدوليين، من أجل تحسين الصورة الذهنية لليمن لدى الدول والمؤسسات الدولية. هذا يستلزم أيضاً إقامة مؤسسات رقابية وتفعيل دور القانون وتعزيز القضاء. ويبقى تحقيق السلام خياراً أساسياً لتأمين مستقبل أفضل للشعب اليمني.
د. يوسف سعيد أحمد