إلى زميلي الإمامي،
عبدربه السقاف الطهيفي
اعلم يا زميلي أنه قبل 2011، كانت الفئة المستأثرة بالحكم تعيش في يقين من الخلود في السلطة،
وكان الغرور والشِّللية يزدادان أكثر فأكثر.
وأصبح كثير من ردودهم على قضايا المواطن يتضمن في نهايتها خيار “الشرب من البحر”،
وبالتالي، لا يكون أمامك غير الانسياق في تيارهم أو الشرب من البحر (وهو ما يعتبره الأطباء خطيرًا جدًا على الصحة).
ولم تكن هناك آذان مصغية للنصائح الصادقة،
والنصائح الصادقة إذا وجدت آذانًا صاغية تكون كالمرآة يرى فيها المنصوح نفسه على حقيقته.
بل إنهم أصبحوا في آخر فترتهم لا يستحضرون في أذهانهم الحقيقة التاريخية والواقعية وسنة الله في الوجود،
وهي أن الأحوال تتغير.
ولم يوجد حكم دام لأحد؛ لا نبي، ولا إمبراطور، ولا خليفة، ولا إمام، ولا ملك، ولا حزب، ولا غيرهم عبر التاريخ.
واستمروا على هذا الحال، صامين آذانهم ومستغشين ثيابهم،
حتى وقع الفأس في رأسهم وفي رأس البلاد واقتصادها وأمنها.
ثم جاءت 2011، وما هي إلا أشهر قليلة حتى بلغ المتسلطون الجدد مستوى غرور سابقيهم.
وظنوا أنهم قادرون عليها، وأن الحكم لهم ولجماعتهم وكمبرساتهم إلى قيام الساعة.
ولم تكن آذانهم في حال أفضل في الإصغاء،
وعموا عن سنة الله في الوجود كسابقيهم.
واعتقدوا اعتقادًا يفوق في رسوخه أي عقيدة أخرى (في حينها) أن الحل لجميع المشاكل بسيط ومكوّن من صرخة واحدة، وهي:
“الشعب يريد…… “.
وبمجرد أن تضع كلمة في نهاية هذه الجملة، وتخرج إلى الشارع وتصرخ بها بأعلى صوتك عدة مرات، وقناة الجزيرة تصورك، تتحول هذه الكلمة إلى واقع لا يمكن هزيمته بقوة سحرية كسحر جملة “افتح يا سمسم” في قصة علي بابا، وبنفس طريقتها الطفولية وغير المنطقية.
وكلما حاولنا نصحهم بأن يكونوا أكثر إدراكًا للمشهد الأكبر، وأكثر قبولًا للآخر من إخوانهم في الوطن بتفنيد هذا المنطق السطحي، قالوا: “هو الله يفعل ما يريد، وتلك الأرض يورثها عباده الصالحون”.
وبالتالي، مثل أي جماعة دينية تبحث عن السلطة، يجعلونك بين خيار القبول بهم بعيوبهم وبعنصريتهم، أو الخلاف مع الله! والدين! والشريعة! والقرآن! (حسب اعتقادهم).
ثم أتى متسلط ثالث بصرخة أخرى، وهو موضع أسطري هذه.
المتسلط الأخير أكثر عنصرية من سابقيه، وأكثر غرورًا، وأكثر ظنًا بامتلاك الحقيقة! والدين! والله! والرسول! والوطن! والشعب!. كل هذه مقتنيات شخصية ورثها من جده،
حسب منطق زميل الدراسة هذا الذي أعرفه منذ زمن بعيد جدًا.
وقد تواصلنا بعد سنوات من الانقطاع، قضيت جلها في الخارج خلف حدود الوطن بسبب الحرب.
وهو، حسب كلامه، قضاها خلف مكتب يقول إنه كبير جدًا وفخم، وصل إليه بالمؤهلات “المنوية” لسلالته الإلهية!.
فإذا بزميلي الإمامي أصبح شخصًا آخر؛ منتفخًا بنسبه المميز، ومتورمًا بدمه الأزرق، ومتلذذًا بانتمائه لهذه السلالة التي سلطها الله (حسب معتقده) على رقاب اليمنيين.
أردت اليوم أن أنصح زميلي هذا كما نصحنا من سبقوه إلى الجلوس خلف تلك المكاتب،
رغم أنه من الواضح أنه يعيش سكرة الجلوس خلفها.
ومع أنني أعرف أن زميلي هذا ومن يحمل نفس فكره لن تكون آذانهم أكثر إصغاءً من غيرهم.
بل أنا متأكد بأنه سوف يقرأ هذا المنشور وهو منتفخ ومزهو بغرور الانتصارات العظيمة التي لا يمل من روايتها على صفحاته في التواصل الاجتماعي، ولن يجول في خاطره غير أفكار الانتقام من أعداء الله! والدين! والقرآن! من اليمنيين الذين يشككون في عظمته وتميزه واختلاف جيناته عنهم، والتي تجعل الحكم له وفيه إلى قيام الساعة.
وسوف يفوته، كما فات غيره من قبله، الحقيقة الثابتة وهي أن الأحوال تتغير، وأن كل حاكم ومتسلط زائل لا محالة، وسوف يدفع فاتورة سلطته على قدر تسلطه.
فالشعوب لا يمكن تدجينها،
وهي مثل البراكين الخامدة، ولكنها حتمًا سوف تصحو وتثور يومًا ما، حتى وإن ظن الحاكم أنه نجح في إخصائها وأنها سوف تبقى خامدة للأبد.
والشواهد عبر التاريخ لا يمكن حصرها، فكل الأباطرة الذين كانت الشعوب تهتف بحياتهم وتفديهم بالروح وتحملهم على رؤوسهم، داستهم لاحقًا تحت أقدامها.
وأيضًا، أعرف بيقين أكبر أن من عاش منا سوف يقرأ هذا المنشور يومًا ما وقد دارت الدوائر وتبدلت الأحوال، وذهبت الانتفاخة الخاوية أدراج الرياح.
حينها سوف تدرك، يا زميلي، أن هذا الهدير الجاري اليوم على المنابر والشحن والتهييج الشعبي والتثقيفي، حسب ما تسميه وما تسميها محاضرات وتغيير المناهج، وكل هذا الجنون الذي يهدف فقط إلى إقناع الشعب اليمني بأنكم لستم منه، وأن كان بصيغة أخرى تستلذها مسامعكم فالمضمون واحد، وهو الذي سوف يكون الوبال عليكم، بل الكارثة التي صنعتموها لأنفسكم بأيديكم.
حينها ستدركون يا زميلي أن بطاقة نجاتكم الوحيدة هي أن لا يقتنع الشعب اليمني بأنكم جسم غريب ودخيل، ودودة زائدة في الجسد اليمني،
وهذا ما تسعون اليوم جاهدين لترسيخه في أذهان اليمنيين.
أقول هذا رغم أنه إذا كنا من شهود هذا اليوم، سوف نكون دعاة سلم وعفو وصفح وتجاوز، كما كنا دائمًا، وسوف ننصح من يجلس خلف هذه المكاتب بعدكم كما ننصحكم الآن ونصحنا من سبقوكم. ولكن هذه المهمة، بطبيعة الحال، تكون أصعب كلما زاد الظالم في ظلمه والمتكبر في كبره.
ولكننا لن نكل ولن نمل، ولن نفتر في النصح والدعوة إلى مواطنة متساوية في الحقوق والواجبات، وإلى نظام ديمقراطي عادل، وإلى مواكبة التقدم والتحضر، ورفض الكهنوت والتخلف، واستخدام الدين كوسيلة للوصول إلى السلطة والتسلط بشعاراته.
نحن أخوة في الوطن لا تفرقنا سلالات، ولا معتقدات، ولا أحزاب وجماعات،
ملاحظة أخيرة: لقد ترددت كثيرًا في نشر هذه الرسالة مراعاة لمشاعر من أعزهم كثيرًا ممن أعلم أنهم لا يحملون هذه العقلية المتخلفة، كما أن المقدمة ذكرت فيها نصحنا لأنصار المتسلطين السابقين، وهذا شيء أصبح من الماضي ولا أحب إثارته وقد ولى زمانه.
ولكن في النهاية، رجحت تقديم النصح لمن يحملون هذه العقلية المتخلفة والانتفاخة الزائلة على أي
مشاعر، ومع ذلك ألتمس العذر من جميع الأحبة.