رقصات للآلهة..

رقصات للآلهة..

بقلم: د. محمد عوض هرورة

الإنسان المعاصر يعتبر نفسه حصيلة التاريخ، بينما إنسان العصور القديمة يعتبر نفسه حصيلة أحداث أسطورية معينة، حسب رأي عالم الأديان (مرسيياإلياد).

   والحزب الإشتراكي اليمني، وقيادة هذا الحزب ينطلقون في فهمهم للواقع وتفسيرهم للظواهر الطبيعة، والإجتماعية والحضارية، وكذلك حركة التاريخ، من منطق يختلف تمام الاختلاف عن منطق الإنسان المعاصر.

      فقد ربط حاضره، بل مستقبله بسلسلة أحداث صنعتها في اعتقاده قوى خارقة، أو شخصيه خارقة،  أكثر في البدء، بصفتها قوة تكشف عن نفسها هنا وهناك وفي كل مكان، في أزمنة وأمكنة متعددة.
  
     أي ان البطل الذي صنع تاريخ تأسيسه كان إله أو نصف إله (وفي محيط البطل كل شيئ يصبح تراجيديٱ، وفي محيط نصف الإله، كل  شيئ يصبح رقصات للآلهة) كما يقول:  (نيشته ) ولقد أجاد الحزب، والقطيع المنتمي اليه الرقص، الرقص حول البطل وما ينم عنه من تعظيم، وتبجيل، والرفع من سمو ومكانة البطل، وتميزه عن من يرقصون حوله بسلامة التفكير، ورجاحة العقل، والتفرد بالرأي، فقدموا ثلاث رقصات تراجيدية قدمت على المسرح،  أمام أعين، ونظر البطل،  وحازت على الرضاء والقبول والاستحسان التام منه وكذلك المباركة والرقصات هي  : 
             رقصة 22 يونيو 1969
             رقصة 26 يونيو 1978
             رقصة 13 يناير 1986

         وبنفس الهمة، والروح العالية والإجادة والابداع في الرقص التراجيدي، فقد أبدعوا في اداء الرقص للإله، والمتمثل في أداء وتنفيذ التعليمات التي جاء بها الإله، واجتناب النواهي ابتداء من اداب الطعام والشراب، وانتهاء بتعليمات الدخول، والخروج من والى المرحاض، وتطبيق ما صدر عن هذا الإله من قول او فعل، او عمل، لذلك قدموا الرقصة بهمة عالية، ومطابقة لروح، ونصوص، وكلام الإله في 22 مايو 1990 م، هذه الرقصة تمت  بمراسيم طقسية، تمثلت في 365 ألف كيلو متر مربع، وخمسة ملايين إنسان كلها قدمت على مذبح الإله قرابين للإله ، بعد أن تسامى، وتعالى إلى مساكن الآلهة في طبقات السماء العليا.

       وهو لذلك تاريخ مقدس، مما يجعل من الرواية التاريخية حسب رأي ( جورج لوكاش) رواية سمجة غبية و خيالية وخالية من الروح التاريخية، حينما تأخذ الرواية لنفسها شكلآ من اشكال القداسة، لأن ما هو قابل للتمجيد يجب أن يعمل على إظهار ماتم تمجيد ه باعتباره خالدآ كما يؤكد على ذلك:  ( كارل كورش).

     لذا بقي الحزب ثابتآ عند زمن التأسيس، 
وهذا الثبات لم يكن بسمة صورة حنين معلن لا ، بل أصولية ولم يتم شرحه على أساس بقايا فعل من الماضي، ولكن تم شرحه على أساس أنها كنتيجة أو ردود فعل تجاه حقائق سياسية، واجتماعية جديدة، خلقت من خلال المتغيرات السياسية، والإجتماعية،  الاقتصادية التي جاءت كانعكاس طبيعي لولادة الحزب ومن ثم قيادته لتلك المتغيرات، وتاثيرها على  الوضع الإقليمي والدولي.

     في الوقت الذي كان يفترض انه حزب ينتمي إلى التاريخ بطريقة غير قابلة  للانعكاس، مما يعني جهل الإمكانية  التي  تحتفظ بها قدرية التاريخ للحدث والفعل البشري، في رقعة جغرافية معينة، مسجون في جلباب مؤسسه ،  الذي حاول أن يتمكن من الفوز على طريقة القائد الاغريقي «بييڕوس».

   تسكنه فوبيا الحركة ، ونسى أن مصائر  الحركة حسب رأي:( ارنست فيشر ) تمضي متدفقة إلى الأمام، كما تتدفق الأنهار من الجبال إلى البحر  ، وكما تنبت الطحالب والأعشاب من الأرض، وكما تتحول اليرقات إلى شرانق، ومن ثم إلى فراشات، ولا يمكن تثبيت التاريخ كما يقول:( ماركيوز) عند حدود معينة، بل هناك صلة مستمرة بين مسألتي مضمون التاريخ وصورته.

   ولكنه مع ذلك يجد الحزب نفسه ليس ملزمآ بمعرفة اللحظة التي وجد فيها فحسب، ولكن باستعادتها من وقت لأخر، في لحظة تجربة غير قابلة للانقسام، وعند ذات واحدة فقط يغمرها ويحيطها بالعبودية، ومن ثم تخليد تلك العبودية كما خلد العبرانين  سفر نشيد الانشاد لسليمان ، رغم أن طبيعة هذا السفر حسب رأي عالم الأديان (فليسيان شالي)  لا تنسجم وطبيعة الكتاب المقدس.

   لكن الوظيفة التي يضطلع بها الدين داخل الحضارة هي المحافظة على الماضي وجعل هذا الماضي حاضرآ عن طريق التذكر والتكرار  واعادة الإنتاج والاستحضار الدائم له، فاتجاه الزمن، والاتجاه في عمليات التحولات الدينية متشابهة تمامٱ من الصين إلى اليونان، ومن الفراعنة إلى فارس. 

    بينما الحضارة  هي الزمن الحاضر فمتوالية الزمن اللامتناهية تتجزأ  إلى دوائر ومراحل متشابهة تعيد تشكيل نفسها بنفسها.

    وبهذا يكون الحزب حكم بفناء التاريخ، في نسق مثل هكذا منطق  ، وهذا يعبر عن اضطراب غارق جدآ في فورية حالة من الهزيمة، و مثقل بلا شك بحمل خاص في مظهر تشتت حقيقي.  

تعليقات الفيس بوك
Exit mobile version