مأرب في الحرب والسلم
عمار التام
يكثف الحوثي حشوده نحو جبهات محافظة الجوف ومأرب حسب تقديره أنها المعركة الأخيرة في ظل ظروف إقليمية ودولية مواتية لتحقيق ذلك خاصة بعد حصوله على مكاسب من حرب الغزة يخاف أن تنفد صلاحية استخدامها سواء قبل عودة الحراك الشعبي ضده أو تحول الموقف الدولي والأمريكي تحديدا .
فقد وجهت أمريكا لإيران إهانة بالغة باغتيال رضى موسوي بسوريا ، كما أنها وجهت إهانة لحزب الله باغتيال القيادي في حركة حماس صالح العاروري بالضاحية الجنوبية بلبنان .
من جهة أخرى ترى أمريكا أن الحوثي أدى دوره بمعدل ممتاز جدا لمحاصرة مصر والسعودية في البحر الأحمر ،
وأن أبو ظبي نجحت بحصار مصر والسعودية في السودان والعاملان المشتركان هما نفسهما ( إسرائيل وإيران ) .
إذ أن إسرائيل وفق مراقبين تضررت نسبيا من هجمات الحوثي في البحر الأحمر في الاعتبار أكثر منه في الأضرار الاقتصادية حيث لا تترواح نسبة صادرات وواردات ميناء إيلات بين 3-7% لإسرائيل .
بالعودة إلى مأرب في الحرب والسلم وفي ظل استمرار مطارح رفض الجرعة السعريةللمشتقات النفطية بمأرب كبقية المحافظات المحررة ، يرى المعنيون قلقا وخطرا في ظل الحشود الحوثية على مأرب.
والحقيقة أن الخطر متوقع بنسبة كبيرة لكن هناك أمور تفرض علينا قراءة المشهد في مأرب من زوايا أخرى ومنها حشود الحوثي طبعا .
المراقب لطبيعة مطالب وقيام المطارح الأخيرة ورصد الأحداث قبلها يفهم حقيقة تساعد على تحليل الوضع وتقدير الموقف بمأرب بصورة واضحة .
فمأرب في الحرب تصبح سيدة القرار ويصبح الجميع خلفها مساندا بمن فيهم الأشقاء وتُنشد وينشدها الجميع في ظروف الحرب وتلبى مطالبها خلال الحرب فيما يتعلق بالمعركة.
لكن من خلال السنوات الماضية فخيار الحرب خيار مفضل لمأرب تتجاوز فيه الأزمات الماثلة بعواملها الداخلية أو تهديداتها الخارجية لأنها تستطيع الاستجابة السريعة لتحدي الحرب مقابل زيادة نسبة إخفاقها لتحقيق متطلبات السلام .
يتكرر إخفاق مأرب في تحقيق ذلك بل ويزداد لأنها بعد ضبط بندقيتها لبوصلة القرار الوطني في الحرب نحو عدو واحد للجميع.
يتم التخلي عنها وإسلامها إلى ما خلفته الحرب من أزمات مركبة ومتراكمة من قبل مكونات الشرعية من جانب .
كما أن تقاطع الاتجهاهات والتحركات وقت السلم يتم اختزال قرارها الجمعي في مسار سلانفعي انتقائي فئوي يستبعد كل مكونات الكتلة الجمهورية في مأرب ويسهم في تبديد ما حققته في الحرب من دور وثقل وطني .
ويهدر عشرات الفرص لتعزيز موقفها وتأثيرها في القرار الوطني ، وهو ما قد نطلق عليه مصطلح “الفجوة الاستراتيجية بين التضحيات والمكتسبات” التي تؤكد الخلل في الإدارة الاستراتيجية لقرار الحرب والسلم.
كما أن هدف مطارح رفض الجرعة وفق عدد من المراقبين تتجاوز المطلب الرئيسي لها ،إلى تحقيق أهداف أخرى منها نزع ما تبقى لمأرب من عناصر قوية ونزعها من طرف متفرد، وتطويعها للقبول باتفاق التسوية مع الحوثي وتجرديها من ثقلها ومكانتها الذي قد يخولها لوضع شروطها في الاتفاق والقرار الوطني .
وهناك من يرى أن تلك المطارح ستستمر في ظل مؤشرات لتلقي الحوثي ضربة أمريكية بريطانية قريبة رغم أن أمريكا أقل جدية في مقابل أول تصريح قوي وواضح لبريطانيا لتوجيه ضربة خلال عشرين سنة في المنطقة وتحديدا قرار المشاركة في الحرب على العراق .
كما يرى المراقبون أن احتمال تلقي الحوثي لضربة سيفضي إلى إغلاق ميناء الحديدة ومن ثم تسهم المطارح في حصار الحوثي بنفط وغاز مأرب وفق أجندات لاعبين جدد في قرار النفط والغاز بمأرب .
وهو ما قد يفسره لقاءات الشيخ ناصر بن عوشان مرجعية تلك المطارح برئيس مجلس القيادة الرئاسي ونوابه والحكومة وقيادات سعودية رغم أن قرار الجرعة أصدرته الحكومة بدعم مجلس القيادة الرئاسي.
وعليه ترى تلك الأراء أن الحوثي ستختلط عليه الأوراق في موضوع تجدد المعارك في جبهات مأرب والجوف وهو سيناريو محتمل بقوة لكن يظل توقع كل الاحتمالات هو الأسلم.
ويبقى التحدي الأكبر أمام مكونات الكتلة الجمهورية في مأرب هو إعادة الاعتبار لمكانة وثقل مأرب في قرار السلم والقرار الوطني بشكل عام بما يضمن مشاركة الجميع والحد من اختزال قرارها الجمعي في مسار سلانفعي انتقائي فئوي كان المستفيد الأكبر في مأرب والمشهد الوطني بشكل عام .