في غياب حماس: رحلة نحو دولة بلا تحديات وعالم خالٍ من الاحتلال”
بقلم إيمان الطحان
منذ معركة “طوفان الأقصى”، اشتدت دعوات إسرائيلية لتصفية حماس، مصحوبة بدعوات من قوى غربية بإنهاء حكمها في قطاع غزة. يثير هذا التوجه جدلًا حول دور حماس وتأثيرها على السلام في الشرق الأوسط. لكن هل كانت حماس العائق الرئيسي لتحقيق السلام خلال السنوات الأربعين الماضية؟
على مدى العقود الماضية، هل قدم محبو السلام والاستقرار جهوداً كافية لتحقيق حقوق الفلسطينيين وإنهاء الاحتلال؟ وهل كانت حماس هي المشكلة الحقيقية أم أن هناك عوامل أخرى تلعب دورًا أكبر في تعثر عملية السلام؟ يستدعي البحث في الخلفيات السياسية والتحولات في المنطقة تقييمًا موضوعيًا لتأثير حماس ودور القوى الإقليمية والدولية في التسوية الفلسطينية.
على سبيل المثال، يجب استعراض مسار اتفاق أوسلو وكيف تأثر بالتطورات السياسية والميدانية. هل كانت هناك جهود جادة لتحقيق حل الدولتين، أم أن العوائق الإسرائيلية كانت العائق الرئيسي؟ وهل تكمن المشكلة في الأيديولوجية الصهيونية أو الرفض الإسرائيلي لتسوية عادلة؟
في نهاية المطاف، يثير السؤال حول مدى نجاح الفترة “بلا حماس” في تحقيق السلام المنشود، وهل كان للتوجه باتجاه شطب حماس دور في تحقيق الاستقرار المنشود في المنطقة
إثر فقدان ياسر عرفات للأمل في تحقيق حلم الدولة الفلسطينية، دفعه الإحباط إلى دعم انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000. تأثير هذا الإحباط كان واضحًا في مشاركة فعالة من قبل عناصر فتح على الصعيدين الشعبي والعسكري في تلك الفترة. يُسلِط هذا التطور الضوء على التأثير النفسي والسياسي الذي قد يلعبه الإحباط القيادي في تشكيل الأحداث واتخاذ القرارات
فيما يخص النتيجة الثانية، تعود حماس في زمن قصير جدًا لاستعادة نشاطها، متقدمة في قيادة المقاومة المسلحة وتحقيق دعم جماهيري هائل، مما أسفر عن فوزها الكاسح في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006.
تكررت محاولات السلطة الفلسطينية في رام الله لفرض “عالم بلا حماس” منذ عام 2007 واستمرت لسنوات عديدة في الضفة الغربية. تكبدت حماس، بالإضافة إلى بطش السلطة، الضغط الإسرائيلي، والتدخل الأميركي، خسائر متعددة، بما في ذلك إغلاق مؤسساتها وضرب هيكليتها التنظيمية. وبعد مضي 16 عامًا، كيف تبدو النتيجة؟
النتيجة هي أن حماس تظل الفصيل الأكثر شعبية في الضفة، أو على الأقل تعتبر الفصيل الرئيسي المنافس لفتح. فإذا كان الوضع على هذا النحو، لماذا تتجنب قيادة فتح مشاركة في انتخابات، وتؤجل ترتيب البيت الفلسطيني في ربيع 2021، وتظل تتجنبه حتى اللحظة؟ حتى في قطاع غزة، يبدو أن الحصار المطول والمشاركة في خمس حروب دمرت لم تضعف سوى مكانة وشعبية حماس.
لذلك، يتساءل العالم عندما يوجه الاحتلال الإسرائيلي: إذا كانت الضفة الغربية تحت سيطرتكم المباشرة وغير المباشرة، وفشلتم على مدار 36 عامًا في القضاء على حماس، حتى وبوجود شريك فلسطيني معكم، وما زالت تحتفظ بشعبيتها الكبيرة، فما هو توقعكم في حال نجاحكم في إعادة احتلال قطاع غزة؟! لماذا الإصرار على تجربة مكررة؟ وعلى إعادة ابتكار عملية ليس فيها جديد؟!
إرادة الاحتلال.. أم إرادة الشعب؟
سؤال بديهي ينبض به: هل “العالم بلا حماس” يعبر عن إرادة الاحتلال وحلفائه أم إرادة الشعب الفلسطيني؟ وهل يحق للاحتلال الإسرائيلي وحلفائه أن يمتلكوا وصاية على الشعب الفلسطيني وأن يفرضوا معاييرهم لاختيار ممثليه وقادته؟ وما هي درجة الوقاحة والغطرسة التي يمتلكها العدو ليحدد شكل ومواصفات قيادة شعب هو ضحية للاحتلال؟
والسؤال الثاني، لماذا يسعى العالم الغربي والمطبّعون العرب وحلفاؤهم إلى تكييف الأوضاع في فلسطين وفقًا لرغبات الاحتلال ومعاييره، بدلاً من السعي وفقًا لمئات القرارات الدولية وبديهيات حقوق الشعوب في تقرير المصير؟ وبالتالي، بقاء الاحتلال الإسرائيلي – كـ “دولة فوق القانون”، حيث يتم تأمين احتلاله وضمان استمراره في إخضاع شعب آخر – هو حالة شاذة يجب أن تزول
لهذا، إذا اختار الشعب الفلسطيني حماس – باعتباره تعبيرًا حرًا عن إرادته – ينبغي احترام إرادة الشعب بدلاً من إرادة الاحتلال. حكمت حماس قطاع غزة وفقًا لأغلبية الفلسطينيين الذين انتخبوها، ولم تأتِ بموافقة “إسرائيل” أو أميركا، بل استمرت سواء رضيتا أو غضبتا. فالأمر ليس في اختصاصهما
المؤشرات الواقعية
تظهر المؤشرات أنه بعد أكثر من 80 يومًا من العدوان الإسرائيلي الوحشي المدمر على قطاع غزة، أن شعبية حماس ما زالت عالية ومتصاعدة ولا تزال الحاضنة الفلسطينية تلتف حولها في داخل فلسطين وخارجها. وأن أسلوب المذابح والمجازر عمّق الرغبة لدى الشعب الفلسطيني في الانتقام وفي تقديم المزيد من التضحيات لإنهاء الاحتلال.
رغم السعي الإسرائيلي الحثيث لتحقيق “عالم بلا حماس”، إلا أن هذه الجهود لم تفلح في إضعاف حماس، بل أضفت إليها قوة ورفعت من مكانتها على الصعيدين الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي كحركة مقاومة وتحرر. وفي الوقت الذي كشفت فيه الجهود الإسرائيلية عن الجانب القبيح للاحتلال، تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة، التي نشرها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في 13 ديسمبر 2023، تصاعد شعبية حركة حماس، وزيادة التأييد لخط المقاومة، مع توجيه غالبية ساحقة للدعوة إلى استقالة عباس
وعلاوة على ذلك، يمكن أن يظهر في حال إجراء استفتاء حول شعبية الفصائل أو الأحزاب في العالم العربي والإسلامي، أن حماس تحقق فوزًا بأغلبية مريحة، محققة مكانة لا تنافسها أي فصيل فلسطيني أو حزب، ولا حتى زعيم عربي أو إسلامي. ويمكن أن يكون “أبوعبيدة” – الذي لا نعرف اسمه أو مظهر وجهه – حاز على تأييد يفوق بكثير العديد من الزعماء والرؤساء الذين يتردد أسماؤهم في وسائل الإعلام بشكل يومي!
وفيما يتعلق بعلاقة حماس بالمجتمع الدولي، هل يمكن أن يكون العالم بلا حماس هو الخيار الأمثل لدعم قضية فلسطين من قِبَل المجتمع الدولي؟
في واقع الأمر، تظهر الدراسة الشاملة لتفاعل العالم مع قضية فلسطين، وتأثيرها على الساحة الدولية، أن ارتفاع نسبة التصويت لصالحها في الأمم المتحدة قد زاد كلما ازدادت الحركة المقاومة والمواجهات مع الاحتلال، وتعزز دور حماس. ومنذ تأسيسها وحتى الآن (1987-2023)، تكشف الأرقام عن هذا الارتباط المتزايد.
عندما يسود تيار التسوية وتهدأ الأوضاع، ينخفض اهتمام المجتمع الدولي والدعم، ما يفتح الباب أمام المزيد من الاستيطان والتهويد من قِبَل الجانب الإسرائيلي. ويستغل الاحتلال هذا لتنفيذ تصوراته التي تحرم الشعب الفلسطيني من حقوقه وتقوض مقدساته. ويشير الباحثون، منهم د. وليد عبد الحي، إلى هذه الظاهرة وتداولها.
فيما يخص الاتهامات التي تواجه حماس بـ”الإرهاب”، يختلف الرأي بين الدول الغربية والشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين. بينما تُلقب بالإرهاب في بعض الدول الغربية، تُرى في أوساط الشعب والعرب والمسلمين على أنها حركة إسلامية معتدلة مفتوحة، تسعى لتحقيق التحرير ومواجهة إرهاب الصهاينة وإنهاء الاحتلال.
في محاولة لتقويض حماس، يتعين أن يكون الاهتمام بفكرة التحرير وحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ومقدساته فوق كل اعتبار. الاتهامات بالإرهاب تظل أداة لمنع المقاومة الشرعية ضد الاحتلال، ولا تلغي الحق في تقرير مصير الشعب.
لتحقيق عالم بلا استعمار، يجب أن يتوجه الجهد العالمي إلى الضغط على “إسرائيل” لوقف انتهاكاتها والعمل على إنهاء الاحتلال. يجب التركيز على احترام إرادة الشعوب والتحرك نحو حلول تعزز العدالة وتسهم في تحرير فلسطين.