ما أخذ بالقوة لا يستعاد بالحوار
عمار القعطبي
ما أُخذ بالقوة لا يسترد بالحوار.. عبارة قالها الزعيم العربي جمال عبد الناصر قبل أكثر من نصف قرن وسجلها التاريخ حقيقة أكدتها أحداثه ووقائعه سواء تلك المتعلقة بالصراع العربي الفلسطيني أو في مايخص مسار المواجهة بين الجمهورية والمشروع الإمامي في اليمن ،والتي اندلعت أول مواجهاتها العسكرية قبل ما يقرب من عقدين وإلى آلان لم تخمد نارها بعد ، تلك المواجهة لم يكن حسمها لصالح الجمهورية بالأمر الصعب ، فجماعة مسلحة في مهدها لا تتطلب مهمة القضاء عليها أكثر من أرادة قوية وإيمان وطني خالص ولواء من الجيش تُكلفه القيادة بإطفاء جذوة الفتنة وإعادة الأمور إلى نصابها بتحقيق السلام وفرض سيادة الدولة الكاملة وتجنيب البلاد كارثة الانزلاق في الفوضى وتمدد المواجهة . غير أن ما كان ينغبي حدوثه لم يحدث ، وقبل أن يتمكن الجيش من استعادة المناطق التي سقطت بأيدي الجماعة ، تلقى أمراً من القيادة بوقف التقدم تمهيداً للدخول في حوار استجابت له الدولة تحت ضغوط سياسية دولية ومحلية ، وهي خطيئة كان يمكن أن يتجاوزها التاريخ ، كما كان بالإمكان تجنب تبعاتها لو أنها لم تكن فاتحة لسلسلة من الخطايا ذاتها.
ذلك الحوار الذي به أخذ الصراع شكلاً آخراً ظهرت فيه الدولة كطرفٍ سياسي مقابل طرف سياسي آخر تمثله الجماعة المتمردة ، وحين كان من المفترض أن تثمر نتائج الحوار عن استعادة المناطق التي سيطرت عليها الجماعة ونزع السلاح من يدها ومن ثم تطبيع الأوضاع وإعادة إعمار ما دمرته الحرب باعتبار ماتم التوقيع عليه ،إلا أن ما تم التوافق عليه بقي حبراً على ورق. وما أرادته الجماعة هو ما حدث في الواقع بالفعل ، إذ تنصلت الجماعة عن الاتفاق ومضت في إعادة ترتيب أوراقها ومن ثم معاودة انشطتها الفكرية والعسكرية ،ما اضطر الدولة للدخول في مواجهة اخرى ، لم تستفد الدولة من تجربتها السابقة مع الجماعة الغادرة ومضت تتنقل معها من جولة مواجهة إلى أخرى عبر مبادرات حوار تصاغُ للتوقيع
وتُحالُ قبل النتفيذ إلى جوارير العدم مرة تلو اخرى.. وهكذا ظلت الجماعة عقب كل اتفاق تنصلت عنه تسحب البساط الجعرافي من تحت أقدام الدولة وتنمي قواها العكسرية وتوسس علاقاتها مع الخارج الطامع وتعمل مع قيادات في الدولة مرتبطة بها فكرياً وايديولوجياً على مشروع اسقاط الدولة والجمهورية.
تجاهل الدولة للدروس التي كان عليها الاسفادة منها لتصحيح مسار تعاملها مع المسألة ،مكن الجماعة المتمردة من إدارة المعركة بسهولة ، وشل يد الدولة وأربك حساباتها فعجزت عن التعاطي بفعالية مع ما يجري ، بضع سنوات من جوالات مواجهات لا تُحسم وحوارات واتفاقات لم تلتزم بها الجماعة كانت كافية لوصولها مليشياتها إلى العاصمة واسقاط الدولة والجمهورية .
سقطت مؤسسات الدولة وانتقل الصراع إلى مربع هو المربع الأكثر خطورة على اليمنيين ويستلزم منهم الإدراك بأن لا خيار عن حسمه لصالح جمهوريتهم كهدفٍ يرتبط مصيرهم الوجودي بتحقيقه ، وذلك يستوجب منهم الاستفادة من الأخطاء السابقة وتجنب الوقوع فيها ومواصلة الكفاح من منطلق أن ما أُخذ بالقوة لا يمكن أن يُستعادُ بالحوار.