السعودية من سياسة الحرب إلى السلام .. هل تنجح؟
بقلم: ماجد عبدالله الناصري
كل من يرى التغيرات التي تشهدها المنطقة سيدرك أن السعودية بدأت تصحح أخطائها، وتتخلى عن سياساتها التقليدية، وبدأت تتعامل مع دول المنطقة من منطلق الأخ الأكبر الذي يجب أن يحافظ على أمن وسلامة من حوله حتى يكون أقوى وأكثر تماسكا.
التغيرات المفاجئة بالمنطقة تدل على الوعي السياسي الذي وصلت إليه السعودية، كون تجربة الحروب والنزاعات لم تكن مجدية بقدر ما كانت محل ابتزاز لدول أخرى لاعبة في المنطقة، وكان التصالح مع إيران وحل الأزمة اليمنية واحتضان سوريا هو السبيل الأمثل لقطع دابر الغطرسة والابتزاز الذي تتعرض له، فالسعودية قوة إقتصادية باتت تؤثر على اقتصادات دول عظمى منها أمريكا، وهي أساسا ليست بحاجة لمثل هذه الصراعات من حولها لأجل خدمة قضايا النظام العالمي الذي بات يتخبط بزرع حروبا ومعارك على مقربة من منافسيه لإلهائهم عما هو فيه، كالحرب الروسية الأوكرانية وابتزاز الصين في تايوان وغيره.
لقد أدركت السعودية أنها كانت جزء من هذه الخطة المرسومة، وأبت أن تكون تابعا كليا لواشنطن، وبدأت تدريجيا بالتمرد والاستقلال بقراراتها واتخذت طرقا أكثر براغماتية ونفعية شبيهة إلى حد ما بسياسات تركيا، وكانت الرياض جريئة عندما قبلت الوساطة الصينية، التي أظهرت الفرق بين من يزرعون الحروب للتكسب من خلالها ومن يسعى من أجل السلام، وكانت هذه بمثابة ورقة رابحة للتنين الصيني ورد فعل قوي على واشنطن التي تحاول جر الصين إلى حربها في تايوان.
من الغباء أن يظن البعض أن السعودية قد خضعت لمطالب إيران، فالمنطق يقول إن الصين هي التي أخضعت إيران للسعودية من أجل استمالتها إلى جانبها، التنين عرف مربط الفرس لأن السعودية حليف قوي للاقتصاد الأمريكي، والحرب لمن لا يعرف هي حرب اقتصادية بحتة، والتقارب هذا بدأ عندما عزمت السعودية على بيع صادراتها من النفط باليوان الصيني، كما أن السعودية بحاجة للسلام، وإيران أيضا بحاجة للسعودية فاقتصادها بات يتدهور يوما بعد يوم بفعل العقوبات والدعم الذي يغذي ميليشياتها في المنطقة، إضافة إلى أن الشارع الإيراني أصبح يبحث عن مبرر لاقتلاع النظام الراديكالي المتطرف الذي جلب لهم الفقر وقوض حرياتهم.
التغير السعودي هو جزء من التغير العالمي الماثل بصعود الصين مع التعثر المبدئي للسياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وكان تخلي الأخيرة عن معظم حلفائها -مثال أفغانستان- بداية لهذا التعثر الذي زرع في نفسية الحلفاء الآخرين حالة من اليأس وعدم الثقة بحليف يترك مناصريه لقمة سهلة لمن كان يحاربهم، إضافة للسياسة الخاطئة لأمريكا، فإيران تتنامى بالمنطقة العربية بسبب سياسات أمريكا التي باتت مكروهة لدى الغالبية، وبسبب إسرائيل التي اتخذتها طهران شماعة لوجودها في المنطقة، زاعمة أنها تحارب الصهيونية.
فكرة التطبيع مع اسرائيل كانت الورقة الرابحة التي تقدمها واشنطن لطهران، فهي بذلك تقدم أدلة واقعية للشعوب العربية أن إيران هي قائدة المسلمين والمنقذ ممن يعتبرونهم عدوا -اسرائيل- في حين أن السعودية التي تمتلك أقدس الأماكن للمسلمين، ليست سوى أداة طيعة لما يعتبرونه العرب والمسلمين عدوا، وكل هذه التصرفات ليست من أجل إيران أو أن هناك تحالفا خفيا بين طهران وواشنطن، لكن واشنطن ترى أن من مصلحتها إبقاء المنطقة مشتعلة بالحروب طالما أنها تخدم مصالحها وتخضع المصدر العالمي للنفط -السعودية- لها وحسب، لكن الرياض قلبت الطاولة وصارت تتصرف وفقا لمصالحها، فهي مستعدة للتصالح حتى مع أعداء أمريكا بحرص شديد دون التأثير على علاقتها مع واشنطن، لأنه لا يمكن أن نجزم بأن أمريكا انتهت، أمريكا ستبقى قوية إلم تكن كحاكم عالمي فستكون قطب موازي عالمي قوي، ولا يمكن أن تستغني السعودية عنها، سيكون ذلك من الغباء.
ختاما أرى تحالفا عربيا سينقل المنطقة من حالة الحرب والصراع إلى السلام والاستقرار، إذا نجحت السعودية بذلك فستكون القائد الأمثل للمنطقة وسيلتف حولها الأشقاء وتتهافت إليها الأقطاب المتصارعة على تزعم النظام العالمي، نحن أمام مرحلة حاسمة قد تنتهي بوجود قطبين متوازيين وهذا يخدم الشعوب أكثر مما يضرها.