رغيفه يابسة تأكل نفسها!
شعيب الأحمدي
كانت الساعة الخامسة والنصف مساءً قبل الغروب، شارع جمال يكتظ بصور الفراق، وباصات المهاجرين ملئ بنازحين الحبيبات، كانت غيمة بيضاء في العشرين ربيعًا تقعُد في نافذة ما قبل الأخير من المقاعد، اغمضت عيني كي لا أرها، لكني لمحتها-تحت عيني- عابرة في نافذتها بعينان مثقلتان بالدموع، كانت تنوح بيديها يمينًا وشمالًا في وجهها، أنظر إلى نافذة الباص الزرقاء كالسماء، هناك بين الغيم الممطرة، تتمزق صورتي بدمعها الأحمر، تراني إني ذلك السائل الممزوج على زجاج نافذتها الضيقة.
توقف أيها الليل إنَّ طرقات النهار الضيقة، متعبة للعابرين، أكمل الحديث إني أريدُ أن التهمُ معك كل شيء يؤلمك قطرةً، قطرة:
-لا شيء يؤلمني سوئ انفاسي، وقهري، وتعز.
آه لا بأس أنظر انها ليلة مقمرة، والنجوم ساجية على صبر اليوم، يا لروعة مكان القاهرة، تحدث الجو سيتلطُف معك، ليس الجو باردٍ لكنهُ يُنسيك واقعك، ويعيد زمام ذكريات الحكايات القديمة:
-أعلمُ تريدُ أن تسألني عني!
-إني لا اعلمْ كيف أبدو الآن،، أمي لم تحدثني منذ فترة، ولم أزرّ مستشفى الأمراض النفسية منذ مدة طويلة، لذلك أبدو ارتجف كثيرًا من الحديث، إني ضائعٍ دونها، كرغيفه يابسة تأكل نفسها من الداخل.
منذ أن زرتُ مستشفى الأطراف الصناعية في غرب المدينة خرجتُ أرتدٍ في مخيلتي الكثير من قصاص الأطفال المبتورة اقادمهم من الحرب تأمل إليَّ:
-ما أن تولي وجهك شطر الجهة اليسرى، تجد طفلًا في الثامنة زهرة يقفُ شامخ القوام على عكاز ورجل صناعية، يلعب الكرة، وفي الشطر الثاني طفلًا آخر بيد بلاستيكية يلعب الطائرة ويضحكون كثيرًا، اصواتهم تزعج الأطباء،
أليس في تعز عبره!
منذ أن غادرتني غيمة الصيف، دخل الشتاء وأتٍ يحمل رياح صاخبة صنعت في صدري نوبه بكاء صامت، دون دمع، حينها مررتُ في الشارع القديم، هناك طفلة فاتنة الجمال يتيمة الحرب أيضًا، تربطُ على بطنها حجرٍ-جائعٍ مثلي- مقطوف من بقايا المنازل المعلقة من القصف.