السلالة الهادوية والجنس المقدس
د. ثابت الأحمدي
إلى جانب كون تحريم زواج غير الفاطمي من فاطمية استعلاء سُلاليا، هو في نظرهم أيضًا عقيدة دينية، من خالفها استحق العقوبة، والعقوبة هنا القتل..!
وتخيل أنك تُقتل تعزيرًا، لأنك اجترأت على الزواج من فاطمية..!
من فاطمة هذه؟!!
خلق من خلق الله، لم تضف للحياة الإنسانية شيئا يُذكر..!
ونستعرضُ هنا بعض الفتاوى من كتب الهادوية الكهنوتية، موثقين ذلك بالكتاب والصفحة، بعد أن اتهمنا البعض بالمبالغة فيما كتبناه عنهم في حلقة سابقة في ذات الموضوع. نقول:
يُحرّم الإمام الحسين بن القاسم العياني 376ــ 404هـ: زواج الفاطمي من غير الفاطمية، والهاشمي من غير الهاشمية، والقرشي من غير القرشية، مقررا بالقول: “.. فمن أحل ذلك بعد علمه بتحريمه، أو قال ذلك حلال مع تعظيمه رأيت قتله في حكم الله واجبا، وفرضا من الله مؤكدا لازبا”. انظر كتاب: من مجموع كتب ورسائل الإمام العياني، تحقيق: عبدالكريم أحمد جدبان، مركز التراث والبحوث اليمني، ص: 384
مضيفا: “.. رحم الله عبدا عرف أصله، ثم طلب من النسوان من كان مثله.. ومن لم يزدجر من أولئك بآدابنا وكلامنا فسنرده إلى الحق بحد سيوفنا ورماحنا.. فمن قبل ما أمرنا به من حكم القرآن وإلا قتلته بحد السيف والمران، والله حسبنا وعليه التكلان”. نفس الكتاب، ص: 385
وفي ذات المسألة يقول عبدالله بن حمزة: “وأولاد فاطمة أكفاء ولا يُنكح منهم سواهم، لأن أزواج النبي صلى الله عليه وآله حُرّمن على الأزواج بعده، لشرفهن بملامسته، فلأن تحرم ملامسة بنات ابنته أولى وأحرى؛ لأن حرمتهن أشد، وشرفهن أعظم، لأنهن بعضٌ منه صلى الله عليه وآله، وما وقع من إنكاح كثير منهن للصحابة ومن بعدهم فلأمور عارضة تبيح المحظورات، كما في سائر ما يحصل من تناول مال الغير والميتة، وقتل المتترس به من أولاد المسلمين في الحرب خيفة فوات الكافرين والفاسقين، وما أشبه. انظر: المهذب في فتاوى الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، جمع وتهذيب محمد بن أسعد المرادي، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية، ط:1، 2001م. 151.
ويقول العنسي في كتابه “التاج المذهب لأحكام المذهب”: “والعرب أكفاء بعضها لبعض، وليسوا أكفاء لقريش، وقريش أكفاء إلا لبني هاشم، وبنو هاشم أكفاء إلا للفاطميين”. انظر التاج المذهب لأحكام المذهب، شرح متن الأزهار في فقه الأئمة الأطهار، القاضي العلامة أحمد بن قاسم العنسي اليماني الصنعاني، دار الحكمة اليمانية، صنعاء، 1993م، 68/2.
لبس ذلك فحسب؛ بل لقد ذكر في أحكام الفسخ في النكاح أن من مبررات الفسخ: “أن ينكشف أن أحدهما غير كفء للآخر في دينه أو نسبه، جاز له أن يفسخه إن لم يكن له علم بذلك”. نفس المصدر، ص: 65/2.
وعمليًا فقد حصلت حالاتُ فسخٍ لهاشميات متزوجات من غير هاشميين اليوم بعد أن انتفش ريشهم وبسطوا نفوذهم.
وقد ذكر الإمام المقبلي في العلم الشامخ أن أحد أئمة الهادوية “اسْتولى على بلدِ إمَامٍ آخر، مُعارضٍ له، فاجتمعَ مع عُلماء دولته، وحَكموا ببطلان عقد الإمَامِ المغلوب على زوجتِه، لأنَّ شُهودَ العقد فَسَقة، لبغيهم على الإمام، أو لغير ذلك، ثم تزوج بزوجته تلك…” انظر: العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ، محمد بن صالح المقبلي، ص: 233.
وبمثل هذا أفتى الإمام المنصور محمد بن يحيى حميدالدين، حيث رد عن سؤال ورد إليه من القاضي علي بن عبدالله الإرياني، فأجاب عليه بقوله: “زانٍ يحد”. وتخيل أنك زانٍ بمجرد نكاحك لهاشمية، أو فاطمية..!
والحقيقة أن ثمة مأزقا كبيرا لهؤلاء القوم إذا ما سألناهم عن جواز زواج أول فاطمي بأول فاطمية، وهما أخوان لا شك، كيف جاز لهما أن يتناكحا حتى يصح شرط الزواج بين الفاطميين؟! وهذا من المحال المستحال.
وفي كتاب مطلع البدور في سياق كلامه عن زواج أحد أبناء القبائل من بيت فاهم: “أن من فعل ذلك وأفتى به استحق القتل إن لم يتب، لأنه استخف برسول الله صلى الله عليه وآله، واستهان” انظر: مطلع البدور ومجمع البحور، القاضي أحمد بن صالح بن أبي الرجال، تحقيق: عبدالرقيب مطهر محمد حجر، مركز أهل البيت للدراسات الإسلامية، صعدة، ط:1، 2004م، ص: 439/4.
بلْ لقد ذهبَ بعضُهم أبعد من ذلك، حين رأى أن الهاشميَّ إذا تزوج من غير هاشميَّة، ومات عنها أو طلقها فإن عَليْها البقاء أرمَلة بعد ذلك، ولا يجوزُ لها أن تبتعل غيرَه أبدًا إلا إذا كان هَاشميًا.!
والواقع أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فحسب؛ بل لقد أفتى بعضهم بأن جنايات وأروش من يسمون أنفسهم آل البيت غير جنايات وأروش العامة من الناس، كما في فتوى “مخطوط” بين أيدينا، ردا على سؤال: ما حكم من لطم شخصًا؟ فرد أحمد حسين جحاف، نائب الشرع في كسمة من أعْمَال ريمة، حسب المصطلح السائد آنذاك: “الجواب، وبالله الصَّواب، في كتاب عبدالله بن العباس ــ رضي الله عنه ــ في تقدير الجنايات في اللطم باليد، إنْ لطم إنسَانا بيده، ففي الملطام خمسة وعشرون مثقالا، وبالطّرّاش “الحذاء” يُثقل بخمسين مثقالا وعمَامة وقميصًا وكسوة كامِلة، لأن فيه بشَاعة عظيمَة وهتك امرئ في الإِسْلام كقتله، هَذا إن كان من أبناء النَّاس، ومثله لا يُهتك ولا يُحبس، فإن كان ليس من أبناء النَّاس فلا يُقدر هَذا التقدير، وقَدْ يُقدر تقديرا غير هذا، بالسوط يُجلد أربعين جَلدة، عَدد كل أصبع عشرة أسْواط، والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم”.
ولا ندري كيف يستسيغ هؤلاء القوم الكيل بمكيالين: كيل لأبناء الناس من العامة، وكيل لهم وحدهم كسلاليين..!!
الآن. وبعد أن أسفر الصبح لذي عينين، هل من قول يصح لاتهامنا بالمبالغة فيما ذهبنا إليه؟! هذه بضاعتكم بين أيديكم، وما شهدنا إلا بما وجدناه أمام أعيننا. والله المستعان.