صورة إب.. ما خفي منها وما ظهر
د. ثابت الأحمدي
من نافلة القول الإشارة إلى أن علم النفس حاضر في كل تفاصيل حياتنا الخاصة والعامة، الخفية والظاهرة. وما مِن سلوك أو حتى حركة إلا ولها أصل نفسي، مرتبط بدافع ما ” The driver”.
كان تفسير السلوك يتم بصورة عامة سابقا قبل أن تتبلور المدارس النفسية الحديثة التي يتم تفسير السلوك على ضوئها، وفي الجملة فهذه المدارس لا تعدو أن تكون طرائق للوصول إلى الهدف الواحد. وهذه المدارس:
1ــ المدرسة السلوكية، ورائدها واطسون، التي تفسر السلوك على أساس الفعل المنعكس “reaction”، “المثير، والاستجابة”.
2ــ نظرية الغرائز، ورائدها “وليم جيمس” ثم تلميذه الذي فاقه شهرة بعد ذلك “ماكدوجل”، وإلى جانبهما ثورنديك، وهؤلاء يرون أن الغرائز هي الدافع النفسي للسلوك. وثمة كلام طويل حول الغرائز وعددها واختصاراتها، ليس هنا مجال تفصيلها.
3ــ نظرية التحليل النفسي، وإمام هذه المدرسة سيجموند فرويد، وتقرر أن السلوك الإنساني ناتج عن حاجيات البدن التي تتأتى عما يجري في أعضاء الجسم وأجزائه. وتبعه من بعده تلميذه الأشهر كارل يونج. وهذه المدرسة ربطت بصورة مباشرة بين الطب النفسي والطب العضوي.
هذا مدخل مقتضب للحديث عن قراءة هذه الصورة من وجهة نظر نفسية.
وعودة إلى الصورة.
أولا قراءة الصورة كليا
الصورة تمت علنا في مكان عام، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، ربما العشرات الذين لم تستطع عدسة الكاميرا التقاطهم جميعا. وجميعهم بلا استثناء ــ يحمل قليلا من الرضا عن الفعل. هذا الكلام قد يبدو صادما للبعض؛ لكنها الحقيقة؛ إذ لو كان هذا “المسخ” يعرف أن فعله هذا مرفوض كليا لما تجرأ مطلقا على هذا الفعل. أبدا، كما لم يتجرأ أي شخص على الاعتداء على أي امرأة في مكان عام، لأنه يعرف سلفا ردة فعل المجتمع، حتى لو كان مختل العقل؛ لأن حساسية المجتمع المحافظ تجاه المرأة عالٍ وقوي.
صحيح أن أحدهم يبدو ممتعظا مما يجري، كما تشي إلى ذلك ملامح وجهه وحركة يده؛ لكن هذا الامتعاض دليل كرامة منقوصة لدى الشخص نفسه، لأن فعلا كهذا يستدعي التدخل المباشر، “تغيير المنكر باليد”، لا مجرد النصيحة، أو الامتعاض.
ثانيا: قراءة الفعل نفسه
هذا الفعل ليس عديم الصلة بأفعال أخرى قبله مشابهة، وربما أبشع. بمعنى أن هذا الشخص قد مارسَ أفعالا أخرى على شاكلته، سرية أو حتى علنية لم يُكتب لها الانتشار؛ لأن هذا الفعل يُصنف ضمن أعلى البشاعات الإنسانية، ومن المؤكد أنه قد تدرج في أفعال بشعة قبلها، وهو الآن يواصل قبحه علنا لا أكثر.
ثانيا: يُسمى هذا الشخص “ساديا” نسبة إلى “ماركيز دي سادا”، والسادية: “اللذة بإيقاع الألم على الآخرين، سواء كان لفظيًا أو جسديًا، فالشخص السادي هو شخص متسلط، عديم الرحمة، عديم المسامحة لمن أخطأ بحقه بقصد أو دون قصد، يسعى بكل الطرق لتحقير وإهانة وإذلال الآخرين، وسحق آدميتهم، وجرح كرامتهم، ويتلذذ بذلك، ولا يشعر بالذنب عند ارتكابه الأخطاء أبدًا”. والشخصية السادية تصنف بأنها تعاني “وسواسا قهريا”، أي أنه مرض نفسي، في أقوى درجات المرض النفسي “العصاب القهري”، هو مرشح كذلك لـ “الذهان العقلي”. وحق هذا الشخص المصحة النفسية فورا، والخضوع للعلاج النفسي والعضوي معا.
المريض بالوسواس القهري يمارس جريمة تفتقر لما يسمى “اللذة الخارجية”، أي وهْمُ التذاذٍ لا أكثر. اللص مجرم لا شك، لكنه يمارس فعلا إجراميا يستلذ به، كالمال الذي يتلصصه. هذا تقرير علم النفس أما علماء القانون الجنائي فلهم مصطلحاتهم الأخرى التي يسمونها: الجريمة الإيجابية، والجريمة السلبية.
ثالثا: ملامح “المسخ” تشي بنوع من الاطمئنان التام، وأيضا الاستمتاع الكامل بالجريمة البشعة. وهذا ما يعكس شخصية “إجرامية” متمرسة في الفعل الإجرامي، بمعنى أنه لو حدث عراكٌ ما بين الطرفين واستطاع طرف ما الإيقاع بخصمه وطرحه أرضا ثم الدوس على وجهه كهذا ففي الأمر منطق، يقرره مبدأ: “بدء الصرع يستدعي الصراعا”، أو “البادئ أظلم”. وهذا النوع من المجرمين يسمى “المجرم بالعاطفة”؛ أما ارتكاب فعل بشع بلا “إثارة خارجية” وفقا لـ “لومبروزو”، مع الاستلذاذ بالجريمة، فهذا يكشف شخصية إجرامية متأصلة في إجرامها، ويسمى هذا النوع من المجرمين: “المجرم بالفطرة”، والمجرم بالفطرة يولد ولديه ميول فطرية ولدت معه لممارسة الجريمة. وإلى جانب هؤلاء أيضا هناك المجرم بالعادة، والمجرم السيكوباتي.. إلخ.
رابعا: هذا المسخ منزوع الإنسانية تماما، منزوع “الخيرية” إذا ما استعرنا المصطلح الديني؛ لأن لدينا شخصيتين تمارسان القبح. شخصية تمارسه مع تستر، وهذا فيه بقية من خير مهما بلغ حجم القبح الذي يمارسه، أي من الممكن استعادة شخصيته السوية فيه، وشخصية تمارسه علنا، وهذا لم يعد فيه مثقال ذرة من خير؛ أما هذا فقد مارسه علنا مع الاستلذاذ أيضا. وحالته النفسية معقدة في التشافي النفسي.
أخيرا.. هذه حالة ظاهرة من مئات الحالات المتخفية، وهي نتيجة قبح نفسي فردي واجتماعي، تأصّل في النفوس أولا، ثم انتقل إلى السلوك العملي ثانيا، ثم إلى السكوت المجتمعي ثالثا. وكل قبح ظاهر، هو انعكاس لقبح باطن.