سبتمبر التحدي والمسؤولية
دمت يا سبتمبر التحرير يا درب النضال….
هكذا يتغنّى اليمنيون جميعا بأعياد الثورة، كلما اقترب تاريخ السادس والعشرين من سبتمر، وهذا أمر في غاية الأهمية، خصوصا في ظل ماتكابده اليمن اليوم من ويلات.
لقد جثم ظلام الواحد والعشرين من سبتمبر على صدر البلاد ، معلنا بداية خريف قد يطول كثيرا، وبدأ معه سقوط اﻷوراق ….
لا يعرف السبتمبريون أننا في خريف منذ سنوات.
سقطت أوراق كثيرة لكن أحدا لم ينتبه، أو أن الجميع أخذ في المكابرة، ولعل عددا قليلا قد حاول التنبيه لكن، لاكرامة لنبي في قومه -كما يقال- ، وهكذا تمر السنوات إما يأسا قد تسلل إلى سطور الذاكرة، أو انتظارا خاملا لربيع لم يأت بعد…
وشتان بين خريف متجذر وربيع تركناه وحيدا يلملم زهر شبابه خوف الذبول…!
تعبنا تحليلات سياسية.. تعبنا تنظيرات … أتعبتنا نشرات اﻷخبار.. أنهكنا التشرذم والانقسام وتغليب المصالح الذاتية على مصلحة اليمن ، تعبنا من الاتهامات المتبادلة بالتخوين والارتزاق ، حتى التوقعات باتت تخيفنا أكثر وهي تنذر بأحداث كبيرة وتغييرات شديدة في المنطقة العربية…!
توقعات سوداوية وتشاؤم مطبق، وكأن التنبؤات كلها محتوم عليها أن تكون مقيتة…!
حالة الخريف السبتمبري التي يمر بها اليمن منذ سنوات، أفسدت حرمة الموت قبل تفاصيل الحياة، شلّت التفكير من جماجم المثقفين والمفكرين، لنجد كثيرا منهم، في صف الإمامة الجديدة أو بالأصح الإمامة التي لم تغرب أساسا..!
أفسدت التعليم، بل حوّلته إلى جهل مقدس..
افسدت منظومة الأخلاق والقيم، إذ حولت العلاقات الاجتماعية إلى سيد وعبد، مشرفين وتابعين، واختفت تدريجيا روح الرفض ومقاومة الظلم، وكأن القدر فرض على اليمنيين أقسى الخيارات..!
أفسدت اقتصاد البلاد، بل دمرته، وحولته إلى جيوب القتلة القادمين من كهف السلالة ومن غبار التاريخ، بعد أن نخروا في صف الجمهورية منذ فجرها الأول.
أفسدت كل ما مرت عليه، ولعل أسوأ الفساد هو ما أحدثته في نسيج المجتمع اليمني، الذي تمزق أشلاء ، أفقدت الجميع شعور الأمن وراحة البال، لدرجة وصل فيها حلم اليمنيين إلى الدرك الأسفل من الخنوع، حيث صار الحصول على سلة غذائية أشبه مايكون بليلة القدر..!
إن الذين يقفون اليوم مع الحوثي من البسطاء والسياسيين والاعلاميين والمثقفين والنخبويين في العلن وفي الباطن وهم ليسوا من أنصاره، بل ربما مختلفون جذريا معه في الفكر والطائفة والقناعات، إنما يقفون معه فقط، لأنه يقف بوجه التحالف العربي وذلك لأن الشرعية لم تقنعهم أبدا، بأنها مع اليمن وسيادته ، وكثيرا ما قيل إن الشرعية تنفذ ما يُملى عليها ، وكثير من الذين تحتضنهم الرياض يكنون لها كرها عميقا ونميمة كبيرة في المجالس الخاصة لكن ربما الرصيد البنكي ووعود المناصب هي ما تسكتهم ولم تكن مصلحة الوطن يوما ما سببا لسكوت أحد.
لم يكن لهذا الطاعون الحوثي أن ينتشر لولا فشل الإعلام الرسمي في أداء واجبه الوطني، خصوصا وهو يمثّل الشرعية التي خذلت الجميع، والأدهى والأمر أن ملايين الدولارات تصرف على آلة الإعلام بكل فشلها وغيابها الفاضح،ليس هذا فقط بل إن الكتّاب والمثقفين مساهمون بشكل مباشر في كل هذه الهزائم المتلاحقة التي مازالت تلحق باليمن، صمتهم تواطؤ، تراجعهم خيانة، ويأسهم كفر بمبادئ الثورة وأهدافها.
ومما يثير الدهشة والريبة معا، هو عجز وفشل الحرب عسكريا في إنهاء الانقلاب الحوثي، وكأنها ماجاءت إلا لتثبيت أركان المليشيا الحوثية وفرض سيطرتها على البلاد خصوصا الشمال وشمال الشمال، وبمباركة دولية، ومن تداعيات فشل الحرب عسكريا أيضا تقسيم اليمن وإن بشكل غير رسمي.
لقد مرّت مصر بنفس ظروف اليمن لكن لم نسمع أن قادتها من سياسيين وعسكريين واعلاميين وكتّاب وصحفيين وشعب ارتزقوا او سلموا مصر تتحكم بها دول المنطقة،وفي ذات الوقت هب الأشقاء العرب لنجدتها بكل السبل خصوصا في الجانب الاقتصادي، ولم يقتربوا ابدا من المساس بسيادتها .
تعرضت الأردن كذلك لكثير من الهزات السياسية وتهديدات وصلت لعمق القصر الملكي ومحاولات للعزف على نغمة أردني فلسطيني ، مسيحي ومسلم، وباءت جميعها بالفشل، لأن الشعب على اختلاف منابته ومذاهبه بل واختلاف الدين، إلا أنه يعي أن الأردن هو الوطن والملاذ، كذلك قادة الحكم لم يرتزقوا لأي دولة ولم يسمحوا لاي دولة بالتدخل فيها..
تونس أيضا ، مرت بذات ظروف اليمن ولم نسمع ان قادتها سلموا تونس لأطماع اي دولة..
أما اليمن فقد انقسمت أحزابها وساستها وقادة الرأي فيها وإعلاميوها وكتّابها وصحفيوها ، بولاءاتٍ خارجية متعددة ، كلٌّ يطعن الآخر ويخوّنه ويشكّك في نواياه وأفعاله، كل ذلك ليس من أجل اليمن بل من أجل مصالح أضيق من خرم إبرة..
أخيرا، ليس بالضرورة أن يكون الخريف سقوطا أو تساقطا أبديا ، للحياة دورتها وللزمن دورانه، وليس بالضرورة أن يكون الربيع بالأغاني التي تظهر في المناسبات وكانها مجرد إسقاط الواجب ..
بين هذا وذاك ليس بوسعنا الاحتفال وسبتمبر نفسه مختطف، ولامجال لدفن رؤوسنا في الرمال، فقد غرق التاريخ كله في رمال متحركة، تبتلع البلاد والعباد، لصالح مشروع فارسي في المنطقة العربية، ولن ينفع بعدها الندم ولن يغفر التاريخ للجميع، فقد قامت القيامة خضراء بلون الموت الحوثي الذي يسوق اليمنيين إليه كرها وطواعية.