تُعتبر الرياضة أداة معترفاً بها لتحقيق التنمية والسلام، لأنها تتخطى الحدود الجغرافية والاختلافات الاجتماعية، وهي تعزز الإدماج الاجتماعي والتنمية الاقتصادية في سياقات جغرافية وثقافية مختلفة. وفي ظل التنافس الشديد الذي تشهده البيئة الرياضية اليوم، يتدافع الرياضيون وأفراد الأطقم المعاونة لهم (مدرب، طبيب، معالج فيزيائي، إداري) تحت ضغوط متزايدة للقيام بما يلزم لتحقيق الفوز. ونتيجة لذلك يزداد إنتشار استخدام المواد والوسائل التي تساعد على تحسين الأداء في مجال الرياضة يوماً بعد يوم. ولا تقتصر هذه الظاهرة على كبار الرياضيين فحسب، بل تشمل أيضاً الشباب والهواة المتحمسين للرياضة. حيث يقبل البعض من الرياضيين و رواد النوادي الرياضية على المنشطات الرياضية بهدف زيادة قدرتهم على التحمل أو بناء كتلتهم العضلية بسرعة اكبر، معرضين انفسهم بذلك لمخاطر و أعراض هذه العقاقير او المنشطات الجانبية من جهة، و للمسائلة القانونية والعقوبات الدولية من جهةً أخرى. و الكثير ممن يتعاطون المنشطات قد لا يعلمون ما هي هذه المواد و ما هو ضررها و يعتمدون بذلك على رأي او نصيحة من أشخاص آخرين.
تاريخ المنشطات:
بدايةً سنعود بالتاريخ مئات السنين، لنجد أن آفة المنشطات لطالما ارتبطت بالمنافسات الرياضية، وقد استعملت المنبهات قديماً على الحيوانات ، ومن الأمثلة على ذلك سباقات الكلاب والخيول التي كانت تقام في تلك العصور السالفة. فكانت الخيول وكلاب السباق تُعطى بعض المواد والأعشاب الطبية التي تحفز نشاطها قبيل بدء السباقات، قبل أن تنتقل تلك العادة إلى البشر، حيث أكدت الدراسات أن معظم أبطال الألعاب الأولمبية القديمة كانوا يتعاطون صنفاً من الأعشاب والمواد الطبية المختلفة التي تساعد على تحسين أدائهم فقد استخدمت المنشطات في السباقات الأولمبية في نهاية القرن الثالث واستخدم متسابقو الدراجات في فرنسا خليطاً طبياً يعتمد على مستحضرات (الكوفايين).
واستخدم الرياضيون البلجكيون قطع السكر بعد أن صبوا على الاتيل و آخرون استعملوا الكحول و في سنة 1882م كانت أول حادثة حيث توفي اللاعب الانجليزي لينيتـون بسبب تعاطيه كمية كبيرة من خليط من الهيرووين و الكوكايين من خلال سباقات الدرجات لمسافة 200م وظهرت كلمة المنشطات (Doping) في القاموس الإنجليزي سنة 1889م كمادة طبية لخليط الأليوم المخدر. في عام 1935م تم تصنيع التستوستيرون لأول مرة في ألمانيا وكان يستخدم بطريقة طبية لعلاج الاكتئاب، بدأ لاعب رياضي محترف في الأولمبياد عام 1954م في إساءة استخدام الستيرويدات البنائية خلال الأولمبياد، مثل إعطاء رافعي الأثقال الروس هرمون التستوستيرون.
وفي سنة 1952م بدأت مقاومة استخدام المنشطات في إيطاليا بعقد سلسلة من الندوات العلمية حتى عـام 1961م الذي شهد تأسيس أول مختبر علمي لاكتشاف استخدام الرياضيين للمنشطات بمدينة فلورنسا الإيطالية ثم في 1963م عقد بفرنسا أول مؤتمر أوروبي لبحث سبل مقاومة المنشطات والذي تكلل بإصدار قانون لمعاقبة مستخدمي المنشطات وقد صدر فعلاً هذا القانون عام 1964م.
وقد كانت الدورة الاولمبية الشتوية العاشرة عام 1968م بفرنسا هي أول دورة يتم فيها تطبيق نظام فحص و ضبط مستخدمي المنشطات.وفي دورة ميونخ الاولمبية 1972م كشف على 2078 لاعب و لاعبة استبعد منهم سبعة لاعبين لثبوت تعاطيهم المنشطات. وفي دورة منتريال الاولمبية 1976م كشف على 2001 لاعب و لاعبة استبعد منهم سبعة لثبوت تعاطيهم المنشطات.وفي دورة مـوسكو الاولمبية: 1980م كشف على 1667 لم يستبعد أحدا منهم. ومن أشهر قضايا العصر الحالي هي فضيحة المنشطات التي أدت لإيقاف الاتحاد الروسي لألعاب القوى عن المنافسة في أولمبياد ريو دي جانيرو. ومن ثم حظر الرياضيين الروس من خوض معظم السباقات في منافسة ريو 2016، ولم يُسمح بالمشاركة إلا لأولئك الذين تمكنوا من إثبات أنهم نظيفون في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2018 في بيونغتشانغ والألعاب الأولمبية طوكيو 2020 تحت علم محايد.
المنشطات وإضراهاه :
تعرف المنشطات بأنها كل مادة أو دواء يدخل الجسم وبكميات غير اعتيادية لزيادة نشاط العضلات أو الكفاءة البدنية للحصول على انجاز رياضي بطرق غير مشروعة ويسبب أضرار صحية عند الاستمرار على تعاطيها. وتُعَدّ المنشطات خطيرة جداً، حيثُ أنها أدت إلى وفاة العديد من اللاعبين العالميّين. والمنشطات هي المواد التي نصَّت عليها قائمة الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات، وإذا أردنا أن نلقي نظرة على أنواع المواد المنشطة المحظورة والوسائل المحظورة وهي مدرجة في “قائمة المحظورات” ويتم تحديثها مرة على الأقل في كل عام (1 يناير) ويمكن التحقق من أحدث قائمة بموقع الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات فسنجد أنها تُقسم كالتالي:
1. العقاقير المحفزة للجهاز العصبي والعضلي: ومنها أنواع الهرمونات البناءة كالتستوستيرون والأندروستينيدون والإرثروبيوتين وهرمونات النمو، إضافةً إلى المكملات الهرمونية كالكورتيزون والكرياتين، والمنبهات العصبية الموجودة في مشروبات الطاقة.
2. العقاقير المخدرة والمثبطة للجهاز العصبي: وأهمها المورفين والكوكايين والهيرويين والكودايين، والأعشاب المخدرة كالماريجوانا والأفيون والقنب، إضافة الكحوليات بأنواعها.
3. المواد الحاجبة وهي تلك التي تغطي استخدام المنشط أو المخدر: كعقار البروبانسيد ومدرات البول وبعض أنواع المضادات الحيوية والأدوية التي يمكن أن تغير من التكوين الطبيعي للدم أو البول أو اللعاب.
وعادةً ما يتم تعاطي تلك المواد عن طريق التناول الفموي على شكل حبوب أو مساحيق أو مشروبات، أو عن طريق الحقن العضلية أو الوريدية، أو عن طريق الاستنشاق بالأنف.
وفضلًا عن أضرارها الرياضية، باعتبارها نوع من الغش الذي يمس نزاهة الرياضة، ويضر بمبدأ تكافؤ الفرص بين الرياضيين، وحسب وجهة نظر الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات فإن استخدام المنشطات يسقط مبدأ العدالة في المنافسة، ومن الطبيعي أن الرياضة مبدأها: «العقل السليم في الجسم السليم». كما تعتبر المنشطات الرياضية اعتداء على الفطرة الربانية التي فطر الله الناس عليها، وفيها تدمير لصحة الإنسان، وتغيير لطبيعة الجسد،
وينطوي تعاطي المواد المنشطة والمخدرة على الكثير من الأخطار الصحية والنفسية، التي من شأنها تدمير حاضر ومستقبل متعاطيها، بل وإنهاء حياتهم أيضًا، فهي سبب رئيسي من أسباب ظاهرة الموت المفاجئ لدى الرياضيين، نتيجة ما يحدثه تناول جرعات زائدة منها، من اختلال في عمل وظائف القلب والجهاز التنفسي، مما يؤدي إلى توقف القلب الفجائي أو الذبحة الصدرية، كما يمكن أن تكون تلك المواد سببًا في أمراض الكبد والكلى والمعدة، إضافة إلى تأثيرها السلبي على القدرة الجنسية للرجال خاصة. أما على المستوى العصبي والنفسي، فتشكل ظاهرة الإدمان بما تحمله من آثار صحية ونفسية واجتماعية خطيرة، إحدى أهم التبعات التي يسببها تعاطي تلك المواد، فضلًا عن بعض الاضطرابات النفسية والعصبية الأخرى كالاكتئاب والعدوانية والهلوسة والأرق وفقدان السيطرة على الانفعالات والتصرفات. وتزداد نسبة الخطورة كلما ازدادت فترة تعاطي تلك المواد، كما يرتفع مستوى الضرر بالنسبة للمتعاطين من صغار السن، حيث تُضاف أخطار حدوث اضطرابات هرمونية قد تؤدي إلى توقف نمو العظام وظهور علامات الأنوثة لدى الذكور وانتشار البثور الجلدية وحب الشباب. أما لدى النساء فيؤثر تعاطي تلك المواد سلبًا على قدرتهن على الحمل والإنجاب، كما تظهر لديهن بعض صفات الرجال كتزايد شعر الجسم وخشونة الصوت وتقلص حجم الثديين، فضلًا عما تسببه من اضطرابات في الدورة الشهرية.
أمثلة على تعاطي المنشطات:
وإذا أردنا أن نعرف خارطة انتشار هذه الآفة، فما علينا سوى الاطلاع على التقارير السنوية للوكالة الدولية، والتي تُظهر أن رياضات كمال الأجسام وألعاب القوى ورفع الأثقال والدراجات تحتل المراكز الـ4 الأولى في سلم الرياضات الأكثر تسجيلًا لحالات تعاطي المنشطات، والذي يشمل 85 لعبة رياضية بينها كرة القدم تحتل المركز السادس في القائمة. أما على صعيد الدول فلن نستغرب لدى معرفة أن رياضيي روسيا سجلوا أعلى نسبة تعاطي منشطات في السنوات الـ5 الأخيرة، وذلك على خلفية فضيحة المنشطات الروسية عام 2015، والتي أثبتت التحقيقات تورط جهات حكومية روسية في إدارة برنامج ممنهج لتعاطي المنشطات، وقد عوقب العديد منهم بالإيقاف مدى الحياة، فضلًا عن تجريدهم من جميع إنجازاتهم خلال فترة تعاطيهم، كما حُرم أكثر من 100 منهم من المشاركة في أولمبياد ريو الأخير عام 2016.
وبالنسبة للأفراد، من أشهر نجوم الرياضة الذين تورطوا بتعاطي المواد المنشطة المحظورة، فنجد في مقدمتهم أسطورة كرة القدم الأرجنتيني دييغو مارادونا الذي تعاطى المنشطات خلال كأس العالم عام 1994، وإلى جانبه نجوم آخرين في اللعبة كالإسباني بيب غوارديولا والروماني أدريان موتو والإنجليزي ريو فيرديناند والثلاثي الهولندي: إدجار دافيدز وياب ستام وفرانك دي بور. كما نجد في القائمة عددًا من كبار نجوم التنس العالميين، كالأمريكي أندريه أغاسي والسويسرية مارتينا هينغيس والروسية ماريا شارابوفا. وفي الرياضات الأخرى نجد أسماء شهيرة كالدراج الأمريكي لانس أرمسترونج ومواطنه الملاكم مايك تايسون والعداء الكندي الشهير بن جونسون، الذي جُرد من لقب أسرع رجل في العالم بعد ثبوت تعاطيه المنشطات خلال منافسات أولمبياد سيؤول عام 1988، وهو الأمر الذي تكرر لاحقًا مع العداءة الأمريكية ماريون جونز، وجميعهم من أبطال العالم الذين أساؤوا لسمعتهم وسمعة بلادهم بسقوطهم في فخ آفة المنشطات اللعينة.
مكافحة المنشطات الرياضية:
المدونة العالمية لمكافحة المنشطات (2021) أو ما تسمى بلائحة مكافحة المنشطات هي إطار عمل لنظام مكافحة المنشطات ولقد تم قبولها من جانب الحركة الأولمبية بأكملها وأيضا من الهيئات الرياضية والمنظمات الوطنية لمكافحة المنشطات في كافة أرجاء العالم وتم الاعتراف بالمدونة من قبل أكثر من 190 حكومة وذلك بمقتضى اتفاقيه اليونيسكو ضد تعاطي المنشطات الرياضية. بدء العمل بالمدونة لأول مره في شهر يوليو 2004 ثم أدخلت عليها مجموعة تعديلات بتاريخ يناير 2009, وقد تم إضافة مجموعة تعديلات ثانية بتاريخ يناير 2015 وحالياً تقوم الوكالة الدولية بدراسة بعض التحديثات الجديدة ليتم اعتمادها في عام يناير 2021. وتقوم مكافحة المنشطات في الرياضة على المبدأين الأساسيَين التاليين: حماية الصحة البدنية والعقلية للرياضيين، سواء كانوا محترفين أو هواة، والحفاظ على أخلاقيات الرياضة وقيمها. وينص قانون مكافحة المنشطات العالمي على “المسؤولية الصارمة” للرياضيين و”مسؤولية الإثبات”. حيث تهدف هذه القواعد إلى ضمان الالتزام بأدوار ومسؤوليات الرياضيين المتعلقة بـ انتهاكات قواعد مكافحة المنشطات الإحدى عشر. ويجب عليه/ عليها تحمل مسؤولية الامتثال للقواعد من أجل حماية حقوق جميع الأشخاص للمشاركة في رياضة نظيفة.
انتهاكات قواعد مكافحة المنشطات:
1. وجود مادة محظورة في عينة الدم أو البول الخاصة بالرياضي
2. استخدام أو محاولة استخدام مادة محظورة أو ووسائل محظورة.
3. التهرب أو الرفض أو الامتناع عن الخضوع لعملية جمع العينات.
4. عدم الإفصاح عن أماكن التواجد
5. العبث أو محاولة العبث بأي جزء من إجراءات الكشف عن المنشطات
6. حيازة مواد ووسائل محظورة دون مبرر مقبول.
7. الاتجار أو محاولة الاتجار في مواد ووسائل محظورة.
8. إعطاء أو محاولة إعطاء أي مواد ووسائل محظورة من قبل شخص ذو صلة بالرياضي أو الرياضي نفسه.
9. المساعدة أو التشجيع أو التحريض أو التآمر أو التستر أو التواطؤ المعتمد او محاولة التواطؤ في انتهاك قواعد مكافحة المنشطات.
10. الارتباط المحظور بشخصيات رياضية تقضي فترة عدم الأهلية.
11. التثبيط أو الانتقام أو التهديد أو التخويف عند الإبلاغ عن حالات تعاطي المنشطات
ماذا يحدث إذا قام الرياضي بإنتهاك إحدى قواعد مكافحة المنشطات؟
يؤدي انتهاك قواعد وقوانين مكافحة المنشطات لفرض عقوبات. خلال فترة العقوبات يصبح الرياضيون الذين ينتهكون القواعد غير مؤهلين للمشاركة في المنافسة أو الحصول على دورات تدريبية أو العمل كمدربين في أي نشاط رياضي. حيث تتدرج العقوبات بين الإنذار والغرامة المالية، وصولًا إلى الحرمان المؤقت أو الدائم من مزاولة الرياضة، إضافة لتجريد المخالف من جميع إنجازاته وأرقامه خلال فترة تعاطيه وقد يتم فرض عقوبات أكثر صرامة، مثل تعليق نشاط فريق بأكمله وعدم أهلية نتائجهم واستبعاد الرياضيين في دولة ما من المشاركة ككل..
في الختام:
في الرياضة قد تختلف قيم ومفاهيم الناس حسب المنطقة والمجتمع. ولكن مفهوم “اللعب بنزاهة ” يجمع جميع مفاهيم الرياضة مع كل القيم المختلفة. واللعب بنزاهة ينعكس إيجابياً على مجتمعنا وجميع أنشطة مكافحة المنشطات التي يتم الترويج لها وتعزيزها بموجب مفهوم ” اللعب بنزاهة “، تعتمد على القيم الرياضية التي يحترمها الرياضيون، وجميع الأشخاص المشاركين في الرياضة. وأخيراً مبدأ ” اللعب بنزاهة ” يعمل على نقل تلك القيم عبر المستقبل وتمريرها للأجيال القادمة وأوجه دعوة لجميع المهتمين بالتواصل مع لجنة مكافحة المنشطات الوطنية للتكثيف الجهود والمحافظة على البيئة الرياضية خالية من أفة المنشطات.