من صنعاء إلى الساحل: إرث الزعيم صالح وراية التحرير

وحيد الفودعي
5 ديسمبر 2024

تمر علينا الذكرى السنوية لانتفاضة الثاني من ديسمبر، التي قادها الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح، بكل ما تحمله من مشاعر الفخر والحزن والأمل. هذه الانتفاضة، التي جسدت واحدة من أسمى صور النضال الوطني في وجه الظلم والطغيان، ستظل محفورة في ذاكرة الشعب اليمني كعلامة فارقة في مسيرته التاريخية لاستعادة دولته وكرامته. لقد كانت تلك اللحظة التاريخية مشهداً مهيباً لشجاعة رجل وقف في وجه الطغيان بكل صلابة، ورفض أن يساوم على سيادة وطنه أو يفرّط في كرامة شعبه. لقد قرر مواجهة ميليشيات الحوثي، التي اختطفت البلاد وأمعنت في تمزيقها، وسخّرت مؤسساتها لخدمة أجندات طائفية ومصالح إقليمية ضيقة، فكانت انتفاضة الثاني من ديسمبر صرخة مدوية في وجه الظلم، واستنهاضاً للضمير الوطني الذي ظل نابضاً بالحياة رغم كل محاولات الإخماد والتغييب.

الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح لم يكن يخوض معركة شخصية أو يسعى لتحقيق مكاسب فردية، بل كان يقود نضالاً وطنياً شاملاً لإنقاذ اليمن من براثن مشروع دخيل يسعى لتشويه الهوية اليمنية وإغراق البلاد في مستنقع التبعية. لقد أدرك صالح، بعد سنوات من التحالف مع الحوثيين، أن هذه الجماعة لا تؤمن بالشراكة أو بمفهوم الوطن، بل تسعى لتكريس سلطتها المطلقة، ولو على حساب حاضر الشعب ومستقبله. وبوعي تاريخي ووطني عميق، اختار صالح أن يقف موقفاً بطولياً ناصعاً، متصدياً لهذا المشروع الظلامي، مفضلاً أن يكون صوتاً قوياً للحق والحرية، حتى لو كان الثمن حياته.

لم تكن انتفاضة الثاني من ديسمبر مجرد حدث عابر أو محطة عادية في سياق الصراع اليمني، بل مثلت لحظة تحول تاريخية كشفت عن قوة الإرادة الشعبية عندما تتوحد في مواجهة الظلم. كانت تلك اللحظات بمثابة اختبار حقيقي للشجاعة والصمود، حيث واجه الزعيم الشهيد المخاطر بكل صلابة، مضحياً بكل شيء من أجل قضيته الوطنية، مسطراً بدمه الطاهر صفحة ناصعة في سجل التاريخ اليمني الحديث. ورغم التحديات الهائلة التي واجهتها الانتفاضة، فإنها نجحت في إحياء الروح الوطنية وإعادة الأمل للملايين من أبناء اليمن الذين كانوا يتطلعون للخلاص من قبضة الهيمنة الحوثية.

بعد استشهاد الزعيم، لم تنطفئ شعلة انتفاضة الثاني من ديسمبر، بل تحولت إلى شرارة أطلقت مشروعاً جديداً للمقاومة الوطنية، تجسد في قوات حراس الجمهورية، التي قادها العميد طارق محمد عبدالله صالح، ابن شقيق الزعيم الشهيد. تأسست هذه القوة على المبادئ الراسخة التي أرساها صالح في انتفاضته الأخيرة، لتكون امتداداً حياً لثورته الوطنية، وركيزة صلبة في مواجهة المشروع الحوثي. برؤية قيادية ثاقبة وإصرار لا يلين، قاد طارق صالح حراس الجمهورية نحو بناء قوة عسكرية متماسكة ومؤثرة، تُعبّر عن إرادة اليمنيين الذين رفضوا الخضوع للميليشيات أو الرضوخ لمخططاتها الطائفية.

على امتداد الساحل الغربي، خاض حراس الجمهورية معارك بطولية، وتمكنوا خلال فترة وجيزة من تحرير مساحات شاسعة من قبضة الحوثيين، وصولاً إلى مشارف مدينة الحديدة. كان تحرير الحديدة وشيكاً، لولا التدخل الدولي والأممي الذي جاء تحت ستار حماية المدنيين، لكنه في جوهره كان عائقاً حال دون إتمام معركة التحرير. هذه التدخلات الزائفة منحت الحوثيين فرصة ذهبية لترتيب صفوفهم وإعادة تموضعهم، مما كشف عن حجم المؤامرة الدولية التي تسعى لإبقاء اليمن رهينةً للفوضى والحرب.

ورغم هذه العراقيل، حققت قوات حراس الجمهورية مكاسب عسكرية واستراتيجية كبيرة. لقد تمكنوا من ترسيخ الأمن في المناطق المحررة وإعادة الحياة إلى طبيعتها، ما أعاد الأمل لأبناء الساحل الغربي الذين عانوا طويلاً تحت وطأة القمع الحوثي. ولم تكن إنجازات حراس الجمهورية مقتصرة على الجانب العسكري، بل تجاوزته إلى تعزيز الوحدة الوطنية، حيث جمعت في صفوفها مقاتلين من مختلف المناطق والانتماءات، توحدهم راية استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي.

إن التحركات التي قادها حراس الجمهورية ليست مجرد نجاحات عسكرية، بل تجسد انتصاراً معنوياً وسياسياً للمبادئ التي نادت بها انتفاضة الثاني من ديسمبر. لقد برهنت هذه القوات أن روح الانتفاضة لم تمت، بل ظلت مشتعلة في قلوب الأحرار، تلهبهم بالتصميم على مواصلة الكفاح حتى تحقيق النصر. ومع كل تقدم تحرزه هذه القوات، تؤكد أن تضحيات الزعيم الشهيد وكل من سار على دربه لن تذهب هدراً، بل ستظل مشعلاً يضيء طريق التحرير، ونبراساً يوجه اليمنيين نحو استعادة دولتهم وبناء وطن يتسع للجميع.

لقد أصبح دم الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح رمزاً للتضحية من أجل الكرامة والسيادة الوطنية، ووقوداً لحركة مقاومة لا تعرف التراجع. علّمنا صالح في انتفاضته الأخيرة أن الكرامة لا تُمنح بل تُنتزع، وأن الحرية تستحق أغلى الأثمان. ستظل انتفاضة الثاني من ديسمبر شاهدةً على عظمة هذا الشعب الذي رفض الخضوع، وإرثاً خالداً لكل يمني يؤمن بأن اليمن يستحق الأفضل، وأن الحق، مهما طال أمد الظلم، هو المنتصر في النهاية.

تعليقات الفيس بوك
Exit mobile version