شعيب الأحمدي
قبل أن أعدّ هذه المقالة، لفت انتباهي مقتبس للفيلسوف والكاتب الروماني إميل سيوران، يعبر بأسف عن سبب فشل تكوين إنسان يفكر، يخرج عن نظام اقطاعي لا يعمل إلا بوسيلة الطاعة العمياء، حيثُ يقول: “لأننا فشلنا في تكوين إنسان يفكر، لم يتكوّن لدينا شعب، بل تشكّل لدينا جمهور، جمهور مصفّق، و جمهور لاعن، يصفّق مرّة و يلعن مرّة، لكنّه لا يفكّر”.
شدني الكلام، مستعرضًا بمَ نحنُ فيه كيمنيين، بسبب السردية الإماميّة التي طغت البلاد منذ التسعينات باسم حركة الشباب المؤمن، أخذين من الدين وسيلة لإعادة الملكيّة المنتهية بصورة أخرى على غفلة من ” الأسرة، المجتمع، الدين، والسلطة” لأن عقل الإنسان اليمني بسيط يمكنه التفكير وفق الغرس الذي تلاقى، من هذه الأشياء التي ساهمت بتعطيل عقل الفرد من التفكير، ودراسة حالة الإمامة ومخاطرها، رافق الإمامة كحركة دينية، كونه تشكل في وجدانه شيئين “مشاعر، سلوكيات” أثمرت، المشاعر: “الحب والكره، الأناء، والعلاقة الاجتماعية، هل هي مبنية على المصالح المتبادلة أم الاستغلال أم الحب؟.
كذلك علاقة الإنسان بالله؛ هل هي علاقة وطيدة ومتينة أم أنها مجرد علاقة خوف وعادات وتقاليد؟.
ثانيا سلوكيات اليمني، رغم أن اليمن مرت بمنعطفات تاريخيّة كثيرة إلا أن الجمهوريين يعيشون حالة وثائقيّة متحفظة بسردية الإمامة، التي شكلت هذه الأحداث: تدمير المجتمع و جلد الذات، العنصرية والتطرف والقتل وغيرها الكثير من الأشياء السلوكية المشينة، دون تغير أو تجديد، أو التفكير بحقيقة أقوالها، وعلى مدى ثلاثين عاما تكون لدينا جمهور عريض من المصفقين والاعانين.
في عامهم الأسود 18 أغسطس 2014م، حشد الحوثيون مظاهرات في صنعاء، مطالبة بإسقاط الجرعة، مستغلة الأزمة الاقتصادية التي كانت تعيشها البلاد، بعد أثر أحداث ثورة الشباب السلمية 2011، آنذاك هدد زعيم المتمردين عبد الملك الحوثي بقوله “اسماعُ الحكومة لغة تفهمها” ما لم تستجب لمطالب المحتجين، رغم هذا الوضوح من عودة الإمامة التي تطالب بحكم إلهي، أتفق الكثير من اليمنيين وخرج معها، كونها صورت حالتها كبطل يبحث عن الخير للشعب، لم يكلف أحد نفسه أن يقوم بإعادة النظر إلى بداية الألفيين والحروب الستة، على الأقل ليأخذوا حذرًا منها أنها لا يمكن أن تتوقف عن التوسع إذا سقطت الجرعة، قبل أن تظهر على حقيقتها الانتهازية، وتحدث دمارًا هائلًا في قلب الجمهورية التي حطمت صنميتها مسبقًا ولا حقًا، وها نحنُ نعيش نواياها السوداء التي لم ينتبه لها الكثير من اليمنيين خاصة الأحزاب السياسيّة.
تشكلت سردية القطيع الاجتماعي المتوارثة أو بما نسميه عادات وتقاليد (الدين، السياسة) من حالة قمع الفرد الذي يفكر بطرق مختلفة عن الأيديولوجيات التي أنشأها الحكام والجماعات والأحزاب داخل المجتمع، وأضيف خطر عبودية سردية الإمامة فوق ذلك.
بدأت الإمامة بصورتها الحوثية الجديدة، بتعزيز ادعائتها المفروضة على اليمنيين، من خلال صناعة مجموعة من الأفراد العصبويين الذين يدافعون عن السياسة (الهادوية) كشيء مقدس، يصفقون تارة فرحًا في أي حدث يخدم ما يقومون فيه وإن كان خطأ، أو يلعنون الآخرين وإن كانوا على صواب. ومن المؤسف أن الكثير من اليمنيين ما زالوا يصدقون هذه السرديات الدموية المستغلة لضعفهم وخوفهم.
تنظر هذه الجماعة أنها أحقّ بحكم اليمنيين من أنفسهم، كونها تعمل وفق أمر سماوي “آل البيت” متخذه الشماعة الدينيّة والحكم الإلهي (كوسيلة لتبرير الجرائم) وسمي المتمرد حسين الحوثي بـ”القرآن الناطق” وأن كل شيئًا يقوله صحيح حتى قدحه في أحد المقاطع الفيديو المصورة (منشورة في مواقع التواصل) قال فيها: “أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- سرقوا الخلافة عن علي” قاصدًا اعادتها الآن بعد ألف وأربعمائة سنة.
لذلك كونت لها مجموعة أفراد يفكرون بمنطق واحد وإن اختلفت المصطلحات “آل البيت، القرآن الناطق” يتعصبون ويتشددون لأجله، جعلتهم لا يفكرون سواء بهذا المعتقد كدستور ومنهج حياة في الحكم. لرقة اليمنيين أمام الدين -يعد رجل الدين كشيء غير قابل للنقاش إلا ما ندر- قدسوا حسين وأخاه عبد الملك، دون أدنى تفكير أن حديثهم يشكك في السنة ويغير منطق الأحاديث النبوية.
بينما نحنُ نعيش هذا الدمار السياسيّ والاقتصادي والاجتماعي بسبب هذه الجماعة، أتخذت مؤخراً شماعة دعم فلسطين، مستغلة عاطفة الشعب اتجاه هذه القضيّة العادلة، وكل يوم تطالب بدعم القوات الصاروخية التي لا تقتل إلا اليمنيين، وعدوانية خطاب الموت لأمريكا وإسرائيل مجرد فهلوانية إعلامية، وواقعية الموت للشعب الذي يتضور جوعا وخوفًا.
هذه السرديات الأكثر رواجًا في اليمن، بينما الشعب متشظي وممزق أشدّ تمزيق، يصفق تارة وأخرى يلعن، دون النظر لهذه الحقائق الواضحة التي أوصلتنا إلى ما نحنُ فيه، بسبب تجمد الأيديولوجية السياسيّة للجمهوريين، وسردية التطرف الديني بدعوة الحق الإلهي في الحكم.