د. ثابت الأحمدي
ثمة قاعدة سياسية تقول: “المتعامل مع القوة يقع صريعها”. ونحن حين نتكلم عن مقتل القائد الحمساوي إسماعيل هنية يوم 31 يوليو 2024م في العاصمة الإيرانية “تهران”، يستوجب الأمر الحديث عن ثلاث قوى: حماس، إسرائيل، إيران. والثلاث قوى أيديولوجية حديّة؛ لكن السؤال المركزي هنا: من الذي قتل إسماعيل هنية، الوجه الدولي لحماس، حسب تعبير الفورين بوليسي الأمريكية؟
حتى الآن لم تعلن جهة ما مسؤوليتها عن الحادث بصورة واضحة، رغم أن أصابع الاتهام تشير إلى إسرائيل، من قبل الكثير من الجهات، خاصة وأن ثمة تصريحات سابقة عقب هجوم السابع من أكتوبر لعدد من القادة الإسرائيليين أن “قادة حماس في عداد الأموات”، حسبما نشرت صحيفة الشرق الأوسط، علمًا أن هذه المرة ليست الأولى في استهداف إسرائيل لقيادات حركة المقاومة الإسلامية حماس، فلقد اغتالت المؤسس الأول للحركة، الشيخ أحمد ياسين في العام 2004م، بقصف صاروخي من الطائرة، وأيضا القائد الحمساوي عبدالعزيز الرنتيسي، الرجل الثاني في الحركة يومها، واغتالت قبلهما القائد يحيى عياش بتفخيخ جهاز هاتفي خاص به، وحاولت اغتيال خالد مشعل بالسم عام 1997م في الأردن، وفي 2010م اغتالت محمود المبحوح في أحد فنادق دبي، بالخنق والصعق الكهربائي، فيما اغتالت فادي البطش، الخبير بالطائرات المسيرة بالرصاص في ماليزيا سنة 2018م. وكللت هذه الاغتيالات بقصف رئيس المكتب السياسي للحركة في إيران بقصف صاروخي، أثناء حضوره مراسيم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان في 31 يوليو 2024م.
ونستعرض هنا التصريحات الأولية لكل من: حماس، إيران، إسرائيل:
حماس
أعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس في الساعات الأولى من مقتل زعيمها أن إسرائيل قد استهدفته بغارة في مقر إقامته الخاص بمقر قدامى المحاربين الإيرانيين، مع أحد مرافقيه.
إيران
أعلنت الخارجية الإيرانية أن عملية اغتيال إسماعيل هنية قد تمت من خلال قصف موجه تم من خارج إيران، نافية رواية حماس أن العملية قد تمت من الداخل. ولم يصدر حتى الآن بيان رسمي مفصل عن العملية غير ذلك التصريح الأولي والمقتضب.
إسرائيل
لم يصدر أي تصريح رسمي عن اغتيال الزعيم الحمساوي إسماعيل هنية حتى الآن. وذكرت الأخبار أن نتنياهو دعا أعضاء حكومته لمشاورات طارئه عقب إعلان مقتل هنية، وفي الاجتماع تم الاتفاق على عدم التعليق على عملية الاعتقال.
تجدرُ الإشارة هنا إلى أن المكتب الصحفي الحكومي الإسرائيلي كان قد نشر صورة إسماعيل هنية على حسابه الرسمي في فيس بوك، وكتب عليها: “تم التخلص منه”؛ لكن الصورة تم حذفها بعد ثلاث ساعات فقط، مع التعليق.
شبكة C. B. S الأمريكية
نقلت شبكة C. B. S الأمريكية، عن مسؤول أمريكي، لم تذكر اسمه أن واشنطن تعتقد أن إسماعيل هنية قد قتل في إيران بغارة إسرائيلية.
قراءة الحدث جشطالتيا
تعيشُ إسرائيل وضعًا متأزمًا داخليًا، فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأعضاء حكوكته أمام ضغط شعبي مكثف غير مسبوق بسبب الحرب والخسائر التي مُنيَ بها الجيش الإسرائيلي أمام مقاومة حركة حماس، على غير توقع، وبالتالي فقد ذهب يضرب يمنة ويسرة، لتحقيق ما يعتبره إنجازًا عسكريا وسياسيا أمام شعبه، للتخفيف من حدة الضغوطات المتزايدة، فقام بعدة عمليات عسكرية، على النحو التالي:
1ــ قصف ميناء الحديدة
تم قصف ميناء الحديدة، غرب اليمن، مساء يوم 20 يوليو 2024م عقب قيام الحوثيين تبنيهم هجوما بطائرة مسيرة على العاصمة الإسرائيلية تل أبيب، أسفرت عن مقتل مواطن إسرائيلي، وأضرار يسيرة في الممتلكات. وقد أسفر القصف الإسرائيلي على ميناء الحديدة عن مقتل تسعة مواطنين يمنيين، إضافة إلى تفجير عدد من خزانات النفط التي ظلت تشتغل لعدة أيام، وأضرار أخرى بالميناء نفسه. وهذه هي المرة الأولى التي تقصف إسرائيل فيها اليمن منذ اشتراكها في دعم الإمام المخلوع محمد البدر، نجل الإمام أحمد الذي قامت ضده ثورة السادس والعشرين من سبتمبر.
2ــ اغتيال فؤاد شكر
اغتالت إسرائيل فؤاد شكر، القائد الثالث في حزب الله، والقائد العسكري الأول، الملقب بالحاج محسن، وهو خبير الصواريخ، بغارة جوية عبر طائرة مسيرة في الضاحية الجنوبية من بيروت، في 30 يوليو 2024م، أي بعد عملية الحديدة بتسعة أيام.
3ــ اغتيال هنية
اغتالت إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية في تهران، يوم 31 يوليو، بعد العمليتين السابقتين؛ أي في ظرف 11 يوما تم تنفيذ ثلاث عمليات كبيرة، استهدفت ثلاثة أذرع إيرانية، بصورة مباشرة:
الحوثيين في اليمن
حزب الله في لبنان
حركة المقاومة الإسلامية حماس
وهذه العمليات الثلاث المتقاربة زمنيا تُعتبر إنجازًا سياسيا وعسكريا واستخباراتيا لرئيس الحكومة الإسرائيلية وأعضائها، قد تخفف من حدة الضغط الشعبي عليهم، إضافة إلى كونها أهدافا استراتيجية كبرى على صعيد السياسية الإسرائيلية بشكل عام، كون هذه العمليات تحذيرًا مبطنا لمن يريد الاقتراب من أمن إسرائيل أو العبث به.
سؤال.. هل من المحتمل أن عملية تخادم قد تمت بين إسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى اتفق فيها الطرفان على تصفية هنية؟
هذه وارد، ومحتمل، ولكن بدرجة ضعيفة، إذا ما أخذنا في الاعتبار هنا ملف التسوية وانهاء الحرب في غزة، وتقديم رأس كبير بقدر رأس هنية بعد أن تعذر الو صول إلى رأس القائد الميداني الأول يحيى السنوار؛ كونه في الجبهة، وتحت الأنفاق، وقد دوخ إسرائيل بتكتيكاته العسكرية التي لم تكن تتوقعها.
من ناحية أخرى، تذكر بعض الأخبار أن إسماعيل هنية كان بصدد صياغة معادلة جديدة في علاقته مع إيران، تخفف من حدة التغول في رسم السياسات الكبيرة للحركة والسيطرة عليها، والتدخل في كثير من شؤونها الداخلية، وهذا يقلق “تهران” بلا شك، فكانت ــ من ثم ــ هذه العملية.
وعلى أية حال.. فهذه الفرضية مرجوحة، ولا تصمد أمام الرأي الذي يقرر أن العملية إسرائيلية بحتة، نفذتها إسرائيل على طريقتها؛ لاسيما وأن السياسة الإيرانية مخترقة إلى حد كبير، من قبل إسرائيل وغير إسرائيل؛ كون النظام مكروها من قبل أغلب النخب الإيرانية القائمة، والتي يئست من تغييره، بسبب استبداد نظام خامنئي وطغيانه. وهو ما يعكس في المحصلة النهائية أزمة حقيقية داخل بنية النظام الإيراني نفسه، كونه يفتقر للشرعية والمشروعية، فهو يستمد شرعيته من السماء، حد ادعائه، ولا يزول قائد الثورة إلا بموته، أما الرئيس المنتخب شعبيا، فهو إلى المدير التنفيذي أقرب منه إلى رئيس الدولة ذي الصلاحيات الدستورية الواسعة، كما هو متعارف عليه.
المعقول في الفرضية هذه أن ثمة جناحًا أو تيارًا داخل النظام الإيراني، مناوئا لجناح خامنئي قد تواطأ مع إسرائيل وقدم لها خدمة كبيرة، نكاية بجناح خامنئي المتشدد، والقابض على كل شيء؛ خاصة إذا ما تذكرنا هنا أن ثمة اتهامًا من قبل تيار الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي لتيار خامنئي بتصفية الأول أثناء زيارته لأذربيجان في حادث الطائرة المعروف، في شهر مايو الماضي.
تجدر الإشارة هنا إلى أن إيران من أكثر دول العالم إعلانا عن اكتشافها لمخبرين وعملاء من مواطنيها لدول أخرى، ومحاكمة لهم، وسجنهم، وإعدامهم، وهذا راجع لطبيعة البنية الديموجرافية للدولة الإيرانية، كأمة متعددة العرقيات غير المنسجمة داخليا، ولطبيعة النظام السياسي نفسه الذي يعاني من اختلالات بينيّة كبيرة؛ كونه نظاما ثيوقراطيا، ينتمي للقرون الوسطى، منشغلا بتصدير الثورة إلى خارج البلاد على حساب مقدرات الشعب الإيراني الذي يعيش أوضاعا اقتصادية هشة.
النتائج المتوقعة على اغتيال هنية
يذهبُ البعضُ إلى أنّ عملية اغتيال الزعيم الحمساوي إسماعيل هنية سيكون لها تداعيات كبيرة على مسار القضية الفلسطينية، وأيضا على المنطقة بشكل عام.
والذي نراه أن هذا الحدث سيمر كما مرت غيره من الأحداث على أهميته فعلا، ولن تكون له تداعيات كبيرة، بما في ذلك أي أُثر على حماس نفسها، لأن طبيعة هذه التكوينات طبيعة أيديولوجية ذات فكرة صلبة، يذهب الأشخاص وتبقى الأفكار، ولن يكون إسماعيل هنية أكبر من أسامة بن لادن الذي تم إنهاؤه؛ لكن لم يتم إنهاء فكرته. كما هو الشأن أيضا مع حسين الحوثي في اليمن الذي تم قتله من النظام السابق، لكن لم تستطع سلطة النظام السابق إنهاء فكرته؛ لأن الجماعات الأيديولوجية تحتاج إلى طرقات متتالية للقضاء عليها وإنهائها، عسكريا وثقافيا، واقتصاديا في زمن وجيز جدا؛ أما حربها بالتقسيط فإنه يقويها مع مرور الأيام.