ثمة حقيقة تاريخية نفسية نستلهمُها من تتبعنا لجدليات التاريخ السياسي قديما وحديثا، هذه الحقيقة تقرر أن الشعوب تنتمي إلى من ينتمي إليها.
نعم.. تطور الأمم مرهونٌ بطرفين اثنين: زعيم يحمل المشروع وفريق من المخلصين يسانده، ولا يمكن النجاح بواحد دون الآخر.
كان الزعيم العربي الخالد جمال عبدالناصر يخطب في القاهرة فيصفق له المتحلقون حول الراديو في كل من: الجزائر وليبيا والعراق والكويت وسوريا واليمن، وجميعهم يحدق في جهاز الراديو كما لو أنه يرى الزعيم أمامه. ولا يزال كبار السن يتذكرون هذا إلى اليوم.
وكان الزعيم الكوبي المعروف فيدل كاسترو إذا خطب صمتت الجماهير كأن على رؤوسها الطير.
كذلك الشأن مع شارل ديجول، عظيم فرنسا في القرن العشرين وزعيمها الوطني المناضل الذي رفع شعار: “فرنسا لا يمكن أن تكون فرنسا دون العظمة” حتى صار هذا الشعار عقيدة في وجدان كل فرنسي. ولا تزال الديجولية الفرنسية ثقافة إلى اليوم.
في جنوب افريقيا يكاد يكون نيلسون مانديلا شخصية مقدسة، بعد قيادته مشروعه الجامع مناهضة الفصل العنصري والانتقال إلى الديموقراطية متعددة الثقافة.
وفي اليمن.. يتمسك أحرارها اليوم بنبلائها التاريخيين، ابتداء من الهمداني، فنشوان، وليس انتهاءً بالزبيري ونعمان وعلي عبدالمغني والسلال والعواضي وجزيلان. هامات وقامات متجذرة في وجدان كل يمني، يفتش عن كينونته الغائبة بين: إكليل الهمداني، في فقه الشوكاني، في قصيدة الزبيري، في تأملات النعمان، في بندقية عبدالمغني، في ابتسامة السلال، في بطولة العواضي، في موقف القشيبي، في صمود الشدادي، في فدائية شعلان، في كوفية المعبقي.
كوفية المعبقي
اكتسبت كوفية المعبقي رمزيتها من قراره التاريخي في لحظة فارقة، تبحث فيها الجماهير عن بصيص نور، يعيد لها أملها، وكادت أن تفقد الأمل؛ وقد وجدت في هذا الرجل ذاتها، كرمز اقتصادي يمني، له تأثيره المباشر على معادلة الحرب والسلام، لا عجب.. عظماء الرجال هم خلاصة مجهودات عروق الأمة، وفقا لجوستاف لوبون.
كوفية المعبقي أيقونة سياسية، دخلت فصول التاريخ في لحظة تاريخية عصيبة، تبحث فيها الجماهير عن ذاتها التائهة، ولسان حالها كحال موسى: “إني آنستُ نارًا”، أو كما قال البردوني عن كائنات شوقه الآخر:
أكاد اُسميه وينبو عن اسمه
يلوح كصَعْديٍّ ويحكي كَمعْبقي
د. ثابت الأحمدي