مقال نحو توحيد الصف اليمني
*لمعالي الدكتور: محمد العامري*
مستشار رئيس الجمهورية
قالها النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرصّ أصحابه للصلاة وقال: *”لا تختلفوا فتختلف قلوبكم”*، كلمتان جامعتان، تلخصان الموقف بين يدي الله، وفي أجل عبادة عملية وهي الصلاة، وفي طياتها توجيه، لرصّ الصفوف، والتحذير من اختلاف القلوب، لما لذلك من الآثار الوخيمة في الحال والمآل.
*وللإستواء ورصّ الصفوف، لابد من التذكير بالآتي:*
*أولا:* “استووا ولا تختلفوا” حول ما أنزل الله في كتابه وتجلى وصح من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وتلقاه خير القرون بالقبول والتسليم، وذلك المعنى هو الضابط لصحة الفهوم ولزوم الجادة وتحقيق الجماعة وما ندّ عن ذلك وأدخل في الدين بعد كماله، فهي البدع والخرافات والشذوذ والتفرق.
*ثانياً:* “استووا ولا تختلفوا” وتحروا ما استطعتم في الوقوف على مراد الله ورسوله واسلكوا طريق الاجتهاد والترجيح، وفقاً لأدواته المعتبرة، ومن أهله، بعيداً عن التخوض في الدين، والقول على الله بغير علم، ولزوم الوسطية، وترك الغلو والشطط، والميل مع الأهواء والرغبات، وتطويع النصوص وليّ أعناقها لأغراض غير شرعية، إذ الحق يطلب بالتجرد والبعد عن مسالك الهوى، ومن أصاب الحق بعد التحري فقد أجر مرتين ومن أخطأه أجر مرة.
*ثالثاً:* “استووا ولا تختلفوا” بكثرة الجدال، والخوض في ما لا يُبنى عليه عمل فإن ذلك مدعاة إلى قسوة القلوب، والتنافر وحرمان بركة العلم، (وما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل) وإذا أراد الله بقوم خيراً ألزمهم العمل وجنبهم الجدل والعكس، والحالة اليمنية اليوم تتطلب البحث عن الحلول العملية، وترك المهاترات والخصومات، وتتبع العثرات والمكايدات، التي تصب في مصلحة أعداء اليمن.
*رابعاً:* “استووا ولا تختلفوا” في معرفة عدوكم الحقيقي، وحيله وألاعيبه، فلديكم تجربة كافية، لاستلهام الدروس والعبر من مخاتلته، وأكاذيبه، وتلوناته، فإن عدم الإحاطة والإدراك بخطورته، مدعاة إلى إطالة أمد الغفلة والمعاناة، وتمكينه من رقابكم، وانتهاك حقوقكم، وفساد أموركم، والعبث بمقدراتكم، وتذكروا أن نفاذه فيكم مرده في الأصل إلى الجهل بحقيقته وما يضمره من السوء والشرور، وما يدسه من بذور الشقاق، والنزاع، في المجتمع، ليخلو له الجو بالتسيُّد على الناس وهو في مأمن من الاستيقاظ والتفطن، لمؤامراته الدنيئة.
*خامساً:* “استووا ولا تختلفوا” وحذاري من جرّكم إلى ساحة العصبيات، بمختلف ألوانها ومسالك النعرات بشتى صورها، فلاشي أفسد منها للإجتماع، والوداد، ومن دعاك إلى شي منها تحت أي مسمى فقد دعاك إلى شعبة من الجاهلية (إنّما المؤمنون إخوة) وكلهم عباد الله والألقاب، والأنساب للتعارف، وما زاد عن ذلك فليس له عند الله قيمة، ومن ظنّ أنه خير من غيره بأصله ونسبه، ففيه شعبة إبليسية.
*سادساً:* “استووا ولا تختلفوا” *- معاشر العلماء والدعاة خاصة -* والزموا الأمور التي تعرفونها بعلم ورسوخ وتجنبوا شذوذ الآراء وغرائب العلم ونوادر المسائل، قال الأكرم: سأل رجل أبا عبد الله -الإمام أحمد – عن حديث فيه غرابة؟ فقال أبو عبد الله: الله المستعان! تركوا العلم وأقبلوا على الغرائب، ما أقل الفقه فيهم! وقال: (شر الحديث الغرائب التي لا يُعمل بها، ولا يُعتمد عليها) وقال النخعي: “كانوا – السلف – يكرهون غريب الحديث.
*سابعاً:* “استووا ولا تختلفوا” *- معاشر السياسيين خاصة -* واعلموا أن ذلك لا يعني بالضرورة تخلي طرف عن قناعاته وحقوقه لطرف آخر، ولا يعني تلاشي جهة وانحسارها، أوتهميشها، ولا تفرد جهة واستبدادها بالرأى، أو بمقدرات الشعب، ولا يعني تعصب فئة لمنظومتها الحزبية أو القبلية أو الجهوية بل الاستواء ورصّ الصفوف يعني تشابك أيدي الجميع، ونسيان جراحات الماضي وأحقاده، وترتيب الأولويات، وإقامة مؤسسات الدولة، والاعتراف المتبادل بمزايا كل طرف لنظيره، وإدارة الخلافات وفقاً للمصالح العليا، وتوجيه الجهود والبوصلة، نحو عدو الجميع، الذي يقوم باستئصالهم والسطو على حقوقهم، وممكتلكاتهم، وتجريف هُويتهم، ونشر ترهاته، وخزعبلاته، لصالح عنصريته المزعومة غير مؤمن بشراكة وطنية لأحد، ولا تعددية سياسية سوى ما خرج من تحت عباءته، سُخرة لخدمته وتزييناً لقبائحه، مصادراً للآراء ومكمماً للأفواه ومستعلياً على الناس، تحت ذرائع طائفية، ومذهبية وسلالية، مدفوعة من قوى إقليمية، للإضرار باليمن وأشقائه، وجيرانه، قد تركت بصماتها القبيحة، في أكثر من قطر عربي، وتريد تعميم فكرها وثورتها الشريرة، وتصديرها إلى بقية البلدان.
*فاستووا رحمكم الله، وسدوا الخلل، ولاتدعوا فرجات للشيطان.*
|
.