الدبلوماسية اليمنية: الزنداني “تحديات الحاضر وآمال المستقبل

د. محمد الحميدي

تعد الدبلوماسية أحد أهم عناصر القوة الناعمة للدولة المعنية، وتمثّل تقنيةً معقّدةً وفنَّاً متطوراً لإدارة وتنسيق العلاقات بين الدول والمجتمعات والمنظمات الدولية. تُعَرَّف الدبلوماسية بأنها من أقدم الأساليب التاريخية العتيقة، والتي تعود إلى الحضارات القديمة، مثل: الحضارة الصينية، والحضارة الرومانية، حيث كانت تُستخدم في خلال التواصل بين الإمبراطوريات، ومع مرور السنين، وتوسع دائرة المعرفة العلمية؛ تمكن الإنسان من تطويرها حتى تشكّلت الدبلوماسية كمنظومةٍ تُعَبِّر عن العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدول، وتلعب دوراً حيويَّاً في تعزيز الفهم المتبادل، وإيجاد حلولٍ شاملة للتحديات العالمية الحديثة، وتنظيم التجارة والعلاقات السياسية، وتحقيق المصالح المشتركة، وتحقيق الأمن والسِّلم الدوليين.

في السياق الحالي، سنتناول محطة من محطات الدبلوماسية اليمنية في هذا التوقيت حصراً، ولن نتناول العمق والتسلسل التاريخي الذي يحتاج الى عدة مقالات؛ نظراً لحجم هذا الإرث الذي يمتلئ بالأحداث، كحال اليمن وتعقيداته وتحدياته.
من منظور تخصصي المهني في هذا المجال، سيُخَيَّل لدى البعض أن هذا الحقل مملوء بزهور الياسمين، وبطبيعة الحال هو نقيض ذلك، فالواقع الدولي صورة تختلف كثيراً عن الصور المثالية التي قد يتصوَّرها العامة، ومن خلال ذلك الواقع، أرى أن هناك صراع محموم بين القوى العالمية، أدى الى تصاعد التوترات والنزاعات الجيوسياسية على المستويين الإقليمي والدولي؛ أدى إلى تسليط الضوء على الأزمة اليمنية، وتصاعد الانتقادات الدولية الناجمة عن هجمات الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، على الشحنات البحرية والممرات التجارية في البحرين العربي والبحر الأحمر، وهذا التطور يفرض ضغوطاً سياسية، وإنسانية متزايدة على اليمن؛ ما يزيد من حجم التحديات المعقّدة التي تواجهها الدبلوماسية، التي من المُفترض أن تشكل جزءاً أساسياً من استراتيجيات دبلوماسية دقيقة ومتعددة الأوجه، أعدتها الوزارة في مجال التواصل الدولي وإدارة الأزمات، من أجل مواجهة المتغيرات في المشهد الدولي.

في يوليو 2024، أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الدكتور رشاد العليمي، المرسوم الرئاسي رقم (100) لعام 2024، بتعيين الدكتور شائع محسن الزنداني وزيراً للخارجية وشؤون المغتربين. ويُعد الدكتور الزنداني شخصية دبلوماسية مرموقة، وصاحبة خبرة طويلة في مجال الدبلوماسية والسياسة، إلى جانب كونه شاهداً على تحولات كبرى في التاريخ اليمني.

الدكتور شائع محسن الزنداني من أبرز الشخصيات الدبلوماسية في اليمن. وُلد في مديرية جحاف بمحافظة الضالع، وحصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة والقانون، وبكالوريوس في الحقوق، بالإضافة إلى دكتوراه فخرية في العلوم الدبلوماسية. تبوأ الزنداني العديد من المناصب الهامة في السلك الدبلوماسي؛ ما جعله شخصية بارزة ومؤثرة في تاريخ الدبلوماسية اليمنية.

بدأ الدكتور الزنداني مسيرته المهنية كمدرس بجامعة عدن بين عامي 1978 و1981، قبل أن ينتقل إلى السلك الدبلوماسي، حيث شغل مناصب متعددة على مدى العقود الماضية. عمل سفيراً فوق العادة ومفوضاً لدى العديد من الدول، منها المملكة الأردنية الهاشمية بين عامي 2010 و2015، والجمهورية الإيطالية، وسفيراً غير مقيم لدى اليونان وصربيا وألبانيا وسان مارينو منذ 2005 وحتى 2010، كما شغل منصب مندوب دائم للجمهورية اليمنية لدى منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة(فاو) من 2008 إلى 2010، وسفيراً ومستشاراً للوفد الدائم للجمهورية اليمنية لدى الأمم المتحدة بجنيف من عام 1994 إلى 1997، وسفيراً فوق العادة ومفوضاً لدى المملكة المتحدة وشمال إيرلندا من عام 1991 إلى 1994. بالإضافة إلى ذلك، شغل منصب نائب وزير الخارجية للجمهورية اليمنية بين عامي 1990 و1991، ونائباً لوزير الخارجية بعدن من عام 1986 إلى 1990، ووزيراً مفوضاً وقائماً بأعمال السفارة في بغداد من عام 1981 إلى 1982.

في يناير2017، تم تعيين د. شايع الزنداني سفيراً فوق العادة ومفوضاً لليمن لدى المملكة العربية السعودية الشقيقة، بالإضافة إلى تعيينه مندوباً دائماً لليمن لدى منظمة التعاون الإسلامي. وقد شهدت السفارة اليمنية والقنصلية في جدة فترة عمله في السعودية، تحولاً كبيراً في تقديم الخدمات الدبلوماسية، حيث تم تحسين الخدمات الإلكترونية وأتمتة العمل الدبلوماسي بشكل ملحوظ، ولم تقتصر إسهاماته على الجانب الدبلوماسي فحسب، بل امتدت إلى المجالات الأكاديمية والسياسية، إذ شغل عضوية العديد من الهيئات واللجان الرسمية والمنظمات الاجتماعية والمهنية، منها: اللجنة العليا للإصلاح السياسي والاقتصادي عام1989، ورئاسة لجنة الشؤون الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والقنصلي في محادثات الوحدة عام 1990. كما تَرَأَس وفد الجمهورية اليمنية في اجتماع وزراء الخارجية العرب يوم إعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، وشغل منصب الرئيس الفخري لجمعية الصداقة البريطانية اليمنية من عام 1992 إلى 1995، وعضو مجلس تعزيز التفاهم العربي البريطاني، ومنتدى الفكر العربي، ومركز الدراسات السياسية في لندن. بالإضافة إلى ذلك، فقد كان الزنداني عضواً في مجلس الأمناء للمركز الإقليمي لتدريس علوم وتكنولوجيا الفضاء لغرب آسيا التابع للأمم المتحدة، ومحاضراً في كلية الحقوق بجامعة عدن بين عامي 1988 و1990، وعضواً في المجلس المركزي لاتحاد الحقوقيين اليمنيين عام 1980، ورئيساً للاتحاد الوطني العام لطلبة اليمن عام 1974، وسكرتيراً عاماً للاتحاد العام للطلبة العرب عام 1976.

ورغم مسيرة السيد الزنداني، التي تمتاز بالعطاء، والإنجازات الحميدة على المستويين الشخصي والمهني، إلا أن ثمة تحديات دبلوماسية ذات أبعاد عميقة تظهر أمام الرجل؛ نتيجة الأزمة الراهنة التي تعصف بالبلاد، وتبرز من بين هذه التحديات تفاقم الأزمة الإنسانية وتأثيرها المتنامي على الساحة الدولية والإقليمية، وتعنت الميليشيا الحوثية وعدم جدية مساعيها في إنهاء الحرب وتحقيق السلام، إلى جانب التصعيد المستمر على الملاحة البحرية والطرق التجارية، وهي تحديات تهدد مباشرة الأمن والاستقرار الإقليمي، كما تنطوي هذه الهجمات على أبعاد إنسانية واقتصادية وسياسية؛ ما يستدعي البحث عن حلول سياسية شاملة للأزمة اليمنية، والتعامل مع هذه التحديات باستراتيجيات دبلوماسية متقدمة، وتعاون فعّال مع الدول الشقيقة والأمم المتحدة والجهات الدولية الأخرى؛ لمواجهة التحديات الأمنية والإنسانية.

ختاماً، يمثل الدكتور شائع محسن الزنداني نموذجاً مشرفاً لرجل الدولة والدبلوماسي المحنك، الذي يسعى دائماً لتحقيق مصلحة اليمن وشعبها، ويعكس تعيينه في هذا المنصب الرفيع خطوة نحو تعزيز مكانة اليمن على الساحة الدولية، وإعادة بناء علاقاتها مع دول العالم، بالنظر إلى أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الدبلوماسية في تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة.

تعليقات الفيس بوك
Exit mobile version