تعز والإعلام الناقد

عبدالله فرحان

بداية يجب أن نتوافق على أن النقد من قبل الناشطين والسياسين ومن قبل المواطن البسيط والإعلام المحلي لا يكون إلا للدولة وللمؤسسات وليس للمليشيات والعصابات وأرباب الفوضى..كما أن النصيحة لا تكون إلا لمن يرى فيه الناصح الصلاح بهدف تقويمه وإعادته وترشيده.. بينما المليشاوية والعصابات الخارجة عن الدولة لا يجدي معها النقد لإنعدام قاعدتها القانونية والنصيحة أيضاً لا تهدى للخارج عن القانون والعرف المنعدم الصلاح.

فالمليشيات لا عقد دستوري وقانوني يربط بينها وبين المجتمع حتى يتوجه نحوها النقد كونها أساساً منقلبه على المجتمع ومواثيقه وقوانينه ومؤسساته ومنبوذه مجتمعياً ومجرمه قانونياً حتى وإن صنعت لنفسها سلطة ففي حقيقتها الرفض، ولا سبيل للمجتمع أمامها سوى إعلان النفير للقتال أو التصعيد بالطرق المناسبة للخلاص منها وتقديمها للمحاكمة وليس نقدها وتقويمها أو محاججتها بالبنود القانونية.

ووفقا لتلك المعطيات السابقة فإن محافظة تعز (المحررة) وسلطات تعز هي الأكثر عرضة للنقد على مستوى كافة محافظات ومناطق اليمن ككل شمالاً وجنوباً.. ففي تعز الأصوات الناقدة عالية جداً وليس المقيمة فيها وحسب بل على مستوى كافة المحافظات والداخل اليمني والخارج.

فالنقد وضجيجه الإعلامي الموجه نحو سلطات تعز وتجاه الحركة اليومية لتعز سلطة ومجتمع ومكونات سياسية ومدنية ومؤسسات لم ينحصر فقط على الإعلام والناشطين المقيمين في تعز وحسب وإنما على مستوى المقيمين في معظم المحافظات الأخرى في عموم اليمن ككل.

فالكثير من الناشطين المقيمين في محافظات (صنعاء وعدن ومأرب وحضرموت وإب وعمران وشبوة)، وخارج اليمن ومن أي محافظة كانوا نجدهم جميعاً أو معظمهم يتناسون محافظاتهم ومناطقهم ويتجهون باقلامهم كتابة ونشر وتحليل وتعليق حول تعز متابعة لمستجداتها دعماً وتقييماً ونقد وسخطاً وغضباً.. كون تعز بالنسبة لهم هي الدولة ورمزية الدولة التي يتوقون لها.. ولعل معظمهم يرون بأن تعز هي اللبنة الأولى للدولة فإن نجحت الدولة في تعز فحتماً ستأتي إليهم اليوم أو الغد.

أعتقد بأن مولد الدولة وإستمرار بصيص رمزيتها في تعز كان ومازال هو الدافع الرئيسي والدينمو المحوري لثورة النقد وضجيج تعز الإعلامي والسياسي وليس كما يزعم البعض ويدعي بان ثورة النقد والإعلام في تعز أتى نتاجاً لمساحة الحرية التي منحتها الجهة الفلانية كهبة ومنحة للناشطين لممارسة حقهم في الرأي والتعبير والنقد وخلافاً على ماهو حاصل في المحافظات والمناطق الاخرى كون ذاك الإدعاء المزعوم ليس بصحيح البته.

فالحرية سمة إنسانية تراكمية مرتبطة بهدف ومشروع ينالها من يناضل من أجلها لتحقيق هدف منشود وفي أي ظرف كان وفي ظل أي من سلطات الواقع وبمختلف المسميات كونه حق إنساني لذوي النضج والعزيمة.. وحتماً سينالها هنا وهناك كل من أراد أن يحصل عليها وبمفهومها الأوسع وليس حصراً في حرية التعبير أو الكتابة لمنشورات ناقدة.

اعود مجدداً لأوكد بان ما تمتاز به تعز ومنذ سنوات من ظاهرة نقد وتقييم وتحليل وسخط ومعارضة وتصعيد إعلامي خلافاً لمعظم المحافظات الأخرى على مستوى اليمن عموماً لم يأت إلا نتاجاً لتواجد الدولة في تعز أكثر وبكثير جداً عن غيرها شمالاً وجنوباً.

وهي الدولة التي ناضل المجتمع التعزي بوعيه ونضجه في سبيل تحقيقها وهي الدولة المطلب الشرعي والاستحقاق الوطني والدستوري الذي عملت السلطة المحلية في تعز على تكريس ممارستها سلوكاً عملياً على الواقع إلى مستويات جيدة نسبياً مقارنة بالمحافظات الأخرى المحررة وكذا الخاضعة لسلطات مليشيا الإنقلاب الحوثية.

تعز وتعز وحدها هي المحافظة المتفردة بتمسك أبنائها وسلطتها المحلية برمزية الدولة دون قبول بالتفريط لعقد الدولة.. ففي تعز رغم كل ذاك العبث المليشاوي المسلح المعكر لصفوها من حين إلى آخر ورغم ما يشوبها من انفلات عسكري معيق لبناء مؤسسات الدولة إلا أن المجتمع والسلطة المحلية والمكونات السياسية والقبلية جميعهم يرفضون سلطات الملشنة أي كانت وتحت أي مسمى كان كبديل للدولة.

حقيقة يجب أن نعترف بان تعز عقب وأثناء معارك التحرير تفردت عن غيرها بالتوجه نحو إعادة بناء الدولة وأستطاعت وبجداره أن تجذب الأضواء نحوها وأن تجبر الأقلام جميعها الناقدة والمادحة المؤيدة والمعارضة وعلى مستوى اليمن بأن تكون تعز عنوان أبرز بسطور عريضه على صفحات الإهتمامات اليومية.. وذلك لسبب واحد متمثلاً في أختزال الدولة حصرياً في تعز منذ وقت مبكر.. مما جعلها أمام الإعلام ولدى الناشطين والسياسين موضع تقييم للأداء ونقد للاختلال وسخط رافض للإنحراف أو الانحدار نحو الفوضى.

لربما تعز دون سواها أو أكثر من غيرها لديها محافظها الحالي (نبيل شمسان) كفقيه دستوري الأكثر حساسية مفرطه تجاه النصوص القانونية إلى مستوى حدها الأدنى رفضاً لأي إجراء مخالفاً لنص قانوني أو خروج عنه ولو كان واقع التنفيذ غير مؤهل للنص الحرفي.

إلا أنه ورغم الظروف الإستثنائية كقل ما نجده يستميت في التمسك بالنصوص القانونية ولو كان ذاك الإجراء حبراً على الورق.. فهو بالنسبة له تجسيد لسلوك عملي يستهوي الدولة وبما يعزز التوجه بخطوات متقدمة نسبياً نحو إعادة بناء الدولة ودعم مؤسساتها.. مما جعل ذاك السلوك تعزيزاً داعماً وبدرجة إيجابية كبيرة لتعزيز تواجد الدولة التي تولدت في تعز من نضج المجتمع وتكريساً لجهود السلطة المحلية الحالية.

وترجمة عملية بل وثمار قانونية مؤسسية لجهود سابقة بذلها المحافظان السابقان (علي المعمري و أمين أحمد محمود) خلال فترات سابقة صعيبه جداً تخلقت خلالها فكرة إعادة بناء الدولة.. ونتاج أيضاً لتضحيات ونضالات أبطال الجبهات الشرفاء الوطنيين منهم الذين قدموا التضحيات في سبيل إعادة بناء الدولة رفضاً للملشنة ورفضاً للقبول بسلطات العصابات أي كانت كبديل للدولة.

وهنا أكرر التأكيد بان تواجد الدولة واختزال رمزيتها في تعز ومنذ وقت مبكر كان ومازال هو العامل الرئيسي والدافع المحوري لثورة النقد الإعلامي الذي تضج به تعز من داخلها ومن خارجها.. وإنما تواجدت الدولة وتحقق بعض من الإنجاز فهناك يكون النقد ويتصاعد ضجيج الإعلام.. فلا نقد إلا لدولة وما البدائل أي كانت دون الدولة فلا يجدي معها النقد ولا ضجيج الإعلام.

تعليقات الفيس بوك
Exit mobile version