سام الغُباري
في قاموس المعاني، تفسير متعدد لعبارة “العِجري” أدقها: مد ذنبه نحو عجزه وهو يجري، إنه وصف دقيق جدًا في حالة “عبدالملك العِجري” ولمن لا يعرفه فهو أحد قيادات الصف الخلفي في ميليشيا الخوثي الإرهابية، يسكن مسقط عاصمة عُمان، ويكتب تقاريرًا شبه يومية إلى جهاز السافاك الإيراني عن حالة “محمد عبدالسلام” ناطق الميليشيا الشهير بفساده النفطي والمالي. كما يتولى شؤون مركز الدراسات التابع للميليشيا.
إنتقلت عائلة العِجري المعروفة بتشددها المذهبي من مديرية حيدان في صعدة إلى مديرية ضحيان، طلبًا للدروس الزيدية الخاصة، وظلت مرابطة في هناك، ذات مرة كتب العِجري عن الثأرية في ثورة ٢٦ سبتمبر الخالدة، غافلًا ذكر أسباب “الحالة الثأرية” لدى جمهور اليمانيين الذين ساندوا الثورة، وهذه معضلة كل الأسر التي تزعم انتماءها العِرقي إلى الخليفة الراحل علي بن ابي طالب رضي الله عنه.
في المشهد التاريخي العريض، يبرع المنتسبون إلى عليّ في تدوين لحظات دمائهم المسفوحة بمختلف المؤثرات، والكتب، والأقلام، حتى تطغى على ما عداها، في تجسيد مذهل لفنون الفارسيين في الحكايات والأساطير، متجاهلين أسباب الموت المحيط بهم، وهذه عُقدة الإضطهاد التي جعلتهم يتذكرون مظلوميتهم دون أن يجدوا فرصة عاقلة للحديث عن ظلمهم، وثأريتهم الباطنية التي تخرج كالوحش في لحظة إسقاط الدول والأنظمة التي تحرمهم الولاية السياسية على المسلمين.
حدث هذا الثأر منهم آلاف المرات على امتداد السنين والجغرافيا الماضية، وقد بدى متركزًا في اليمن التي بُليت بالمذهبية الزيدية – الهادوية – المذهب الذي يضاف إليه مع كل إمام نصوصًا موغلة في الحقد والدموية والعنصرية والثأرية المعلنة، فمن مجاميع بن حميدان إلى رسائل وكتب عبدالله حمزة، ثم احمد بن سليمان، فالمهدي، والمنصور والمتوكل، وشرف الدين، بسلاسل أسمائهم جميعًا يأخذك الروع وأنت تقرأ ما كتبوا دون خجل، تدوينهم الفاضح لأبشع مجازر ضد الانسانية والمدنيين اليمانيين العُزل.
عندما انتقل المفهوم الزيدي الخاص بالولاية إلى ايران عبر حركة خميني، ارتدت إيران اللباس الزيدي بقلب جعفري، وشهد العالم والمنطقة تلك الحالة الإرهابية التي ظلت حبيسة الركن اليماني لقرون عديدة، تمدد الوحش وصار له أتباع وجغرافيا وبحر سائل من النفط والأموال، وكأن عقوبة إهمال اليمانيين في صراعهم مع الخرافة قد بدأ خريفه المتساقط مع المحيط العربي بدءً بلبنان ثم العراق فسورية، وأجزاء من اليمن الحزين على الدوام.
في هذا التوقيت الذي صاحبه حروب لم تنته منذ العام ٢٠٠٤م كان نائب رئيس مجلس القيادة اليمني “طارق صالح” أحد أبرز القيادات الرسمية الذين صرحوا علنًا بالسؤال عن “مصير عبدالملك الخوثي” في حال انجاز اتفاق سلام حقيقي مع ميليشياته، قائلًا: ما هي وظيفة عبدالملك، خطيب جُمعة؟ رئيس جماعة؟ أم ماذا ؟
الزيدية أصلًا صُمِمت لتحكم، فإن لم تحكم، فإنها تنشط بـ “باطنية خطرة” لإسقاط الحاكم غير المنتمي لأسرة هاشمية، وتعتبره “غاصبًا للسُلطة” وما إن يبدأ التمرد المسلح حتى ينتهي وسط صنعاء، وإذا ما استكان لعدم وجود عدو، يقاتل الهاشميون بعضهم بدماء اتباعهم، فكل واحد منهم يرى نفسه أحق بالولاية من ابن عمه، وفي ظل تشكيلات قتالية مسلحة مناوءة للميليشيا الخوثية، يصبح عبدالملك الخوثي مشكلة أكبر من كونه جزءً من الحل، والسبب بسيط: أن الزيدية التي يمثلها عبدالملك لن تقبل على الإطلاق وجود شريك له في السلطة، والحل الأكثر سلامة للجميع إسقاطه بالقوه، وذلك ما يبدو غير مقنع لأطراف إقليمية ودولية – في الوقت الحالي على الأقل –
هنا يتلاعب “العِجري في توضيح تصريحاته غير القابلة للبس مع مجلة اتلانتك الأميركية، يقول مُبررًا: أن عبدالملك الخوثي محبوب من جماعته، ولا يستطيع أحد أن يقنع الآخر بعدم محبة هذا أو ذاك. مع انتهاء التبرير الذي غلّفه بحُجج واهية، وإشارات فلسفية تدور كلها في فلك واحد، عنوانه الكذب، نعم إنه يكذب، وتجربتنا الطويلة معهم، تؤكد أنه يكذب.
في سردية جميلة لخروج آدم عليه السلام من الجنة، يقول القرآن أن إبليس قاسمه وزوجه اليمين على أن الشجرة المنهي عنها تمنحهما الخُلد، لم يدر بخلد أبوينا أن أحدًا يمكن أن يحلف بالله كاذبا، لم يكن لديهما تجربة يقيسان عليها وعيهما ويحذران من إبليس، وقد تعلما من خطأهما بالهبوط إلى الأرض والخروج من الجنة.
إن عبدالملك العجري يحلف، وقبله حسين بدر الدين، وعبدالملك طباطبائي وكل القيادات الخوثية تحلف، لم نصدقها في ٢٠٠٤م، وصدقتهم المعارضة، وحلفوا لعلي عبدالله صالح وهو في شك منهم، وكذّبتهم المعارضة التي تقاسمت الحُكم مع جناح عبدربه منصور هادي، واقتسم الكذابون الخوثيون فرقًا وجماعات وأهواء، حتى انتهوا من كل المكونات اليمنية، والقسم بالله يدوي في السماء، يُفزع الطير، وتصرخ منه الجبال، وفي نهاية الخدعة يظهر مشهد قسم دستوري لحسين بدرالدين يحلف اليمين المغلظة بحماية الجمهورية والدولة والوحدة، ولكنه كان يكذب، وقد صدّقه وكذّبه الناس، احتاروا في النكايات حتى أُخرِجوا من ديارهم، أخرجهم الكذابون، وهم يضحكون، كما ضحك إبليس على جدّنا آدم وزوجه، وها نحن نقاسي هبوطنا إلى أوطان أخرى، وقد كُنا في جنتين عن يمين وشمال، كلوا من طيبات ما رزقناكم، قالها الله، فلم نعقلها، وصدّقنا إبليس
فهل من مُدّكِر ؟