خالد عليان
منذ أمد بعيد وتحديدا في الأول من أكتوبر عام 1949م كان مؤسس جمهورية الصين الشعبية الزعيم ماو تسي تونغ قائد الثورة ورئيس الحزب الشيوعي يضع الصين على طريق جديد معتمدا على الثورة الشعبية وقوة الجيش واستطاع “ماو” ان ينهض بالصين من ركام الحروب الى دروب الحرية والاستقلال ورغم ظروف قاسية كثيرة، وتعاقب حقب زمنية، وتغير قيادات عسكرية أسهمت في صناعة نهضة صينية.
لكن التاريخ الذي توقف عند أفكار الزعيم “ماو” فتح ذراعيه لشخصية استثنائية في تاريخ الصين الحديثة، واحد كم أقوى الزعماء في تاريخ الصين الحديث واكثرهم تأثيرا على مستوى العالم، الرئيس شي جين بينج الذي نقل الصين من المحلية الى العالمية، ومن الاحتياج الى الإنتاج ، ومن دولة تعاني الفقر والبطالة الى ثاني اقتصاديات العالم ترقى الرئيس في المكانة العسكرية والسياسية حتى أدرجت أفكاره التنويرية في دستور الحزب الشيوعي.
شهدت الصين وما تزال في عهد الرئيس شي جين بينج عهد الازدهار الاقتصادي وزمن القوة الصينية على الساحة الدولية فلم يكن الرئيس الصيني ملهما على الرقعة الجغرافية الصينية الشاسعة فحسب لكنه كان صاحب أفكار إبداعية ورؤى عميقة تخدم الانسانية وتؤسس لشراكة مجتمعية وعلى رأس هذه الأفكار جاءت فكرة بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية والتي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013م.
يهدف هذا المفهوم الجديد الى التعاون المتبادل والتنمية المشتركة بين الدول والشعوب ، ويشجع على تبادل المعرفة والتكنولوجيا والثقافة من أجل تحقيق التنمية المستدامة ، كما يعزز مفهوم العدالة والمساواة الاجتماعية والاقتصادية.
تسعى فكرة الرئيس الصيني لسد الفجوات بين الدول الغنية والفقيرة وتشجع على حماية البيئة والاستدامة من أجل الأجيال الحالية والمستقبلية وهي تسهم في اعلاء روح التفاهم والتسامح بين مختلف الثقافات والأديان وتعزز من قيم الحوار والتبادل الثقافي.
في عالم اليوم المتغير لا مكان محجوز لبلد او إقليم بمفرده ولا مستقبل مضمون للفردية والتسلط فالأحادية ليست مستدامة، والتعددية هي روح العصر والسبيل لبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية جمعاء وهي الحصن المنيع لمواجهة آثار التحديات.
لم يعد الكوكب ملكا لقوة عسكرية او اقتصادية واحدة والمحاولة لفرض ذلك باستخدام العنف او الاستحواذ على القرار اصبح ضربا من المستحيل فالمتأمل لتطورات تقنيات العلوم وطفرة الاتصالات الحديثة يدرك ان العالم أصبح متقاربا ومترابطا ومتشاركا أكثر من أي وقت مضى، وأن الفضاء الإلكتروني أضحى منصة للجميع.
وهذا يحتّم على البشرية أن تعمل بصورة مشتركة لتحقيق الأمن والأمان لهذه العلوم ومنتجاتها العملية. وليس الفضاء الإلكتروني وحده الذي يستوجب التعاون الدولي المشترك، فهناك قضايا مصيرية ترتبط بحياة الكوكب الذي نعيش فيه كقضايا المناخ والصحة العامة وحماية البيئة وتأمين ممرات التجارة العالمية وصون حياة البشر من الحروب التقليدية والالكترونية.
وهذا لن يتحقق إلا بإيمان الجميع باننا نعيش مصيرا مشتركا وان العالم على متن سفينة واحدة في بحر متلاطم الأمواج ولا مجال لترك احد من ركاب السفينة ان يفتح ثقوبا فيها حتى لو ادعى احقيته في مقصورته فأي خرق في السفينة سيغرق الجميع دون استثناء وهو ما يشعرنا باننا جميعا معنيين في الحفاظ على المصير المشترك واعلاء قيم الاحترام والمساواة والعدالة وتشاطر ثمار التنمية العلمية والاقتصادية.
لقد أصبح فكر بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية ضامنا أساسا لعدم الاستحواذ على القرار الدولي لأصحاب النفوذ او لطغيان المصالح الفردية على المصلحة العليا الجمعية هذا الفكر الذي طرحه الرئيس الصيني شي جين بينغ، تم تضمينه في وثائق الأمم المتحدة وجمعيتها العامة في نوفمبر عام 2022م وهو فكر يهدف أساسا نحو تعزيز السلام العالمي، ودفع التنمية المشتركة. وهو خطوة جادة في تشاطر التجارب التنموية ومنافعها وربطها مع تنمية البلدان الأخرى حتى تلك الفقيرة ومحدودة الموارد.
إن العرب والصينيين يرتبطون بمستقبل ومصير مشتركين، وعلاقات تقليدية على مدار مئات السنين، ولعل أبرز ما يميز العلاقات العربية والصينية هي الثقة المتبادلة والمصداقية منذ طريق الحرير القديم وعلى مدار تاريخها الممتد لألفي عام على الأقل.
إن الراصد لتاريخ العلاقات بين العرب والصين يجدها غنية بمحطات مضيئة فكلاهما تبادلا الدعم والمساندة والتفاهم على طول مسيرة النضال من أجل التخلص من الاستعمار والتحرر من التبعية، وكلاهما مثلا الصوت العالي في الدفاع عن حق البلدان النامية في العيش على الكوكب والتشارك في التنمية في كل المحافل الدولية.
وهو ما جعل الصين تمد جسور التقارب نحو المنطقة العربية حيث شهدت السنوات الأخيرة أنشطة عديدة مشتركة وزيارات بينية كبيرة على راسها زيارة الرئيس الصيني الى المملكة العربية السعودية وعقد قمتين عربية صينية، وخليجية صينية تجسيدا لفكرة المصير المشترك الذي يربط الأمتين العربية والصينية العريقتين في التاريخ والحضارة.
دون شك ان العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول العربية والصين تطورت كثيرا في مجالات كبرى خاصة مجال الطاقة والاستثمار.
كما نشطت منصات فعالة مثل منتدى التعاون الصيني – العربي، وآليات تعاونية وتشاورية وتنسيقية أخرى على المستويات القيادية والوزارية والمؤسساتية والشعبية أسهمت في تقارب بين الثقافات العربية والصينية وأصبحت كثير من الدول العربية تعتمد اللغة الصينية في التدريس وتبث اعمالا إعلامية ودرامية صينية وتترجم الكثير من الاعمال الثقافية والفنية والتاريخية الصينية الى العربية وهو أيضا ذات الحراك في الصين الذي تدرس اللغة العربية في جامعاتها وتوسع من افق الشراكة بين الصين والعرب التجارية والثقافية والإعلامية.
لم تكن فكرة “مجتمع مصير مشترك للبشرية” عبارة عن تنظير فلسفي أو أطروحة للاستهلاك السياسي أو بحثاً عن زعامة قومية لكنها كانت بالنسبة للصين مشروعا حضاريا ومنهجا عمليا طرحت من اجل تحقيقه مبادرات متعددة لتمهيد الطريق نحو تعاون مشترك مع مختلف الدول، من أبرزها مبادرة “الحزام والطريق” وصندوق الصين للتعاون وصندوق الصين والأمم المتحدة للسلام والتنمية بالإضافة إلى عدة مبادرات حول التعاون البيئي والصحي والعلمي وغيرها من المجالات المشتركة الأخرى.
لقد اسمع الرئيس الصيني شي جين بينغ العالم رؤيته حول المصير المشترك للبشرية، في محافل دولية مختلفة وفي مناسبات رسمية متعددة لقد حول الرئيس فكرته من رؤية صينية ذات طابع وطني الى موقف عالمي وشهدت فعاليات قمة منظمة شانغهاي للتعاون، ومنتدى التعاون الصيني- العربي، ومنتدى بوآو الآسيوي ، والدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقمة مجموعة العشرين، وغيرها من المحافل الدولية اشهارا لمفهوم “المصير المشترك للبشرية” الذي يسعى لتحقيق السلام والتنمية والإنصاف والعدالة ويحقق القول المأثور في الحكمة الصينية القديمة : “عندما تسود مبادئ الحق يكون العالم ملكا لجميع البشر”.
* كاتب وصحفي يمني