وداد الدوح
السياسة هي( فن الممكن ) الذي من خلاله يتم تغيير الواقع السياسي بناء على حسابات القوة والمصلحة، أما الخضوع للواقع السياسي كما هو دون تغيير فهو دليل على قصور في الرؤية وهو الذي سيؤدي حتماً إلى الفشل والسقوط.
وقياساً على الوضع السياسي في الجنوب وفي الجمهورية العربية اليمنية فإن طول أمد الحرب كان نتيجة لعدة حسابات من أطراف الصراع في الداخل والخارج، إضافة إلى التوازنات الإقليمية والدولية، ولم يكن فقط بسبب تعنت الحوثي ورفضه للسلام ونقضه لكل الاتفاقيات السابقة، كما لم يكن أيضا ً بسبب قوته التي لاتقهر كما يروج لنفسه إعلاميا ً و إلا لما تقهقر وانهزم في الجنوب حتى وصلت القوات الجنوبية إلى مشارف ميناء الحديدة واوقفتها حسابات وتوازنات إتفاقية ستوكهولم التي مكنت الحوثي من التقاط أنفاسه وإعادة ترتيب أوراقه مرة أخرى.
وفي ظل هذا الوضع السياسي الذي يتحين فيه كل طرف سقوط الآخر للانقضاض عليه، تبقى كل الأسلحة متاح استخدامها للضغط على كل الأطراف داخليا واقليميا ودوليا.
فالطرف القوي هو ذلك الذي يمتلك قوة السيطرة على الأرض عسكرياً وقوة التأييد الشعبي وعدم التردد في اتخاذ القرارات المصيرية ومن خلالهما يستطيع فرض واقع متغير.
وهذا يعيد بنا الذاكرة إلى الأمس القريب تحديداً إلى صيف ١٩٩٤ حرب اجتياح الجنوب من قبل نظام صالح، وهو الذي استفاذ من قوته العسكرية التي بناها خلال الاربع السنوات بعد إعلان الوحدة اليمنية على أنقاض القوات الجنوبية والسلاح الجنوبي وساعده في ذلك تأييد أبناء الجمهورية العربية اليمنية بتعدادهم السكاني الكبير( ثلاثة إلى أربعة أضعاف عدد سكان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية).
حينها اجتاح صالح الجنوب بما يملكه من أسلحة وقوة عسكرية وتأييد شعبي شمالي، و فرض نظامه آنذاك تغيير الواقع السياسي والجغرافي للدولتين حتى تم تأكيد الإعتراف به إقليميا ودوليا تحت مسمى (الجمهورية اليمنية).
وبالعودة إلى المشهد اليوم فأن المجلس الإنتقالي الجنوبي و قبل أن يصل إلى مرحلة فرض أمر واقع يستعيد فيها دولته الجنوبية و ينتزع من خلاله الإعتراف الدولي،فأنه لازال يواجه أكثر المراحل صعوبة واشدها خطورة حيث أن بعض الأطراف الإقليمية والدولية ووفقا لحساباتها ترى أن وجود المجلس الإنتقالي الجنوبي لا يتناسب مع مصالحها ولكنها تتعامل معه من منطلق الواقع المفروض على الأرض.
قوة المجلس الإنتقالي الجنوبي اليوم يجعل منه الطرف المطلوب ترويضه كخطوة استباقية لأي موقف مستقبلا من شأنه أحداث تغيير في الواقع السياسي، وهو بالفعل ما يمر به المجلس الإنتقالي الجنوبي اليوم في الضغط عليه من خلال تضييق الخناق و افتعال الأزمات بعدة ملفات، منها السياسية و الاقتصاديّة والخدمية و الأمنية، من أجل أن يؤثر ذلك سلبا على قاعدته الشعبية والتي أن تأثرت سيؤدي ذلك إلى افشال المجلس الإنتقالي الجنوبي وهو الذي سيحول دون ان يصل إلى مرحلة فرض أمر واقع والذي من خلاله يستطيع انتزاع اعترافا دولياً يحسب له.
أما الطرف الذي يفتقد أحد القوتين أكانت القوة العسكرية أو قوة التأييد الشعبي، فهو الطرف الأكثر مراوغة وهو الذي يسعى إلى تعويض ذلك عبر افتعال الأحداث واستعراضها والمساومة عليها لصالح ملفات أخرى يحتاجها في مناوراته السياسية لتقوية موقفه وهو النهج الذي تتبعه جماعة الحوثي تارة بقصف المملكة العربية السعودية ودولة الأمارات و تارة أخرى عبر ادعاء مناصرة غزة، وما قامت به من إستعراض مهاجمة السفن وتهديد الملاحة في البحر الأحمر.
يبقى هذا الطرف( الحوثي) في محاولة دائمة للتسويق لنفسه و إمكانياته عبر مغامراته الطائشة براً وبحراً وجواً وذلك حتى يضمن تموضعه في العملية السياسية القادمة بنصيب أكبر من المتناسب مع واقعه.
وفي الأخير يبقى هناك سؤال يحتمل الممكن واللا ممكن وهو : هل كان للحوثي أن يستعرض أو يناور أو يبحث عن تسوية سياسية أو اتفاقية أو حوار مع الطرف الجنوبي المتمثل بالمجلس الانتقالي الجنوبي لو كان هو المسيطر اليوم على الجنوب ولم يتم هزيمته، أم أنه كان سيستفيد من سياسة( الفن الممكن) لتغيير الواقع لصالحه سياسيا وجغرافيا، أسوةً ( بصالح) كبيرهم الذي علمهم السحر ؟