فيصل الشبيبي
شهر كامل قضيته في مدينة المخا بمحافظة تعز على شاطئ البحر الأحمر، تنفست فيه عبير الدولة والنظام والقانون والأمل بعودة الجمهورية، استعدت ذكريات الماضي ولمست مفهوم دولة المؤسسات الذي تعودنا عليه قبل انقلاب مليشيا الحوثي.
قبل مجيئي إلى هذه المدينة المشاطئة حيث أقدم ميناء في جزيرة العرب يستعيد نشاطه تدريجيًا ويجاوره مطار دولي حديث، كنت قد استمعت إلى انطباعات جمة لآخرين سبقوني في زيارة المدينة، والساحل الغربي عمومًا، وعادوا يشيدون بحضور النظام والقانون والانضباط والمشاريع الخدمية التي تم تحقيقها خلال الخمس السنوات الماضية؛ إلاّ أنه كما يُقال: “ليس من رأى كمن سمع”، فعندما تعايش كل ذلك بنفسك تجد الفارق الكبير بين ما سمعته وما رأيته.
لم أدرِ من أين أبدأ وأنا أتحدث عن أبطالٍ هاماتهم تعانق الجبال، شموخًا ووفاءً ومحبةً لوطنٍ جريحٍ تعبث به عصابة مارقة جاءت من أدغال الزمن الغابر، عن مقاتلين يحرسون الشريط الساحلي من أطراف التحيتا حتى باب المندب، وجنود يأخذون مواقعهم بيقظة على امتداد خطوط النار مع العدو الحوثي.
جنودٌ وضبّاط من مُعظم محافظات الجمهورية، إخوة متحابون تسودهم الألفة والاحترام وتجمعهم أهدافٌ ساميةٌ نبيلة، تهون أمامها كل التضحيات. في المجمل يشكلون خارطة بشرية لليمني من كل بقاع الجمهورية، تختلف لهجاتهم، لكن العامل المشترك الذي يجمعهم إيمانهم بقدسية المعركة التي يخوضونها وإصرارهم على استعادة الدولة وإسقاط الانقلاب.
انضباط، احترام مُتبادل، نكران للذات، استعداد للتضحية بالنفس والدم والغالي والنفيس من أجل استعادة الوطن والحرية والكرامة التي صادرتها مليشيا البغي والضلال الحوثية.
تعلّمتُ مِنْ هؤلاء الأبطال معنى التضحية ومعنى الوفاء والصبر والشجاعة والإصرار وقوة الإيمان بعدالة القضية التي تركوا كل المغريات وجاءوا للقتال من أجلها.
تيقّنتُ كم أننا صغار أمام تضحياتهم ووفائهم وصبرهم وجَلَدِهِم وبأسهم الشديد، وأمام شموخهم وعزيمتهم التي لا تهزها العواصف.
تجدهم يعيشون بين حرارة الشمس العالية والرياح العاتية، والطقس المُتقلِّب، ومعنوياتهم تعانق السماء، إيمانًا بعدالة قضيتهم، ينتظرون بفارغ الصبر ساعة الخلاص من هذه المليشيا الباغية.
الأجمل فيما شهدته هناك، هو المحبة والوفاء والاحترام المُتبادل بين الجنود والقيادة، احترامٌ تسوده الثقة والمصداقية، ومما زادهم صلابةً وتماسكًا وقوة، اهتمام القيادة بهم تدريبًا وتأهيلًا وعلاجًا وقُربًا.
لا خوف على الجمهورية وهؤلاء الأبطال هم حُراسها، لا خوف وهؤلاء المؤمنون جنودها هم وإخوانهم الأبطال المرابطون في كل جبهات القتال (صعدة- تعز- الضالع- البيضاء- الحديدة- شبوة- مأرب- لحج- الجوف- حجة)؛ فهم اليمن الحقيقية، وسورها الحصين ودرعها المتين.