مصطفى محمود
مدخل
يوماً بعد يوم تثبت اجهزة اجهزةامن الدوله في العالم انها من اهم مقومات الدولة في حماية شعوبها ومصالحها وادوارها , ويشير مستقبل جهاز امن الدوله في عصر التقنيّات الرقميّة المتقدّمة الى اتساع يجبر الاجهزة الاستخبارية الى ان تتطور بموازاة التقدم التقني والسيبراني في كافة المجالات , وكما ان الحروب تطور الاسلحة , فان الحروب الباردة تتسبب في سباق استخباري وانتاج تقنيات استخبارية جديدة وهو ماسيشهده المستقبل القريب لاسيما في افرع اجهزة امن الدوله الفنية ومفاصل التحليل الامني على حساب افرع الاستخبارات الاخرى .
———————————————-
جهاز امن الدوله الفني سلاح المستقبل
———————————————-
مادامت البشرية لم تفنى الى الان بنزوات نووية تهدد بمحوها , فإن اي تفكير بالمستقبل الأمني سيرتبط في باب التقنيات والبرامجيات , فمن يلقي بنظرة على التقنيات الحديثة وتلك التي في طور التحديث يجدها تتركز على الجانب الامني والاستكشافي والاستطلاعي , فالتطور في مجالات الحياة الاخرى يعد محدوداً للغاية حين تقيسه بالتطور التجسسي , فجهاز التكييف والمروحة والثلاجة وتصاميم الاثاث والاجهزة المنزلية والميكانيكية وحتى السيارات لم تشهد الا تطويرات طفيفة لاتقاس بتطور اجهزة برامجيات التجسس , وحتى لو حصل تطور في اجهزة السيارات كاجهزة الGPS فهي تطويرات لتقنيات اساسها رقابي تجسسي , وحتى لو حصل العكس وجرى تطوير لجهاز علمي مدني , فسرعان ما تتلقفه المختبرات الاستخبارانيه وتطوره لصالحها كما في الانترنيت او في طائرات الاندرويد التي بدت كلعبة للهواة .
من هنا كانت وستبقى الجرعات التكنولوجية في خدمة عالم الاستخبارات بالدرجة الاولى سواء الاستخبارات الهجومية – التجسس والاختراق – او الدفاعية – مكافحة التجسس والاختراق – , فترى التطور في اساليب وتقنيات المراقبة والتنصت والرصد والاختراق الفني وهي تصل لحدود غير متصورة , فيتم التجسس عبر اشعاع ليزري او غيمة الكترونية او حشرات صغيرة الكترونية , وسنتناول بعض المحطات التي يبرز فيها مستقبل جهزة امن الدوله مع ملاحظة اننا حين نقول التطورات المستقبلية ونسرد امثلة عما يحصل في الوضع الحالي فلاتناقض , فالتقنيات التي يكشف عنها هي تجريبية يجري تطويرها ويكشف البعض منها من قبيل الجنود الاليين والدروع الموجهة عن بعد والخالية من الاطقم البشرية , فلاتزال جعب مراكز التطوير الاستخباري والامني تعد بالمزيد من الاسرار للمستقبل , ولايزال ماكشف هو مايظهر من قمة الجبل الجليدي وماخفي كان اعظم.
———————–
الطائرات بلاطيار
———————–
قبل 20 عام لم يكن احد يصدق ان الطائرات المسيرة سوف تكون سيدة الجو , واذا بها تدخل في مجالات متشعبة امنيه وقتالية ومدنية , فهي تراقب وتتنصت وتعمل كانذار مبكر وتعمل في الانقاذ ,وتغتال وتلقي القنابل وتقوم بادوار الكاميكاز الانتحاريين , وفي ذات الوقت تطفيء الحرائق وتعمل في الاسعاف والبريد وحتى في الدلفري , ومن المتوقع استخبارياً ان تصبح من اهم الاسلحة الجوية وتستولي على مهام كثيرة للطائرات التجسسية والقتالية التي ستزداد ساعات مكوثها في مرابض الطائرات وفوق الحاملات , عدا عن ان الطائرات بدون طيار ذات كلفة تشغيلية وتصنيعية منخفضة للغاية اذا ماقورنت بكلف الطائرات وتدريب الطيارين , ويبدو انها ستكون مقلقة لأجهزة امن الدوله في المنطقه العربيه حيث ان مختبرات تطويرها في دول بعينها له دلالته كايران وتركيا , عدا عن الحركات الارهابيه كالحوثيين او التنظيمات الارهابية الاخرى , وهذا الامر سيخلق تحديات استخبارية مستقبلية .
—————————-
مدفع رشاش عن بعد
—————————-
كما ستتوسع الاجهزة الاستخبارية والدول في استخدام اسلحة اخرى كانت تحتاج الى البشر حتى وقت قريب كالمدافع الرشاشة والبنادق , فالكشف مؤخراً عن ان اغتيال كبير العلماء النووين الايرانيين محسن فخري زادة كان برشاش موجه عن بعد الاف الكيلومترات !!! هو امر يشير الى اسلحة عملياتية من صلب الاستخبارات باتت تعتمد على التقنيات المستقبلية , فالاسرائيليون الذي قاموا بعملية الاغتيال التقنية الناجحة هم انفسهم من افتضحوا قبل عقد من الزمان حين اغتالوا المبحوح في ابي ظبي بالطرق الكلاسيكية البشرية حين كشفتهم تقنيات الكاميرات التي تبرع بها اسرائيل ذاتها , وهي مفارقة تشير مثال عما سيؤول اليه تقنيات عملياتية اجهزة امن الدوله
—————————————–
سيطرة سيبرانية على الناخبين
—————————————–
سيكون العنوان الامني المستقبلي مرتكزا على امتلاك التقنيات والبرامجيات في الدفاع والهجوم السيبراني المقلق , ولعل مانراه من نتف الاخبار عن آثار الهجمات السيبرانية ودورها في التغييرات السياسية مايثير القلق , فالتدخل والتلاعب السيبراني المتنوع في الانتخابات , والفرز ومزاج الناخبين في البلدان التي تعتمد على الاليات الديموقراطية لم يعد يقتصر على الدول الصغيرة والانظمة الفاشلة , فامريكا اتهمت روسيا والصين وايران بتخريب انتخاباتها , وهاهي الصين تتهم قبل فترة قصيرة امريكا بذات الاتهام على بلادها , ونكاد نجزم ان كافة الاتهامات من كافة الجهات لاتجانب الحقيقة في الكثير من جوانبها , وان كان كل الاطراف يخفون الآليات التقنية التي تتم فيها تلك التدخلات .
——————–
اسلحة محرمة
——————–
وسيحمل المستقبل مواقف قد تبدو الان سوريالية , فقد يستوعب العالم ان هنالك دول تهيمن على الاسلحة النووية وتمنع اية دولة من خارج النادي النووي من امتلاكها مثل السقيقه السعوديه , ولكن مابالك لو اتى لنا المستقبل بتقنيات وبرامجيات استخبارية وسيبرانية متطورة قادرة على تدمير اي بلد وانهيار خدماته , لاتستغرب حينها ان يولد نادي سيبراني على غرار النادي النووي يقتصر امتلاك تقنيات وبرامجيات معينة على اعضاءه والويل لمن يسعى لامتلاكها من خارجه !!!.
.
————————————–
مسرح جديد لتجريب لاسلحة
————————————–
كانت الحروب العسكرية لاسيما الاولى والثانية وكذلك حرب الخليج واحتلال العراق وافغانستان ذات فوائد جبارة لشركات تصنيع السلاح في العالم , فالحرب طورت اسلحة الجو مثلما طورت مقاومة الطائرات وطورت الدروع مثلما طورت اسلحة مقاومة الدروع , فلا أرحب من سوح القتال في تجريب الاسلحة وتطويرها .
الامر ذاته ينطبق على الحروب الاستخبارية , ففي سني الحرب الباردة (1949 – 1989) بين الاتحاد السوفيتي وامريكا , تطورت الاساليب الاستخبارية والتجسسية بشكل هائل , فتجد طائرة تجسس امريكية مطمئنة استخباريا على انها تطير بارتفاع لاتطاله اية مدفعية مقاومة سوفيتية للطائرات , فكان اسقاطها كارثة استخبارية امريكية وازمة عالمية عام 1960, كما كانت حيلة انهاك الاتحاد السوفيتي ببرنامج حرب النجوم المرهق اقتصادياً , وكذلك فكرة الحروب بالنيابة بين البلدين , كل ذلك ادى الى انهيار الاتحاد السوفيتي , لكن تلك الحرب ادت الى تطورات هائلة في القدرات والتقنيات الاستخبارية للطرفين .
الان هنالك حرب باردة تشتد بين المحور الغربي بقيادة امريكا بالتحالف مع دول الناتو في قبالة محور الصين وروسيا وباكستان وايران , وتختلف هذه الحرب الباردة عن سابقتها ان الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي وامريكا كانت معركة امنية , فالتهديد السوفيتي كان بالنفوذ الامني مع اقتصاد مخلخل , مقابل امريكا القوية اقتصادياً , فسهل على الامريكان توريط السوفيت بمعارك جانبية مرهقة اقتصادياً كافغانستان وحرب النجوم , فانهار الاتحاد السوفيتي بسبب الضعف الاقتصادي .
اما الحرب الباردة الحالية فهي حرب وجود بين الصين عملاق الاقتصاد العالمي الصاعد وامريكا التي ادت مغامراتها في عشرات الدول في الشرق الاوسط وآسيا الوسطى وافريقيا الى خسارات تتجاوز الثمانية ترليونات من الدولارات وازمة اقتصادية بسبب كورونا عدا عن جروح في كبريائها في افغانستان وازمة ثقة حلفائها الاوروبيين بها عدا عن انها مدينة بترليونات عديدة لعدوها الصيني.
فهذه الحرب الجديدة لاتنفع معها اساليب الانهاك الاقتصادي وتحتاج الى تكتيكات اخرى ستكون اجهزة امن الدوله في قلبها , ومن هنا ستجري تطويرات تكنولوجية وسيبرانية واساليب استخبارية سينبؤنا بها المستقبل وستكون لها اضافات وارث استخباري معتبرين.
——————————
التحليل ..العبء الاكبر
——————————
كانت شحة المعلومات هي آفة الاجهزه الاستخباريه التي تشل قدراتها , لكن في المستقبل لن تكون المشكلة في الشحة وانما في الوفرة التي تسببها الاستخبارات الفنية التي قلنا انها ستتطور بشكل كبير في عمليات الرصد والجمع , فالمشكلة التحليلية ستكون في مدى القدرة على استيعاب وهضم المعلومات الهائلة والتمكن من تحليلها وفهمها مما سيتوجب معه اللجوء الى تقنيات التكنلوجيا وبرامجيات التحليل والفرز .
ان المزيد من البوابات الخلفية وطرق الاختراق البرمجية وبرامج التجسس و الكاميرات الذكية الخفية والعلنية ستجعل تسونامي المعلومات الاستخبارية مما يصعب فرزه وتبيان الزائف والحقيقي والتافه والهام منه , وهو ماسيخلق فجوات تحليلية وفوضى في التركيز لاتردم الا بالمزيد من الغوص في البرامجيات والخوارزميات والتكنولوجيا .
يتبع،،