مصطفى محمود
ظل يتلازم كل من الانهيارين السياسي والمدني في اليمن تلازماً عضوياً، فمع اجتياح المليشيا الحوثية العاصمة صنعاء واسقاط الدولة.
و احتلال الملشنة لواجهة الأحداث، ومع تحول الحرب إلى أداة السياسة شبه الوحيدة والفاعلة في موازين القوى لدى كل من المليشيا الحوثية والفصائل اليمنية المقاومة
وبعد انهيار الإطار الوطني اليمني ، أصبحت السياسة مثقوبة بالعمالة المتعددة، ومرهونة كلياً للقوى الإقليمية والدولية المتنافسة والمتنازعة، مثلما أصبح المجتمع المدني الضعيف أصلاً، عبارة عن تجمعات أهلية؛ مناطقية وطائفية ومذهبية وحزبية ، متقوقعة على ذاتها، ولكن مفتوحة على كل أنواع العنف الممكنة والإرهاب الذاتي أولاً، والموجه للخارج، خارجها ثانياً.
الانهيار السياسي اغلق الآفاق القريبة أي حل سياسي ، حتى لو كان “الحل السحري” صناعة أمريكية أو “رعاية” اوروبية . والانهيار المدني اغلق آفاق المرحلة الانتقالية و”المصالحة الوطنية” والعيش المشترك، حيث تحول المجتمع اليمني مجبراً إلى مجتمع “هوبزي” من الذئاب التي تأكل بعضها عندما لا تجد ما تأكله في غيرها، ولا تجد مؤسسة مدنية أو سياسية تحميها من طغيان السلاح والميليشيات.
تولى الرئيس رشاد العليمي قيادة البلاد والمحنة اليمنية تكثف وتجمع في صُلبها محنة العراقيين في نظامهم، ثم احتلال الأمريكيين لبلادهم وتمزيقها، ومحنة اللبنانيين في حربهم الأهلية وأمرائها الطائفيين، ثم محاصصاتهم الطائفية في “اللادولة”، ثم دولة حزب الله الإيرانية المسلحة فوق رؤوسهم، والأخطر من ذلك أنها تجمع أيضاً محنة الفلسطينيين في احتلالهم الإسرائيلي، ثم شتاتهم وحقهم المنتهك وغير المعترف به واقعياً بالعودة لأرضهم، ثم محنة تمزقهم على أرض الوهم الفتحاوي والإسلام الحمساوي.
اليمن تُسلَّم مثل العراق إلى إيران الخمينية، وتتقسم هوياتياً وطائفياً وميليشيوياً مثل لبنان، وتعاني اصطفاف العالم “الأول” ضد قضية شعبها العادلة مثل فلسطين. واليمنيون يموتون بمئات الآلاف وبمجانية تبز موت العراقيين قبلهم، وينقسمون وجودياً ومذهبياً في اللادولة مثل اللبنانيين قبلهم، ولا يجدون حيلة في الشتات أو الداخل، في أراضيهم “المحررة” أو “المحتلة”، مثل الفلسطينيين قبلهم.
الانهيار السياسي ليس انهياراً للسياسة بوصفها أداة غيبتها الحرب فحسب، ولا انهياراً للبنية والبناء السياسي الذي صنعته الجمهوريه والوحده عبر عقودها الثلاثه الماضية فحسب، بل انهياراً للسياسة بوصفها إطاراً يجمع الشركاء في “الوطن”، المختلفين في كيفية إدارته، فالخلاف السياسي بين عُمَّال السياسة في اليمن لم يكن خلافاً سياسياً وظيفياً بقدر ما هو صدع وجودي غير قابل للرأب والجَسر السياسي بسهولة، و”التحزّب” الذي عجز النظام والمعارضة عن إيجاده في اليمن قبل 11فبراير 2011م بوصفه رغبة طوعية وإرادية في الانضمام إلى مكون اوحزب سياسي ، بات تحزباً “طبيعياً” إلى القوى الحربية العاملة في اليمن بناء على الوجود الهوياتي العمودي، لا على الخيار الفردي والإرادة الواعية بذاتها.
الانهيار المدني ليس انهياراً للعمران والمدنية والبنى التحتية فحسب، وليس انهياراً للمؤسسات المدنية التي لم تكن مدنيتها منفصلة عن السياسة بأي حال فحسب، بل هو انهيار كامل للمجتمع المدني بوصفه مجتمعاً وسيطاً بين المجتمع الأهلي وبناه القبائليه المنفلته والمجتمع السياسي وبناه التنظيمية والحزبية.
إذن كيف للرئيس الغليمي ان يبعث الضوء ؟ وكيف “يربي الأمل”؟ لقد ايقن انه لا أمل ممكناً خارج إرادة الشعب اليمني ذاته، فنتصب على ركيزتين: الأولى. كافح وناضل ومازال يكافح ويناضل من اجل [إيقاف هرولة تلازم الانهيار. السياسي والمدني والاقتصادي حتى تمكن من ايقافه في حدود معينه]
الركزيه الثانيه ، يتعامل مع الإرهاب والتطرف ؛ السلالي والديني والمناطقي انه قد وصل إلى حدوده القصوى، فلا “إسلام التوتر العالي ” قابل للاستمرار والحياة والاستقرار، ولا التطرف المليشاوي المناطقي والحزبي و االسلالي الحوثي التصفوي والعدميه قادرا على البقاء في ظل الاستنزاف الهائل لطاقات حاضنتها الموالية اختياراً أو إجباراً، لذا فإن الخيار الشمشوني بتصفية الآخر لم يعد ممكناً، والخيار الاضطراري بين قاتلين بات ممتنعاً محلياً واقليميا وحتى دولياً.
تلك الأسباب بمجملها دفعت اليمنيين إلى قدِّ الأمل من اليأس الكامل، واكتشاف الطريق من الشراكة في الجحيم الذي بات يحرق بناره جميع اليمنيين الأحياء اليوم، فربما أصاب الرئيس العليمي جزءاً من الحقيقة في احد خطاباته.. عندما قال : إنه “من اليأس المطلق تخرج الوطنيه المطلقة”.
يتبع،