حسين الصوفي
سأحدثكم عن الندم الذي كان يعذبني قبل أن ينقذني الطوفان!.
في عام ١٩٩٨م كنت اتهيأ لامتحانات الثالث الثانوي الوزارية، وطلب مني استاذي تحضير خطبة جمعة، ترددت كثيرا إذ انها أول مرة سأصعد فيها منبر الجمعة وأقف أمام العشرات من المصلين، حاولت أن اعتذر، تهربت، تهيبت، راوغت، نسجت الحيل النفسية، لكنني في حضرت معلم فذ كان يجيد فن الإقناع، فقد حشرني في زاوية ضيقة لم أجد منها مهربا.
جمعت كتبا، وحفظت أيات وأحاديث واشعارا، وكتبت كل حرف وكل كلمة، حتى الملاحظات كتبتها باللون الأحمر، هنا سأنظر إلى الناس، وعند هذه الفقرة سأصمت، وبعد هذا الدعاء سأختم الخطبة الأولى، وهكذا!!
كنت قد حفظت الخطبة عن ظهر قلب، ولأنها التجربة الأولى فإن رهبة الموقف فرضت نفسها، وأجبرتني على تدريب نفسي مرات عديدة في أماكن معزولة كنت فيها الخطيب وكنت الجمهور.
حتى جاءت الجمعة، صعدت المنبر وأنا أرتعد، وأقدامي لا تكاد تحملني، وقفت أمام المصلين ثم افتتحت الخطبة، حتى وصلت عند فقرة كنت قد قصصتها من صحيفة الصحوة وكان فيها:
*عباد الله، ونحن في هذه الأيام نعيش الذكرى الخمسين لمذبحة دير ياسين، وهي قرية من قرى بيت المقدس، دخلتها العصابات الصهيونية في التاسع من أبريل عام ١٩٤٨م عام النكبة، وكانت العصابات الصهيونية بقيادة المجرم مناحيم بيقن، الذي أصبح فيما بعد رئيس وزراء الكيان الغاصب، قتلوا الأبرياء وهم نائمون، ذبحوا الأطفال والنساء، وبقروا بطون الحوامل، واحتزوا رؤوس الأجنّة، وعذبوا الشيوخ وسلخوا جلودهم، ثم مزقوا أجسادهم.*
*أيها الناس: قبل خمسين عام وفي مثل هذه الأيام تحولت دير ياسين إلى بركة من دماء، وقتلت العصابات الصهيونية نحو ٣٥٠ من أهالي البلدة المقدسية، وشردوا أهلها ودمروا بيوتهم واستباحوا ديارهم واستوطنوا أرضهم ومزارعهم، واجتثوا قرية كانت تسمى دير ياسين”!.*
المشاعر التي خاطبت الناس بها كانت فياضة، وتفاصيل المذبحة سكنت كل نياط قلبي حتى اللحظة، وما إن انتهيت من الصلاة حتى رأيت العم أحمد حزام قد وقف ولحيته غارقة بدموعه وصاح في وجهي: أيش نفعل لهم يا ولدي؟! قوموا نسير نقاتل عيال اليهودية لعنة الله عليهم، قوموا أيش معنا جالسين مثل النسوان؟!
تلك الملامح المفجوعة للحاج أحمد حزام رحمه الله ظلت عالقة في ذاكرتي ولا تزال، وتلك الأوجاع التي بثثتها في قلبه مكثت ندبا يحرقني ونارا تشتعل في روحي، وندما طويلا ملفوفا بالعجز والسؤال العريض: لماذا فعلت ذلك وأنت تدرك أننا جميعا عاجزون عن فعل شيء؟!
****
بعد فجر السبت الماضي، يوم السابع من أكتوبر، تعافيت، كان صوت محمد الضيف مرهما يداوي ندمي، ويغسل الوهم ويقشع غبار اليأس الذي كان قد تراكم في ذهني، ويجيب عن سؤال العم أحمد حزام رحمه الله.
***
تقول الأسطورة: “سيخرج عليكم رجل على وسائل الإعلام، في يوم من الأيام، يخاطبكم بالصوت فقط، ويخاطبكم أحد أصحابه و على وجهه اللثام، صوته هادئ رخيم، وحديثه واضح مبين، قال بكل طمأنينة وثقة، كلاما يكاد يهمسه همس، لكنه دوّى فأسمع الجن والإنس، لا تعرفون صورته، لا أنتم ولا اصدقاءه او أعداؤه، لكنه عند فجر السابع من أكتوبر، أعلن بداية الطوفان”!!
والطوفان الكبير سيدمر الوهم كله، الوهم الذي قال عنه عصام الشوالي: حدثوك عن جيش لا يقهر فكان وهم!، عن ترسانة من العتاد والسلاح فكان وهم!، عن دولة قوية فكان وهم!.
صدمة الطوفان نسفت أكذوبة الغرب، كذبوا على أمتنا سبعين سنة، وبنوا حاجزا نفسيا صدقنا أننا ضعافا وعجزة، وأنهم أقوياء وقادرون على كل شيء، حتى جاء الطوفان.
في السبت العظيم، تعرضت الكذبة الكبرى للدمار، وتلقت أمريكا والغرب صفعة مدوية، وحاولت كل مؤسسات الدول الغربية وإعلامها أن ينفخوا الروح من جديد في كيانهم الغاصب، قالوا أن الرد سيكون قاسيا.
خرج أبو عبيدة وقال لدينا من أسرى العدو ما يخرج كل أسرانا من نساء ورجال وأطفال بعضهم مضى عليه أربعين سنة في السجون الصهيونية.
قال بايدن أن حماس قتلت أمريكيين وأسرت آخرين من ذوي الدم الأزرق.
قال العاروري: نحن ألقينا القبض على ضباط وجنود يرتدون لباس الجيش الصهيوني، وماذا يفعل الأمريكي والفرنسي والغربي في معسكرات العدو ولماذا يقاتلنا؟!.
قال اعلام الغرب على لسان قادة الغرب: حماس قتلوا الأطفال واغتصبوا النساء!
بث القسام مشاهد لابطاله وهم يفرجون عن امرأة وطفلين ويحرسونهم من رصاص جنود الاحتلال!
إنه الطوفان فلا تكذب!
لن تستطيع الوقوف في وجه الطوفان!
إنه الطوفان يا عم أحمد حزام، لقد جاء محمد الضيف ليغسل دمعك وينتصر لقومه وأمته.
ولقد غسل الطوفان ندما عمره ٢٥ سنة.
وسيكمل الطوفان مساره حتى النهاية.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.