عمار القعطبي
قبل السادس والعشرين من سبتمبر وبمقاييس تلك المرحلة من الزمن، عاش اليمن حياة خالية من كل ما قد يشير إلى وجود حياة بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولتأكيد ذلك فإن الأمر لا يستدعي الكثير من الجهد، إذ بنظرة خاطفة نعرج بها على واقع الفن الغنائي بشقيه الوطني والعاطفي كأبسط مثال، فسنجد أن مجمل ما أنتج من الأغاني الوطنية والاجتماعية على حد سواء طيلة فترة الحكم الإمامي الكهنوتي هو صفر، وهذا الأمر كفيل بإظهار صورة كاملة لواقع الحياة البأئسة بكافة جوانبها في ظل ذلك النظام. تزداد تلك الصورة قتامة عند الأخذ في الاعتبار بالإرث الحضاري والتراث الفني الزاخر للأمة اليمنية، ذلك الإرث الذي لن يكون من السهل ولا من المنطقي أن ينحسر تماماً حتى في ظل أطغى نظام استعماري يمكن تصوره.
بقيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عادت اليمن إلى المسار الصحيح فتفجرت الطاقات الإبداعية بموازاة تفجر الطاقات الانتاجية، ودبت الحياة في جسد الأمة، فاستعادت الروح الغنائية اليمنية أنفاسها من خلال الأغاني المحتفية بالثورة والمبشرة بالعهد الجديد في بداية الأمر قبل أن يتشعب الإنتاج الغنائي ليغطي كافة القضايا الاجتماعية.
ومع تنامي الثورة الوليدة كانت الأغنية المعبرة عنها تتنامى بنفس الوتيرة مؤكدة على أصالة المشروع السبتمبري وصلاحية مبادئ الثورة ومساراتها وأهدافها. وقد كان لذلك الأثر الكبير في غرس قيم الثورة وتعزيز الانتماء الجمهوري والوحدة الوطنية أبناء الوطن.
أصوات غنائية وطنية رافقت مسيرة الثورة منذ مطلع فجرها في السادس والعشرين من سبتمبر المجيد من العام ١٩٦٢م ذلك الفجر الذي استهل التاريخ مطلعه الوهاج بصوت المناضل والفنان السبتمبري الكبير علي بن علي الآنسي بأغنيته الخالدة المتجددة التي لا تتلاشى من الأسماع بتقادم الزمن وهو يردد قائداً كتيبة الكفاح الفكري الفني دون أن يسهو عن زناد البندقية في ساحة الحرب (هيهات شعبي يستكين، شعبي محا ظلم السنين). وكذلك رائعة الفنان محمد البصير (جمهورية ومن قرح يقرح)، ورائعة الفنان محمد المعطري (يمينا بمجدك يا موطني)، فيردد الشعب خلفه من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.
ولا أظنني ملت عن الصواب اذا قلت أن الفنان الآنسي مؤسس المكتبة الغنائية السبتمبرية وكاتب سطرها الأول بلا منافس وعلى ذلك الأساس مضى فنانو اليمن يضيفون روائعهم السبمتبرية عن إحساس وطني خالص يلامس القلب والوجدان ويحدث انفعالاً وطنياً صادقاً في كيان السامع وروحه.
علي السمة وأيوب طارش ومحمد حمود الحارثي ومحمد محسن عطروش ومحمد المعطري وعمر غلاب وأحمد السنيدار وغيرهم ممن يمكن اعتبارهم رواد الأغنية السبتمبرية الذين سارت على إثرهم أجيال وأجيال من فناني الوطن أثروا المكتبة الغنائية الوطنية بروائعهم واهازيجهم التي حافظوا بها على استمرارية الزخم الفني السبتمبري لعقود طويلة.
في نهاية التسيعنات بدأت شدة التيار الغنائي السبتمبري تتقلص، وشهدت توقفاً عن انتاج الجديد ربما لأن ما تم انتاجه إلى ذلك الوقت كان يفي بإشباع النهم المجتمعي للأغنية الوطنية السبتمبرية اضافة إلى ان استعادة الوحدة إنجاز كان له نصيب من الاهتمام الفني حينها.. استمر ذلك الجمود إلى أن ضاعفت من حدته الأحداث التي شهدتها اليمن في ٢٠١١م وما تبعها من اضطرابات افضت في مجملها إلى النكبة اليمنية في ٢١ من سبتمبر من العام ٢٠١٤م والتي مثلت طعنة إمامية غادرة في خاصرة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر.
تلك الطعنة بقدر ما كانت مؤلمة وقاصمة بقدر ما أيقظت الحس الفني السبتمبري في نفوس الشعراء والفنانين من سباته، إذ عاد الفن ليؤدي رسالته الوطنية وانتجت العديد من الأغاني السبتمبرية لكثير من الفنانين الشباب خلال الفترة من ٢٠١٤م وحتى ٢٠٢٣م وكان أن ساهمت تلك الأغاني إلى جانب أغاني الرواد في إذكاء جذوة الانتماء السبتمبري لدى الشباب اليمني الذي أصبح اليوم أكثر وعياً بماهية المشروع الكنهوتي المضاد للثورة، ذلك الوعي الذي أعاد إحياء الكثير من الأدبيات السبتمبرية التي كانت قد ذوت في نفوس الشباب أو كادت.
وإذا كانت هناك من ميزة يمكن أن تحسب لنكبة الواحد والعشرين من سبتمبر فهي أنها كانت سبباً رئيسياً في دق ناقوس خطر انحسار الفكر السبتمبري من أذهان ومدارك الأمة ما دفع بالنخب المثقفة لإحداث حراك ثقافي فني لإمداد الروح الشعبية بالزاد الفكري القومي السبتمبري وهذا ما حدث ويحدث بالفعل من خلال المؤلفات والكتب والأفلام الوثائقية والمناقشات السياسية والقصائد الشعرية والمقالات الصحفية بالإضافة إلى الرافد الأهم المتمثل في الأغاني والأوبرتيتات والأناشيد التي لم يتوقف تدفقها على مسامع الشباب الضامئة لارتشاف الطرب السبتمبري والتي تبقى مترقبة لجديدٍه مع كل مطلعٍ جديد لمناسبة السادس والعشرين من سبتمبر، هذا الأمر الذي لحظه الأستاذ الشاعر والمعلم الجمهوري عادل الأحمدي فمضى بعزيمة لكتابة كلمات أغنية العيد السبتمبري الواحد والستين (سبتمبر عاد) واجهد نفسه قاطعاً وعده لها بإنجاز عمل فني يترافق مع إطلالة صباح السادس والعشرين من سبتمبر، فبعد أن أبدع كتابة الأغنية حرص على اختيار اللحن ومن ثم الأصوات المناسبة لأداء الأغنية متجهاً صوبها حتى تكلل مجهوده بالخروج بعمل سبتمبري فني أقل ما يمكن أن يقال عنه بأنه أوبريت الجمهورية في أشد مراحلها حرجاً وحساسية.
لقد ابدع طاقم العمل وأنجز اغنية بديعة في أيام معدودة، ومن خلال الأغنية تعرفنا على نجوم صاعدين لا ندري كيف لم نكن نعرف أسماءهم من قبل وهم ربيع رياض وماجد توفيق والعنود أحمد.. أسماء لن تغادر ذاكرتنا من الآن وصاعدا. والشكر موصول للأستاذ محمد الأضرعي والأستاذ محمد عبدالملك أنعم والمهندس أيمن الأكحلي والمخرج عز الدين خالد وكل طاقم التصوير والمونتاج. وكبير التقدير للشاعر الكبير أبو حمير صاحب صيحة الكوبليه الأول: سبتمبر عاد.
وجدير بي أن أختتم هذا المقال بأجزاء من نص الأوبريت الذي أنصح الأمة اليمنية بكل فئاتها العمرية بالاستماع إليه:
ستة وعشرين
فجرُ الأحلام الكبرى
وضحى تشرين
عيدٌ وضّاحُ الذكرى
خيرٌ وجمال
وندًى وظلال
والشعبُ سيحمي ثورته بخُطى السلال
حيوا السلال
ولبوزة، حيوا دعرة..
أخت الأبطال
أحرارٌ صنعوا الفجرا..
عاش الأبطال
موّالَ نضال
وبضوءِ علي عبدالمغني يمضي الأقيال
شعلةُ أيلول
نوقدها عزاً نصرا.. ضوءاً وحقول
وإرادة شعبي حرة
أيلولُ أساس
أغلى نبراس
والجيشُ يصونُ مبادئه ولها حراس
هذي الأفراح
برهانُ الصحوة الكبرى.. ودليلُ كفاح
لتعود الارض الخضرا
العزمُ حديد
والوعدُ أكيد
والليلُ انزاح وذيلُ الليل غداً ينزاح
حيوا صنعاء
حيوها شبراً شبرا.. أرضاً وسماء
من صنعا زفوا البشرى
جِدوا في السير
واستبقوا الطير
ودروب الخير سقيناها بدم الشهداء
يمنَ الإيمان
يا عشقاً يقطرُ عطرا.. ملء الوجدان
سنجدد أقوى ثورة
لا للأوثان
لا للطغيان
وبعون الله نعيد الشوكة للميزان
رابط الأغنية على يوتيوب: