.
د. ذياب الدباء *
————–
(1)
المملكة العربية السعودية في طريقها لإحتواء كل المشاريع الخارجية في اليمن، في إطار استراتيجية توليد وبناء سلام واستقرار طويل الأمد في المنطقة، وتصفير المشاكل مع الغلاف الجيوسياسي للمملكة، بدأت ملامحه بالاتفاق مع إيران، وإعادة سوريا للجامعة العربية، كل ذلك بالتزامن مع توافقات استراتيجية إقليمية ودولية منحت الضوء الأخضر للمضي قدماً في حلحلة الأزمة اليمنية وفق الرؤية السعوديه.
(2)
دول الخليج عموماً والمملكة العربية السعودية خصوصاً أصبحت بمجملها قطب عالمي منافس، ومركز مالي واقتصادي شبه مستقل، تخطب وده كل القوى الدولية، في مقابل حالة من الضعف والتفكك لدى الأنظمة الجمهورية العربية وفشلها في مواجهة القوى الإقليمية المنافسة متمثلة في تركيا وإيران، ويسعى الخليج للحفاظ على حالة التفوق والنمو والتأثير من خلال فرض استقرار شامل وطويل الأمد في المنطقة، يضمن نمو المشاريع الاقتصادية العملاقة، وتحقيق أهداف الرؤى الطموحة، وخاصة لدى السعودية والامارات وقطر، وقبل كل ذلك استقرار أنظمتهم السياسية الملكية كنماذج نجاح في محيط مضطرب، على الصعيد الدولي والإقليمي.
(3)
في ملف اليمن لن تتحمل السعودية مزيد من الصداع والتصدع، وسوف تضع يدها في يد الفصيل الأكثر كفاءة على حكم اليمن، والأقدر على توفير ضمان طويل الأمد لأمن السعودية، والحوثي مع الأسف أحد الخيارات كأمر واقع في ظل عجز الأطراف الأخرى، وربما تم البدء فعلياً بإجراءات جدية تمثل اختبارات قبول بالنسبة له، تمهيداً لإعادته إلى حضيرة الطاعة، بتفاهمات وضمانات إقليمية ودولية، واشراف مباشر من المملكة على بروسترويكا هيكلية ستجري في صنعاء، والكثير من المؤشرات تكشف وجود رغبة جامحة لدى قيادات الحركة الحوثية في التقرب من المملكة.
(4)
وبناءا على ما سبق فإن على القوى والقيادات الوطنية اليمنية إدراك المتغيرات، ومغادرة حالة الشتات والمماحكات والعناد السياسي، وتجاوز ترسبات وافرازات المرحلة السابقة، والبدء فوراً في صياغة مشروع وطني موحد، والذوبان في كيان سياسي واحد يشبه وضع المؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي اليمني قبل الوحدة، كمكون وحيد يتشكل وفق أطر ومنطلقات شرعية، ويعمل الجميع من خلاله، ومن ثم دمج الوحدات العسكرية والأجهزة الأمنية، بما يضمن فعالية ومرونة وكفاءة أجهزة الدولة السيادية، ونجاحها في توحيد كل الجهود نحو التحرير والبناء، والحفاظ على علاقة الشراكة الاستراتيجية مع العمق العربي في السعودية والخليج كمسار اجباري، وخيار وحيد وواقعي لاي نظام سياسي يحكم اليمن، تفرضة الاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية.
(5)
أحد أهم القواعد السياسية والعلاقات الدولية ثباتاً عبر التاريخ “لا يهم من يحكم ولكن كيف يحكم” وليس ببعيد عنا تسليم أمريكا أفغانستان لطالبان، وعودة التعامل بين أردوغان ونظام الأسد كأفضل خيار سياسي وأمر واقع والأمثلة كثيرة في هذا الصدد.
(6)
الكثير من المكونات السياسية على الساحة أثبتت الأحداث أنهم مجرد حالمون سياسيون يحيطون أنفسهم بمعادلات واهمة، ومقارنات غير منطقية، تعودوا القفز على الواقع، والقبول بالوهم، في ظل غياب الرؤية والمشروع الجامع، ومع كل ذلك لا تزال الفرصة قائمة لإصلاح الوضع وتصحيح المسار، والفوز بشرف الحفاظ على اليمن وعدم خذلان الشعب والأشقاء، مالم يتحملون المسئولية التاريخية عن تفويت الفرصة واغراق سفينة الشرعية، وضياع البلد.
* المدير التنفيذي لمركز البحر الأحمر
للدراسات السياسية والأمنية.