مصطفى محمود
تعدُّ نموذج السلطه الحوثيه نموذجاً “شميتياً” -من كارل شميت- وذلك بمعنى أنها نموذج تقوم بنيتها الداخلية جوهرياً على ثنائية الصديق/العدو، فمن ليس صديقها وخادماً لمصالحها هو عدوها الصريح، لا بل يمكن القول إن عدوها السياسي هو ما يحدد هويته كنموذج. ولذلك فإن تلك الثنائية هي ثنائية (وجود أو عدم)، وليست مجرد ثنائية لغوية أو كلامية أو “سياسية”، حيث إن السياسة تبعاً للنموذج الشميتي تأخذ طابعاً وجوديا يبعدها عن أن تكون فناً أو علماً أو إدارةً للشأن العام.
عندما تصبح السياسة تمثيلاً فعلياً للنفي الوجودي، بدلاً من الخصام السياسي، يصبح من غير الممكن إزاحة السلطة القائمه على هذا النموذج أو إصلاحها أو تغييرها عبر المفاوضات او المبادرات أو الحوترات او “نقاش برلمان” أو تصويت أو ما شابه، بل لا يمكن تغييرها إلا بالقوة، لأن وجودها بالكامل قائم على القوة وليس على التوافق الوطني او البرلمان أو النقاش السياسي أو الانتخاب أو التداول السلمي للسلطة.
السياسية ذاتها ضمن هذا النموذج الحوثي هي حرب كما يمكن أن يقول شميت، وليست حرباً بوسائل أخرى كما أخبرنا كلاوزوفيتز، ولا امتداداً للحرب كما قال فوكو، بل[ هي ذاتها الحرب]. ليس هناك ما يُدعى خصماً سياسياً في سلطة السيادة، بل فقط أعداء وأصدقاء، ولذلك لا توجد في قاموس سلطه الحوثي معارض ولاحتى محايد… وعندما تكون السياسة هي الحرب، تصبح السيادة هي جوهر السياسة وتسحق بالتالي كل أشكال المشاركة من معنى السياسة.
ومفهوم السيادة الوطنيه في الوعي السياسي لسلطه الحوثي.
تعني سيادة السلطة الحوثيه على الشعب والأرض.( السلطة سيّد) “مثل الاقطاعي.. فالشعب مِلكٌ للسلطة؛ و بالمناسبة جاء المعنى الأصلي لسيادة الدولة الذي بدأ مع صلح ويستفاليا عام ١٦٤٨، حيث للدولة (أي السلطة التي تحكمها) الحق في قتل من يعيش على أرضها دون تدخل أي دولة أخرى (فلو كان أعضاء قبيلة أو طائفة أو ديانة يعيشون في دولتين، يبقى الحق مضموناً لكل دولة أن تفعل ما تشاء في أفرادها دون تدخل الأخرى) لأن السلطة في نظام السيادة هي من يقرر حياة أو موت الأفراد الخاضعين لها؛ وهذا ما لاحظه فوكو بدقة في كتابه “المراقبة والمعاقبة”.
ليس هناك ما يُدعى خصماً سياسياً في سلطة السيادة، بل فقط أعداء وأصدقاء ولذلك لا توجد معارضة منظّمة وعلنية في مناطق سيطرة الحوثي ،، بل يوجد فقط أعداء “أعداء الوطن” أو “أعداء الدين وآل البيت ” أو “خلايا العدوان النائمه “..الخ. كما أنه لم يحصل في التاريخ أن تغيّر أو استُبدل أو سقط سلطه إماميه تقوم على مفهوم السيادة من خلال التوافق او الشورى او الاقتراع أو النقاش البرلماني أو الخصام السياسي، فهي بنيوياً لا تسقط إلا بالقوة. قوة داخلية (انقلاب أو ثورة مسلحة) أو قوة خارجية.
عندما اجتاحت المليشيا الحوثيه العاصمه صنعاء واسقطت الدوله ، أعلنت سلطة السيادة الحرب مباشرة على كل من يقف امامها و لم يؤيدها ومنذ البداية “استخدمت القتل والاعتقالات والمطارده والتشريد والتعذيب وتفجير المنازل والمساجد ورهاب المجتمع بشتى الوسائل .. استخدمت القناصه والمدفعيه و الصواريخ البالستيه والطيران المسير، فذلك غير مهم ضمن هذا السياق، المهم هو أنها حافظت على الحرب من البداية حتى النهاية، لأن وجودها قائم؛ بشكل أكثر من واضح، على الحرب، ولا تبقى أو تزول إلا بالحرب