مقالات رأي

الرئيس العليمي بين الإرادة الشعبيه والثقه الدستوريه

مصطفى محمود

إحدى الحقائق المريرة، التي تستثير بقدر واحد نفسية الحنق العنيف والعقل السليم، هو التوصل إلى إدراك إن العبيد تعيش ولكن بدون حياة، بينما الأحرار تموت تحت مطرقة العزة والأمل. وهي الحالة التي تعبر من الناحية الرمزية عما يواجهه اليمن بعد دخوله مأزقا جديدا في دهاليز وجوده الحديث.. بينما لا ضرورة في مطرقة العزة والأمل. إذ يمكن لرئيس الجمهوريه رشاد العليمي الاستعاضة عنها بقوة الحق والحقيقة لكي يجري أولا وقبل كل شيئ تطهير الشرعيه من أدران الانحطاط. ولا وسيلة له غير الحرية ومستلزماتها وشروطها وآمالها..

ويقف رئيس الجمهوريه والشعب اليمني أمام هذه الحالة في ظاهرة تحديه المنظّم والحرّ للسلطة الشرعيه ومجلس القيادة الرئاسي الحاليين. وهذا بدوره ليس إلا تحدي النفس أولا وقبل كل شيئ. ولن يهدأ اليمن ما لم يهتد بالحقيقة القائلة، بأن الحرية هي ليست وسيلة وغاية الوجود الإنساني بل ومعنى وجوده ومصيره. ولا وسيلة واقعية لبلوغها دون نظام سياسي يتسم بالعقل السليم، والأخلاق الحرة، والرؤية الاجتماعية، وفكرة العدالة، والحق، والقانون، وقرارنقل والشرعية، والاحتراف. وهي الصفات التي تفتقدها اغلب اعضاء مجلس القياده الرئسي رئيس هيئه التشاور و النخبة السياسية الحالية، والتي شوهتها وتشوه معها مجلس القياده الرئاسي الذي جرى ترتيبه قبل عام بسبب الفشل والخراب والدمار خلال ثمان سنوات من الانقلاب الحوثي و حكم الرئيس هادي وبقايا وآثار مرحلة زمنية طويلة من فقدان معنى الدولة الحديثة والنظام السياسي الشرعي والتقاليد السياسية الاجتماعية.

إن إشكالية اليمن الحالية هي أولا وقبل كل شيئ إشكالية الانقلاب الحوثي وسلطات الامر الواقع الموازيه ونخبها السياسية. وهي جميعها طارئة وعابرة بمعايير التاريخ الفعلي. لكنها واقع بفعل وجودها الواقعي. الأمر الذي يجعل من الضروري بالنسبة للقوى الحية العاملة من اجل بديل عقلاني وطني اجتماعي في اليمن العمل بمرجعية الدولة الوطنية وقرار نقل السلطه وفلسفة الإصلاح الثوري، أي الإصلاح المنظومي الشامل.

فالقوى السياسية الحالية وسلطات الامر الواقع هي نتاج تلاقح قوتين قذرتين في آن واحد: بقايا الأمامه والاحتلال. ومن ثم فهي بمعنى ما ضحية هذه الحالة. غير أن النخبة السياسية هي قوة حية عاقلة قادرة على العمل مع رئيس الجمهوريه رشاد العليمي من اجل انتزاع نفسها والمجتمع من المآزق أيا كانت أشكالها ومضامينها وحالاتها. بل أن مهمة وحقيقة النخبة السياسية بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة هو كونها القوة القادرة على العمل بمعايير الإرادة العقلانية من اجل المستقبل. وهو معيار ومحك حقيقتها.

والمهمة الآن لا تقوم في تحليل كل مقدمات هذه الظاهرة، بقدر ما تقوم في ابراز السبب الأساسي وراء استمرار المأزق الحالي لليمن من اجل انتشاله وتوجيهه صوب المسار الطبيعي والمستقبلي.

فقد توفرت للنخبة السياسية الحالية عقب ميلاد مجلس القياده الرئاسي فرصة لم تتوفر في تاريخ اليمن الحديث من اجل القيام بهذه المهمة: رئيس جمهوريه عالم في الاجتماع السياسي رجل دوله مشهود له و تأييد شعبي عارم، ، وبداية إرساء اسس الدولة الشرعية ومؤسساتها،، واستعداد شعبي هائل للتضحية من اجل الوطن والدولة. حقيقة، إن الطريق لم يكن معبدا وخاليا من عقبات هائلة مثل أثر اخطبوط المليشيا الحوثيه ، والتمزق الاجتماعي والوطني، والقوى الانعزالية والساعية للانتقام بسبب فقدان السلطة، التي دفع اليمن زمنا وطاقة وثروات هائلة وما يزال من اجل كبح جماحها. مع أنها قوى كان يمكن لجمها ببضعة أسابيع أو اشهر على اقصى حد في حال وجود قوة سياسية تعمل بمعايير الدولة والوطنية الحقيقية. وبالتالي، لم يكن اعاقة رئيس الجمهوريه وتبديد طاقته وكذا استمرار الحرب الداخلية والاستنزاف الهائل لليمن حتى الآن، سوى الوجه الآخر والحقيقة الفعلية لطبيعة النخبة السياسية واعضاء مجلس القياده الرئاسه ، الذي كشف عن انهما ليسا بمستوى المرحلة وعاجزان عن القيام بالتحولات النوعية والمنظومية الضرورية لصنع يمن بقدر حجمه وقوته الفعلية. وقد افسد ذلك روحها السياسي وجعلها قوة مفسدة في الوقت نفسه. فكل ما عاني ويعاني منه اليمن هو استمرار الفساد لقيادات الامر الواقع تقليدا للمليشيا السلاليه الحوثيه وليس . بل يمكننا القول، بأن الغوصى وانعدام الخدمات وتلاشي مظاهر الدوله الذي عمّ اليمن وظهور التنظيمات الارهابيه والمؤامرات المناطقيه والحزبيه ومقامرات القوى السياسية في اتفاقاتها وخلافاتها كلها نتاح الفساد المادي والمعنوي.

ويبدو هذا الاستنتاج الآن جليا حتى بالنسبة لأبسط الناس. وهو مؤشر على تحلل بنية النظام السياسي والنخبة السياسية كلها بدون استثناء، وكل من ارتبط بها من مؤسسات دينية ومدنية. والدليل على ذلك انه لا وجود لقوة معارضة فيها وبينها بالمعنى الدقيق والفعلي لهذه الكلمة، باستثناء الكلام الفارغ في نقد الواقع والتلذذ بقذارته. بحيث لم يعد احدهم يفرّق بين الكنافة والكنيف!

إن هذا الإدراك الاجتماعي السياسي الذي بلغ درجته الحالية في اليمن يشير إلى أن الخلاف الجوهري والمنظومي الشامل بين المجتمع وسلطات الامر الواقع وأحزابها قد بلغ درجة القطيعة الشاملة.

إننا امام تبلور تيار يواجه الإشكالية الفعلية لليمن
يلملم نفسه من اجل عبور مرحلة الحرب والتجزئه والصراع والبنية التقليدية السياسية التي انهكت اليمن ولم تعط له، رغم امكانياته الهائلة، من الوقوف على قدميه من اجل قطع الطريق صوب الأمان الوطني والقومي والتطور الاجتماعي الشامل.

كل ذلك يضع أمامنا مهمة تأسيس البدائل الواقعية والفعلية، الآنية والقريبة، والمحكومة في الوقت نفسه بالرؤية المستقبلية البعيدة المدى. وهي بدائل ينبغي رئيس الجمهوريه استنادها إلى تأسيس وتحقيق فكرة الإصلاح الشامل والدائم.

إن تأسيس المهمات الأولية والعمل بموجبها ينبغي أن يكون دوما محكوما بالحقيقة القائلة، بأن الإحباط لا يحل مشكلة، والخرافة لا تصنع تاريخا مستقبليا. وبالتالي، فإن الثبات في المواقف بمعايير الحق والحقيقة، والفكرة الاجتماعية والوطنية، وروح الاعتدال والسمو الوطني والقومي ، والذهنية الثقافية المدنية والدنيوية هو الحد الأول والضروري والدائم من اجل تجاوز المرحلة الانتقالية المرهقة وتأسيس قواعد ومبادئ الثبات في الدولة ونظامها السياسي والمجتمع وثقافته.

يتبع،

تعليقات الفيس بوك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى