د. ثابت الأحمدي
متى نشأ مصطلح “الجنوب العربي” لأول مرة؟ وما ملابسات نشأته؟ وما مدى موضوعيته السياسية؟
في البداية نشير إلى مسمى قديم اسمه: “جنوب الجزيرة العربية” الذي كان يطلق على اليمن كله من قديم الزمن، وأشارت إليه مصادر التاريخ الكلاسيكية الرومانية مثل كتاب التاريخ الطبيعي لبليني الأكبر، وأيضا تاريخ هيرودت، وغيرها من الكتب المتأخرة، ولطالما أكثروا من ترداد لفظ “حضارة الجنوب” أو “بلاد الجنوب”، ويقصدون به جنوب الجزيرة العربية كاملا، “صنعاء وعدن وحضرموت؛ مقابل مصطلح “الشام”، أي شمال الجزيرة العربية، وللكعبة المشرفة ركنان: أحدهما الركن اليماني، والآخر الركن الشامي.
ومن خلال تتبعنا لكتب التاريخ الكلاسيكي، وتاريخ اليمن القديم والوسيط والحديث لم نعثر على مصطلح “الجنوب العربي” بتاتا، ولم نعثر عليه لأول مرة إلا في التاريخ المعاصر، وتحديدًا منتصف القرن العشرين، من خلال بعض المدونات السياسية أو المسميات الطارئة في الشطر الجنوبي من الوطن. وقد بدأ المصطلح خجولا في البداية، على استحياء، من قبل بعض النخب اليمنية أو التيارات التي كانت مرتبطة ببريطانيا أثناء احتلالها للشطر الجنوبي من الوطن.
ولعل رابطة أبناء الجنوب التي بدأت في التشكل عام 1950م، وأعلن عنها رسميا في ابريل 51م، برئاسة محمد علي الجفري هو أول تنظيم سياسي، تبنى مسمى: “رابطة الجنوب العربي”. ووفقا للمؤرخ السياسي الراحل سعيد الجناحي، فإنها كانت “ترفض وحدة النضال للحركة الوطنية اليمنية”. الحركة الوطنية ص 111.
تجدر الإشارة إلى أن التنظيم ذاته قد تأسس رد فعل على “الجمعية العدنية” التي تأسست في منتصف العام 1949م، برئاسة محمد علي لقمان وعبدالرحمن جرجرة، ورفعت شعار: “عدن للعدنيين”. والتي تلاشت بعد ذلك، وفشلت في برامجها، ليؤسس محمد علي لقمان بعد ذلك “المؤتمر الشعبي” وعُرف شعبيا باسم: “المؤتمر الشعبي العدني”، والذي نادى بتأسيس دولة عدنية كاملة السيادة..!
ويذكر الرئيس قحطان الشعبي في كتابه: “الاستعمار البريطاني ومعركتنا العربية في جنوب اليمن”، ص: 7. أن الفئات الجنوبية التي تتبنى فصل المنطقة “الجنوب” عن الشمال قد أطلقت هي والاستعمار البريطاني تسمية جديدة للمنطقة، هي “الجنوب العربي”، وهذا الاسم يدل على محاولة فصل المنطقة في كيان سياسي قائم بذاته، وهذا ينسجمُ تماما مع محاولة الاستعمار البريطاني لإقامة هذا الكيان..”؛ مشيرا في سياق حديثه إلى أن المسمى السليم هو “جنوب اليمن”.
تجدرُ الإشارة إلى أن هذا المصطلح قد بدأ بالتلاشي مع نهاية حكم الإمامة في اليمن، حتى كاد يندثر، ومع عودة الإمامة الحوثية الجديدة أطل من جديد. وهكذا تتخادم الإمامة في صنعاء مع المحتل الخارجي، سواء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة، كما تتخادمُ مع السلاليين والعنصريين في الجنوب الذي يقدمون لها الدعم اللوجيستي بطريقة ناعمة؛ فكلما سيطرت الإمامة تعالت أصوات الانفصال، كنوع من الرفض لطبيعة هذا الحكم الكهنوتي البغيض؛ لاسيما وللإخوة في الجنوب تجربة سلبية تجاه الإمامة منذ مغادرة الأتراك اليمن في الحملة الأولى سنة 1045هـ، إبان حكم الإمام المؤيد الكبير، الذي خلف أباه القاسم بن محمد، وخلفه بعده أخوه المتوكل على الله إسماعيل واحتل عدن وحضرموت ونكل بهم شر تنكيل، وفرض عليهم طقوسه الدينية الخاصة.