فهمي محمد
بعكس الكثيرين من المهتمين بالشأن اليمني لم أتفاجأ بوصول السفير السعودي إلى صنعاء والجلوس مع قيادات الحركة الحوثية، أو حتى ذهاب المملكة العربية السعودية بمفردها مع الحركة الحوثية إلى مفاوضات سلام أو مباحثات سياسية “بعلم الشرعية أو بدون علمها” مثلها مثل ملف تعز “الإنساني” الذي كنت لا أتفاجأ بترحيله تباعاً من طاولة المباحثات أو المشاورات التي كانت تتعلق بحلحلة الملفات الإنسانية كبداية أو كمدخل سليم في خلق أجواء الثقة كمقدمة للحديث عن الحل السياسي في اليمن.
فعلاوة على أن التدخل العسكري والحرب في اليمن ضد الحركة الحوثية لم تدر طول ثماني سنوات بطريقة الحرب الثورية، وهي الحرب التي كان يجب أن تكون منذ البداية وفق خصوصية المشكلة اليمنية بكونها حربا بين شرعية الفرصة التاريخية الثورية المعنية ببناء الدولة الوطنية الديمقراطية في اليمن وبين الحركة الحوثية التي انقلبت على هذا التوجه أو على الفرصة التاريخية، أي حرب في سبيل فكرة التغيير السياسي والاجتماعي نحو المستقبل الذي طال انتظار مجيئه في اليمن.
ما يعني في النتيجة أن الحروب التي تفقد منذ البداية شروطها الثورية تتوقف بين الأطراف كما لو أنها غير موجودة بين المتقاتلين، دون إعتبار للثمن الذي دفعه الناس في سنوات الحرب، وعلى هذا الأساس إذا كانت التكلفة في هكذا حروب لم ترتبط منذ البداية بشرعية الأهداف الثورية تجاه المواطنين فإن هذه الأهداف يستحيل عليها أن تتحول الى غاية بذاتها في حروب فقد السلاح فيها بندقيته الثائرة من أجل الوطن كما هو حال الحرب في اليمن .
هذا من جهة أولى ومن جهة ثانية، كنت منذ بداية الحرب وما أزال لدي وجهة نظر تقول بخصوص وقف الحرب في اليمن أن حدوث أي انفراج أو تفاهمات بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران سوف ينعكس أثره على مجريات الأحداث في اليمن حتى من قبيل فرض وقف الحرب على الأطراف، سيما وأن اليمنيين فقدوا مبكراً مسألة السيطرة على قرار الحرب والسلام بالمعنى الذي يجعل من الحرب والسلام خيارات وطنية في سبيل المستقبل.
كما تقول وجهة نظري بخصوص تعز، إن الحركة الحوثية كانت ترى منذ البداية في مسألة حصارها لمدينة تعز بأنها سوف تمكنها من الحصول على أوراق سياسية قابلة للاستثمار السياسي في الوقت المناسب، الأمر الذي يعني عدم التعاطي مع حصار تعز كقضية إنسانية أو مطالب حقوقية يجب إدراجها في مباحثات تتعلق بتخفيف معاناة اليمنيين وخلق أجواء الثقة بين الأطراف، على غرار المشاورات التي كانت تتعلق برفع الحصار عن اليمنيين وفتح الممرات الإنسانية وتبادل الأسرى بين الطرفين.
بمعنى آخر في حسابات الحركة الحوثية لا يمكن النظر بشكل جاد بخصوص رفع الحصار عن مدينة تعز إلا في حال أن تتوقف الحرب بشكل جدي ونهائي من وجهة نظرها، سيما عندما تفقد الحرب الموجهة ضدها ثوريها وتقف الأطراف في اليمن على شروط التسوية السياسية على المستوى الوطني، هذا إذا لم يكن النظر في رفع الحصار عن تعز داخلا أساساً في صلب المفاوضات السياسية.
أستطيع القول جازماً بأن وجهة نظري في الأولى والثانية ليست وليدة اللحظة التي تحمل بعض المؤشرات بخصوص ذلك، بل سبق وأن عبرت عن ذلك في بعض كتاباتي المنشورة في صفحتي وفي بعض المواقع الإلكترونية وعبرت عنها في العديد من المناقشات السياسية الجادة مع بعض الأصدقاء والسياسيين وفي مقدمة هؤلاء الدكتورة ألفت الدبعي والرفيق باسم الحاج سكرتير أول منظمة الحزب في تعز. غير أن نقاشي المكثف بخصوص ذلك كان يومها مع الدكتورة ألفت الدبعي على إثر تحرك بعض الشابات والشباب من داخل المدينة بقيادة معين العبيدي وعلاء الاغبري إلى منطقة الحوبان وعقد لقاءات متعددة مع قيادات حوثية تحت مساع إنسانية مستقلة تتعلق بالحديث عن حاجة المواطنين في تعز “الشرعية” لفتح الطرقات وإعادة ضخ المياه من الحقول المائية التي تقع تحت سيطرة الحركة الحوثية.
وإذا كان مثل هؤلاء الشابات والشباب الطامحين في تحقيق منجزات إنسانية تحسب لهم في سبيل محافظتهم لم ينجحوا في إقناع الحركة الحوثية حتى في رفع بعض أشكال الحصار عن تعز مثل ضخ المياه فإن المعنيين على المستوى الدولي بنظر وقف الحرب في اليمن خصوصاً الطامحين في تحقيق منجزات سلام تضاف إلى رصيدهم الشخصي مثل مبعوث الأمم المتحدة ومندوب أمريكا وسفيرها في اليمن وكذلك سفراء الدول الأوروبية.
كل هؤلاء نجدهم قد فشلوا تباعاً في إقناع الحركة الحوثية في مسألة رفع الحصار عن تعز أو حتى ربط ملف حصارها بالملفات الإنسانية المطروحة من قبل الحركة على المستوى الوطني، سيما وأن حكومة الشرعية طالبت منذ البداية أن يتم رفع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة بالتوازي مع رفع الحصار عن تعز إلا أن مثل هذه المقايضة المقبولة بمنطق المكيال الواحد المعني بالتعامل الإنساني في ظروف الحروب ناهيك عن أحكام القوانين الدولية الإنسانية التي تحرم العقاب الجماعي أو حصار المدنيين.
ومع ذلك لم يتم التعاطي مع حصار تعز بمسؤولية إنسانية وقانونية ليس فقط من قبل الحركة الحوثية التي لها أجندتها السياسية التي سوف نتحدث عنها، بل حتى من قبل الوسطاء الدوليين.
قتال الحركة الحوثية ضد تحرير محافظة تعز ورفضها فك الحصار عنها -بالذات- راجع في الأساس إلى أسباب سياسية مهمة تتعلق بمستقبلها السياسي على المستوى الوطني أكثر من كونها أسبابا تتعلق باستراتيجية حربها العسكرية من زاوية الانتصار أو الهزيمة في تعز، (طالما والحرب في اليمن لن تحسم عسكرياً لصالح طرف على حساب الآخر) ناهيك عن أن توقعات الحركة الحوثية تقول بأن الانتقالي أو النخب السياسية الجنوبية سوف تحضر إلى طاولة المفاوضات السياسية النهائية وهي معنية بالحديث عن الجنوب الذي يجب أن يأتي إلى طاولة المفاوضات السياسية من خارج نطاق الهوية اليمنية الجامعة، أي أن يحضر الجنوب بمشروع سياسي للجنوب في وجه الشمال وليس في وجه المشكلة اليمنية أو في وجه الانقلاب التاريخي للحركة الحوثية على مشروع الدولة والديمقراطية والوطن الكبير في اليمن، وهو أمر تتمنى الحركة الحوثية حدوثه من قبل الجنوبيين بعكس مزايداتها الإعلامية على مسألة الوحدة اليمنية فلو أنها حريصة على الوحدة ما كان لها أن تنقلب على اول رئيس جنوبي حكم اليمن الموحد بعد أن شرعت المكونات السياسية اليمنية في مسألة مداوات جراحات الوحدة اليمنية التي أصابتها في 1994م، بفعل العقل السياسي التاريخي التي تمثل الحركة الحوثية أحد نماذجة السياسية الذي يقف في وجه المستقبل، سيما ونحن نتحدث عن لسان حالها السياسي مع فكرة التغيير في اليمن فيما يلي:-
1- في كل الأحوال تظل الحركة الحوثية وجهاً سلطوياً من أوجه العقل السياسي التاريخي أو العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن مثلها مثل العقل السياسي القبلي أو المذهبي أو المناطقي أو الطائفي.
كل هؤلاء يعدون أوجهاً أو مظاهر أو نماذج سياسية للعقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن، وهو العقل السياسي الذي قاتل باليمنيين ضد بعضهم منذ قرون لا من أجل تأسيس دولة لليمنيين بل من أجل أن يُحكم اليمنيون بسلطة ممانعة لفكرة الدولة كسلطة القبيلة أو سلطة المذهب أو سلطة السلالة أو سلطة المناطقية ما يعني من جهة أولى أن مثل هذه الوجوه أو النماذج السياسية التي حكمت تاريخياً في اليمن وإن اختلفت عن بعضها من حيث ماهية الجهاز المفاهيمي الذي يتولى نفخ روح العصبية السياسية في كل وجه من تلك الأوجه السياسية التي تتداول على مقاليد السلطة في اليمن، الأمر الذي يجعل السلطة الحاكمة تقوم دائما على هوية العصبية اللاوطنية، ومن جهة ثانية تظل مثل هذه الأوجه تعبيرات سياسية سلطوية للعقل السياسي التاريخي، الذي يرى بأنه صاحب حق تاريخي في حكم اليمن وعلى وجه التحديد شمال اليمن. سيما وقد استطاعت تجربته السياسية التاريخية أن تخلق فيها مركزا سياسيا مقدسا في مسألة استحقاق السلطة.
وعلى هذا الأساس يرى العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن بمنظار المركز المقدس أن تعز بخصوصيتها الثقافة المدنية تشكل دائما ذاك الجهاز المفاهيمي الذي يتولى نفخ روح التمرد السياسي الوطني على هذا الاستحقاق التاريخي في شمال اليمن.
2- إذا كان التاريخ السياسي في اليمن يقول بأن المكون الإنساني في اليمن وتحديدا في عام 1990م قد خضع لأول مرة في تاريخه لبسط وسيطرة سلطة وطنية واحدة، كما أن هذه السلطة كانت ملزمة بأحكام المرجعيات السياسية الوحدوية بأن تتحول إلى دولة وطنية ديمقراطية تعبر عن تطلعات كل اليمنيين في الشمال والجنوب (دولة الوحدة اليمنية)، فإن ذلك يعني أن العقل السياسي الحزبي عن طريق كفاح تعبيراته السياسية منذ الخمسينيات هو الذي صنع هذا الحدث الوطني وهذه الفرصة التاريخية في 1990م، وهي خطوة كانت على حساب مصالح العقل السياسي التاريخي الذي يرى في السلطة والثروة غنيمة وامتيازات خاصة على حساب مصالح الشعب اليمني.
وعطفاً على ذلك، إذا كان مثل هذا التحول السياسي الديمقراطي غير مقبول في فلسفة العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن فإن ذلك يعني أن العقل السياسي الحزبي هو الذي سوف يشكل عقلاً سياسياً نقيضاً للعقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن.
لهذا وذاك فإن الخصوصية السياسية للمكون الإنساني في تعز مع العقل السياسي الحزبي قد جعلت من تعز في كل الأحوال محافظة مقلقة سياسياً وفكرياً وثقافياً للعقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن، سيما الحركة الحوثية التي تدرك منذ انقلابها أن تحرير تعز وكسر حصارها لا يعني انتصارا عسكريا للشرعية بما يعني انتزاع مساحة جغرافية ومكون إنساني من سيطرة الحركة الحوثية في حرب عسكرية، بل هو أكثر من ذلك مكسب سياسي استراتيجي لفكرة التغيير السياسي والاجتماعي الديمقراطي في اليمن.
ومع ذلك فإن المفارقة العجيبة تقول إذا كانت سلطة الشرعية لم تدرك منذ البداية أهمية معركة تحرير تعز بالنسبة لها، فإن الحركة الحوثية كانت تدرك منذ البداية ماذا يعني بالنسبة لها بقاء تعز في قبضتها أو خارج سيطرتها!
3- الحركة الحوثية بكونها مظهرا من مظاهر العقل السياسي التاريخي أصبحت تدرك في المقام الأول أنه في حال إصرار اليمنيين على خيار الدولة المدنية الديمقراطية سوف يجعلها بالضرورة في مواجهة مصيرية مع العقل السياسي الحزبي، على اعتبار أن الدولة المدنية هي الدولة التي تحكمها المؤسسة الحزبية بغض النظر عن من يكون الحزب الحاكم في جولة انتخابية.
وإذا كان الفكر السياسي الحديث يقول لا توجد دولة مدنية ديمقراطية يحكمها العقل السياسي المذهبي أو الجهوي أو القبلي أو المناطقي، أو السلالي فإن هذا يعني أن مكونات العقل السياسي التاريخي سوف تجد نفسها بقصد أو بدون قصد في صف الحركة الحوثية ضد قيام دولة مدنية في اليمن.
لهذا فإن الحركة الحوثية ترى أهمية إعاقة حضور العقل السياسي الحزبي لا لكونه البديل المستقبلي للعقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن فحسب بل لكونه الحامل السياسي لمشروع الدولة المدنية في حين أن مكوناته الحزبية هي أدوات الفعل النضالي الديمقراطي في سبيل تحويل اليمن إلى دولة مدنية، ناهيك عن ذلك أن الحركة الحوثية تعلم أن تعز ثارث في 2011م وشكلت ديناميكية الفعل الثوري ليس في تعز بل في كل ساحات الجمهورية اليمنية، وأن الثورة التي حضرت فيها تعز بخصوصيتها السياسية الحزبية نجحت في استدعاء العقل السياسي الحزبي على المستوى الوطني بحيث تولى هذا العقل السياسي الحزبي صياغة مستقبل اليمن الديمقراطي عبر مؤتمر الحوار الوطني ما يعني أن الخطورة في حضور العقل السياسي الحزبي أكثر من خطورة مخرجات الحوار الوطني بدون حامل سياسي.
كما أن الحركة الحوثية تدرك في المقام الثاني أن انقلابها في 21 من سبتمبر 2014م لم يكن مجرد انقلاب على الشرعية التوافقية بهدف الاستيلاء على السلطة والثروة فقط بل هو انقلاب سياسي تاريخي واجتماعي (بالمفهوم الأيديولوجي) على فكرة الدولة والديمقراطية والمواطنة المتساوية وعلى العقل السياسي الحزبي ودوره في صيرورة التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية في اليمن.
وعلى هذا الأساس تعمل الحركة الحوثية على أدلجة الوعي المجتمعي في مناطق سيطرتها بكل ما هو نقيض للأفكار المدنية والقيم الوطنية والجمهورية التي تبلورت منذ ثورة سبتمبر وأكتوبر على إثر نضالات العقل السياسي الحزبي وحضوره في كل منعطف تاريخي.
كما أن الحركة الحوثية تدرك في المقام الثالث أنه رغم ظروف الانقلاب والحرب التي صادرت السياسة وأدواتها المدنية الحزبية إلا أن تعز دون غيرها من المحافظات اليمنية ظلت هي المساحة القابلة لحضور العقل السياسي الحزبي في وجه الانقلاب التاريخي الذي استعاد سلطة العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن على حساب العقل السياسي الحزبي الذي حضر على إثر ثورة 11 فبراير.
كما أن حضور العقل السياسي الحزبي في تعز كان يعني حضور مختلف التعبيرات السياسية الحزبية دون استثناء حتى حزب المؤتمر الشعبي العام الذي وجد نفسه على إثر مواقف وتصريحات زعيمه “صالح” يصنف لدى الكثيرين في تعز بأنه شريك في انقلاب الحركة الحوثية وفي حربها ضد تعز إلا أن الحزب استطاع أن يستعيد وجوده السياسي ليس كحزب معارض بل حزب حاكم في تعز ما يعني أن تعز في كل الأحوال تعيش وتحضر كما هو حالها منذ ثورة 26 سبتمبر وحتى ثورة 11 فبراير لا بكونها تعز القبيلة أو تعز المناطقية أو تعز الجهوية أو تعز المذهبية بل تحضر بكونها تعز الأحزاب السياسية والمشاريع الوطنية، أي بكونها العقل السياسي الحزبي الذي يتحدث بلسان حال اليمنيين ويخوض على أساس ذلك توجهات سياسية/ حزبية/ وطنية /جماهيرية/ في سبيل فكرة التغيير على المستوى الوطني وليس من أجل تعز فقط.
ما يعني في حسابات الحركة الحوثية أن عدم السيطرة على ماردها السياسي سوف يجعلها تشكل حالة إلهام ثورية لبقية المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحركة الحوثية في المحافظات الشمالية.
4- إذا كان من الطبيعي أن تظل الحركة الحوثية في حالة قلق من حضور “متلازمة فكرة السياسة المدنية مع فكرة التغيير الثورية” فإنها ستكون أكثر قلقا تجاه الحامل السياسي والجماهيري لهذه المتلازمة وهو ما سوف يتحقق في ظل حضور تعز الفكرة الثورية وتعز العقل السياسي الحزبي ناهيك عن كون تعز تمثل خزانا سكانيا يتطلع نحو المستقبل، خصوصاً في مثل هذه الظروف التي تكاد فيها اليمن أن تكون أحوج من أي وقت مضى إلى حضور تعز بخصوصيتها السياسية الحزبية المدنية والثورية وحضور الجنوب بمشروعه الوطني على طاولة أي مفاوضات سياسية، وهذا ما لا ترغب في حدوثه الحركة الحوثية، وأهمية مثل هذا الحضور تبدو أكثر إلحاحاً في حال إن أخذنا في الاعتبار ما تسوقه الحركة الحوثية من أن السعودية أتت إلى العاصمة صنعاء من موقع المهزوم في الحرب، أو إلى القول بأن التفاهمات السعودية الإيرانية تحمل في طياتها وقف الحرب في اليمن على أساس تحقيق ما هو ممكن من حاصل مخرجات ما هو كائن على الأرض من وجود مراكز قوى تشكلت خلال سنوات الحرب لا على أساس ما يجب أن يكون ضرورياً بخصوص الحلول الجذرية للمشكلة اليمنية على أساس الفكرة الوطنية الديمقراطية ما يعني أن اليمنيين وحدهم سوف يخوضون معركة التغيير التي تتولى تحويل اليمن إلى دولة ووطن وهنا تكمن مصلحة الحركة الحوثية في غياب العقل السياسي الحزبي وغياب تعز في معركة التغيير على المستوى الوطني.
5- وحتى إذا ما ذهبنا إلى القول الأكثر تطرفاً بأن السعودية خذلت الشرعية بما يعني أن حقيقة التفاهمات الجارية مع إيران والحركة الحوثية «بعيد عن الشرعية» تكمن في مسألة منح ضمانات الأمن للسعودية من أي تهديدات تأتي من داخل اليمن مقابل منح مقاليد السلطة في اليمن بيد الحركة الحوثية وهذا القول الأكثر تطرفاً يظل محل تفكير في ظل تقلبات السياسة خصوصاً في حال طرح بعض الأسئلة القائلة، على سبيل المثال وليس الحصر، هل الفلسفة السياسية لنظام الحكم في السعودية وحتى التجربة التاريخية تجعل السعودية كتوجه استراتيجي في مضمار السياسة مع سلطة العقل السياسي الحزبي في اليمن أم مع سلطة العقل السياسي الحاكم تاريخياً؟
وعلى افتراض صحة ما يقال إن التحالف العسكري في اليمن هو الآخر كان وما يزال له علامة استفهام حول مسألة تحرير تعز، فهل مثل ذلك يأتي بدوافع الخوف من أن تقع تعز الخصوصية السياسية الحزبية والثورية بيد حزب سياسي بعد أن يتم تحريرها؟
وعلى نفس مسار التوجه الاستراتيجي هل التحالف العسكري اعتمد منذ بداية تدخله في اليمن على تشكيلات عسكرية سلفية لا تؤمن بفكرة الحزبية السياسية؟
وهل كان حريصا في المقابل على أن تكون الأحزاب السياسية اليمنية هي الأدوات السياسية الأكثر حضوراً وفاعلية في معركة الدفاع عن سلطة الشرعية التي كانت في الأساس هي شرعية التوافق السياسي الحزبي منذ ما بعد ثورة 11 فبراير؟
وحتى مسألة إصلاح الاختلالات داخل الشرعية وتصويب الأهداف المرحلية التي بدا أن مؤتمر الرياض كان معنيا بها، هل حرص التحالف على أن تحضر الأحزاب السياسية اليمنية كمكونات حزبية تقول كلمتها وتقرير ما يجب أن يكون على غرار حضورها في مؤتمر الحوار الوطني الشامل؟
وهل المخرجات السياسية لمؤتمر الرياض عبرت عن توافقات سياسية حزبية أم عن توافقات عسكرية تعكس مراكز القوى العسكرية داخل الجغرافية المحسوبة على الشرعية؟
وإذا كانت مثل هذ القوى العسكرية التي يتم التعاطي معها بمنطق التوافقات داخل المناطق المحسوبة على الشرعية هي من صنيعة الحرب التي فقد السلاح فيها أهدافه الوطنية تجاه فكرة الدولة والوطن، فإن مثل ذلك قد جعل الحركة الحوثية قادرة اليوم على تسويق فكرة الانتصار بعد ثماني سنوات من الحرب في اليمن وهو تسويق يراد منه أن يشكل الانتصار حالة وجدانية ومناخا سياسيا للمفاوضات السياسية القادمة، هذا من جهة أولى ومن جهة ثانية اذا كانت الأسئلة المطروحة أعلاه تحمل بشكل أو بآخر معنى أن العقل السياسي الحزبي (بالمعنى الذي يجعل اليمنيين أمام فكر سياسي معني بتحقيق الديمقراطية والتعددية الحزبية = الدولة المدنية) هو العقل السياسي غير المرحب بحضوره ليس من قبل الحركة الحوثية فقط بل من قبل التحالف العسكري في اليمن، فإنه من الطبيعي أن تظل تعز بخصوصيتها السياسية الحزبية والثورية محل استفهام لدى الطرفين بغض النظر عن الحرب الدائرة بينهما منذ ثماني سنوات.
6- إذا كانت الأحزاب السياسية تلجأ دائما إلى عقد الفعاليات السياسية وتستخدم ورقة التظاهرات الجماهيرية الضاغطة في دعم مطالبها السياسية الوطنية في أي مفاوضات سياسية فإن الحركة الحوثية تدرك أن عدم تحرير كامل محافظة تعز وحتى السيطرة على نصفها سوف يجعل تعز غير قادرة على الحضور بكونها العمق السياسي والجماهيري للعقل السياسي الحزبي وهذا لا يعني خلو بقية المحافظات من أي عمق جماهيري حزبي، بل يعني أن الحركة الحوثية بسلطتها القمعية سوف تسكت أي تحركات جماهيرية حزبية في مناطق سيطرتها هذا إذا لم تستخدم فعاليات سياسية باسم الأحزاب السياسية في المحافظات الشمالية لصالحها على هامش المفاوضات السياسية.
كما أنها ترى بأن الأحزاب السياسية اليمنية لن تلجأ إلى عقد الفعاليات السياسية واستخدام ورقة التظاهرات الجماهيرية الضاغطة في المحافظات الجنوبية لأن ذلك سوف يدخلها في مواجهات مع الانتقالي وهو ما سوف يزيد الحركة الحوثية قوة وصلابة أثناء المفاوضات السياسية، من هنا أي من إشكالية سيطرة الحركة الحوثية على محافظات الشمال وتعطيل حركة الجماهير الحزبية فيها ومن محاذير تعاطي العقل السياسي الحزبي مع الانتقالي والقضية الجنوبية بخصوص استخدام ورقة الجماهير الحزبية في الجنوب تبرز أهمية تعز العقل السياسي الحزبي أثناء المفاوضات السياسية في حال أن تم تحررها من قبضة الحركة الحوثية.
7- إذا كانت الحركة الحوثية قد فشلت في السيطرة على كامل تعز فإن حصارها إلى حين انتهاء الحرب بشكل جدي والشروع في عقد المفاوضات السياسية على المستوى الوطني سوف يجعل تعز الشرعية تأتي على هامش المفاوضات السياسية وهي منشغلة بهمومها الخاصة، أي بمطالب رفع الحصار عنها وهذا يعني للحركة الحوثية حققت شيئين: الأول، التخلص من حضور تعز بخصوصيتها السياسية على المستوى الوطني، ناهيك عن قدرتها على استخدام الفعاليات السياسية والجماهيرية في تعز الواقعة تحت سيطرتها العسكرية بشكل مناقض للفعاليات السياسية والجماهيرية التي سوف تحدث في تعز الشرعية. والثاني، ربط ملف حصار تعز بالمقايضات السياسية أي تحقيق مكاسب سياسية مقابل رفع الحصار عن تعز وهو ما يفسر إصرار الحركة الحوثية سابقا على عدم الاستجابة لمطالب رفع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة بالتوازي مع رفع الحصار عن تعز لأنها ترى تعز من زاوية خصوصيتها السياسية.
وعلى هذا الأساس لا نستبعد أن تلجأ الحركة الحوثية إلى اختيار أسماء من أبناء تعز المحسوبين عليها تتولى مسألة التفاوض بخصوص رفع الحصار عن تعز، الأمر الذي سوف يخلق حالة من الانقسام داخل تعز على حساب خصوصيتها السياسية التي كانت تحضر ناطقة بلسان حال اليمنيين على المستوى الوطني هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن ذلك يعني غسل يد الحركة الحوثية من جرائم الحصار بماء وجه أبناء تعز وكأن تعز الخصوصية السياسية لم تكن مستهدفة من قبل العقل السياسي التاريخي الحاكم في اليمن، بدليل أن الطرفين الواقفين على طاولة الحوار بخصوص رفع الحصار عن تعز هم من أبناء تعز وليس من خارجها، وعلى هذا الأساس سوف تجعل المفاوضين باسمها في ملف الحصار ملكيين أكثر من الملك!
8- الحركة الحوثية تدرك جيداً أنها لن تحكم اليمن الموحد في كل الأحوال، فهي على المستوى الداخلي لن تستطيع ابتلاع المكون الإنساني والجغرافي في اليمن الموحد بقوة السلاح مهما تكن قوتها العسكرية، وعلى المستوى الخارجي لن يسمح لها دولياً بذلك مهما تكن قوة حلفائها الإقليميين ودورهم الفاعل في دعمها، كما أنها على المستوى السياسي تدرك أن الأخطاء التاريخية خلال تجربة الثورة والجمهورية والوحدة اليمنية هي التي أوصلتها إلى رأس السلطة كما هي الأخطاء العسكرية الصادرة من قبل الشرعية والتحالف في إدارة المعركة العسكرية هي التي جعلتها قادرة على الصمود حتى اليوم في المحافظات الشمالية.
وإذا كان أحد الإعلاميين الكبار للحركة الحوثية قد قال بلسان حالها لن نكرر أخطاء 26 سبتمبر، وهي كلمة لها مدلولها السياسي فإن ذلك يعني أن الحركة الحوثية تدرك مآلات الأخطاء التاريخية وتراهن في نفس الوقت على استمرار صدورها بقصد او بدون قصد من قبل الآخرين “سياسياً وعسكرياً” في مواجهاتها فماذا يعني ذلك؟
الحركة الحوثية التي عملت في ثورة 11 فبراير على إسقاط محافظة صعدة وتعيين فارس مناع محافظا لصعدة كانت تحلم يومها أن تسيطر على صعدة وتتحول فيها إلى حركة مسلحة على غرار حزب الله في جنوب لبنان، مع تصدير مشروعها السياسي في ظل مناخ الخصومة السياسية بين الأحزاب السياسية، لكنها لم تكن تتوقع أن أخطاء الثأر السياسي سوف يسلم لها المؤسسة العسكرية والسلطة ويمكنها من الانقلاب على الفرصة التاريخية السانحة أمام اليمنيين بهذه الطريقة، هذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية الحركة الحوثية تدرك أنها خرجت من جنوب اليمن مهزومة عسكرياً في أوج قوتها العسكرية، وأن التشكيلات العسكرية في الجنوب بدعم من التحالف خصوصاً دولة الإمارات أصبحت أفضل مما كانت عليه قبل سنوات، الأمر الذي يعني أن حدود سلطاتها السياسية التي يجب أن تقاتل من أجلها هي محافظات الشمال مع حرصها على عدم حضور الجنوب عسكرياً في قلب المواجهة وهذا ما يفسر إصرارها داخلياً على إسقاط تعز ومأرب، وفي نفس الوقت الضرب بالمسيرات على السعودية بشكل مكثف دون الإمارات، وكأن لسان حال الحركة الحوثية في السنوات السابقة كان يريد تحييد التشكيلات العسكرية الجنوبية والإمارات، والسيطرة في نفس الوقت على كل المحافظات الشمالية، ما يعني إذا تحقق لها مثل ذلك فإن المعطيات الواقعية عسكرياً في حال السيطرة على كامل الشمال لن تخدم الحركة الحوثية في مسألة تجاوز الحديث عن الشرعية والانقلاب فقط بل سوف تجعل الشرعية بدون أقدام ثابتة على الأرض سيما مع تقليص وجودها السياسي والعسكري في الجنوب، وحضور الجنوب في المفاوضات السياسية القادمه بمشروع ضد الشمال من أجل استعادة دولة الجنوب وليس حضوراً في وجه الحركة الحوثية أو ضد المشكلة اليمنية المتمثلة في غياب الدولة الوطنية الديمقراطية في اليمن، وهذا ما تريده الحركة الحوثية أن يحدث على طاولة المفاوضات السياسية القادمة .
9- الحركة الحوثية ترى أنها المكون السياسي الذي سوف يجلس على طاولة الحوار وهو يدرك ما يريده وما في جعبته لصالح مشروعه السياسي في اليمن، وبغض النظر عن سؤال القيمة الوطنية لمشروع الحركة الحوثية في اليمن، فإن السؤال الذي يطرح نفسه في ظل الذهاب الى أي مفاوضات سياسية نهائية هو السؤال الذي يتعلق بالهوية السياسية والوطنية للمشروع السياسي الذي سوف يطرح على طاولة الحوار في وجه الحركة الحوثية، بمعنى آخر هل سوف يحضر الطرف الآخر باسم الشرعية اليمنية أم باسم مجلس القيادة الرئاسي ام باسم المكونات السياسية اليمنية، وهل ما في حقائب الحاضرين في وجه الحركة الحوثية هو مشروع سياسي وطني يتناول مشكلة اليمنيين التاريخية (غياب الدولة الوطنية الديمقراطية) وهل سيتم التعاطي مع جذر مشكلة غياب هذا الكيان السياسي الوطني الديمقراطي بشكله الاتحادي من داخل معادلة الوحدة اليمنية أم لا؟
في اعتقادي أن الحركة الحوثية أكثر ما تخشى حدوثه اليوم هو أن يتم حشرها في أي مفاوضات سياسية قادمة في زاوية ضيقة تجعلها ضد مستقبل اليمنيين، بمعنى آخر أن تحشر بشكل يجعلها طرفا في وجه كل المكونات السياسية اليمنية على امتداد الشمال والجنوب، وهنا تبرز أهمية حضور الجنوب بمشروعه الوطني في أي مفاوضات سياسية قادمة، وحضور الجنوب بمشروعه الوطني لا يعني، كما يقول بعض الانفعاليين، أن من يطلب حضور الجنوب، فقط يريد أن يقاتل الحركة الحوثية بالجنوب بعد أن فشل الشمال في مواجهتها، هذا منطق سطحي بل منطق عدمي حتى فيما يتعلق بالنظر إلى مستقبل الجنوب في حال استعادة دولته المستقلة.
حضور الجنوب بمشروعه الوطني في هذا المنعطف التاريخي لا يعني التخلي سياسياً عن القضية الجنوبية أو التخلي عن حق الجنوبيين في تقرير مصيرهم، بقدر ما يعني أن تحقيق ذلك يتطلب شروطا سياسية وموضوعية وحتى اجتماعية داخل الجنوب لا تنفصل بأي حال من الأحوال عن الشمال ومشكلاته السياسية وضرورة حلها، فإذا كانت النخب السياسية الجنوبية ترى أنها معنية في استعادة الدولة الوطنية في الجنوب، فإن من مصلحة الجنوب في سبيل ذلك وجود دولة وطنية في الشمال وليس وجود سلطة يحكمها العقل السياسي الحاكم تاريخياً في الشمال سيما وأن هذا العقل السياسي الحاكم تاريخياً يرى بمنظار المركز المقدس أن السلطة والثروة في اليمن هي من قبيل استحقاقه التاريخي وحتى الديني كما نجد ذلك في النماذج التاريخية التي حولت المذاهب الدينية إلى ايديولوجيات سياسية باسم الدين كما هو حال الحركة الحوثية وكل حركات الإسلام السياسي، بيت القصيد أن الحركة الحوثية التي ترى سياسياً وعسكرياً في هذه الظروف أنها يجب أن تسيطر على الشمال مع حرصها على عزل الجنوب في مواجهتها فإن ذلك لا يعني التخلي عن الجنوب استراتيجياً فهي حتى في حال انفصال الجنوب وسيطرت على مقاليد السلطة في الشمال سوف تشتغل على المكونات السلالية الموجودة في الجنوب خصوصاً إذا ذهب الجنوب إلى الإنفصال على أساس التخلي عن الهوية اليمنية الجامعة للمكون الإنساني في الجنوب، وفشلت في نفس الوقت نخبه السياسية في بلورة هوية وطنية جامعة تحل محل الهوية اليمنية، فإنها بدون شك سوف تدخل في صراعات سياسية على أساس مفاعيل العقل السياسي التاريخي أي صراعات سياسية مناطقية تهدد وحدة الجنوب.
إذا مسألة حضور الجنوب بمشروعه الوطني تعني أن الشمال سيظل مجالا حيويا لدى الجنوب والعكس صحيح هذا في حال أن ذهبنا الى الانفصال، وإذا كان الغائب في الشمال والجنوب اليوم هي الدولة الوطنية الديمقراطية فإن الجميع معنيون في الشمال والجنوب بأن يخوضوا معركة الانتصار السياسي لمستقبل الدولة الوطنية الديمقراطية في وجه القوى الممانعة لتأسيس هذا الكيان السياسي الوطني، بغض النظر كان مستقبل اليمنيين في ظل دولة وطنية ديمقراطية واحده او دولتين، المهم أن معركة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية هي معركة يجب أن يشترك فيها الشمال والجنوب في وجه العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن، وهو العقل السياسي الذي يقف دائما في وجه تحول اليمن إلى دولة ووطن لليمنيين.