عادل الأحمدي
على رغم أهمية انتظام انعقاد القمم العربية كدليل ولو صوري على الكيان الناظم للعرب من الخليج للمحيط إلا أن هذه القمم كادت منذ سنوات ليست قليلة أن تفقد بريقها لأسباب عديدة، وبالتالي لم تعد القمم محط أنظار الجماهير العريضة التي كفت عن متابعتها سواء في طور الاعداد أو الانعقاد، غير أن القمة العربية الثانية والثلاثين المنعقدة اليوم في مدينة جدة السعودية لها وقع مختلف واهتمام متصاعد.
هذا الاهتمام ناتج عن أسباب عدة في مقدمتها بلد الانعقاد، المملكة العربية السعودية وقد صارت أكثر قوة على كل الأصعدة سياسيا واقتصاديا وتنمويا واجتماعيا بمستوى أهلها للعب أدوار محورية في ازمات عالمية الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على قدرتها في لملمة الصف العربي المتصدع وإحداث نقلة في واقع العلاقات العربية العربية يصعب على أي بلد عربي اليوم القيام بها بكفاءة منقطعة النظير.
لقد بات شاخصا وواضحا للقريب والبعيد أن المملكة حققت بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان أنموذجا فريدا في التعامل مع أصعب الملفات الدولية باقتدار معزز بالمكانة والسجل النظيف، ولعل آخر مثال على ذلك التعامل الراكز خلال الحرب الاوكرانية والذي كان مثار فخر كل عربي، وكذا الاتفاق مع حكومة إيران بضمانة الصين كخطوة في حصار أخطر بؤر الاقلاق للأمن القومي العربي في الأربعة العقود الماضية، فضلا عن الموقف الثابت والمبدأي إلى جانب القضية الفلسطينية ومحاولة استعادتها من طاولة المزايدة إلى فضاء العمل المثمر من بوابة الحق التاريخي الذي لا تلغيه حقائق التعثر المعاصر.
سبب ثان يقف وراء الاهتمام الحالي بالقمة العربية المنعقدة اليوم في جدة يتمثل في كونها أول قمة تنعقد مكتملة النصاب بعد عودة القطر السوري للحضن العربي من بوابة جدة، ولعلها كانت لحظة تاريخية مؤثرة حين وصول طائرة الرئيس بشار الأسد إلى مطار الملك عبدالعزيز الدولي.
أما السبب الثالث من دواعي الاهتمام الاستثنائي بقمة جدة فيكمن في الأحداث المؤسفة التي شهدها السودان الشقيق والتي تسعى القمة لحلحلتها بإيقاف التدهور أولا وتحقيق خطوة إلى الأمام على طريق عودة الاستقرار لهذا البلد المهم وبجهود ثنائية سعودية مصرية.
إلى ذلك، تظل القضية اليمنية محور اهتمام القادة العرب الذين يباركون جهود تحالف إعادة الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية والتي تعمل ليل نهار مع القيادة الشرعية برئاسة الدكتور رشاد محمد العليمي من أجل الوصول إلى حلحلة شاملة تضمن عودة الدولة وحقن الدماء، مع بقاء كافة الخيارات مفتوحة لاستعادة العاصمة صنعاء من براثن الخرافة العنصرية المسلحة.
وفي كل الأحوال فإن هذه القمة تؤسس لصفحة جديدة من التوافق العربي الذي ظل توافقا صوريا لعقود وآن له أن يتحول لتجسيد عملي على أرض الواقع مدفوعا بالتحديات الوجودية المفروضة على أمتنا العربية، والتي لن تنزاح إلا بالتلاحم الصادق وعدم ترك الشقوق التي تتسرب من خلالها تدخلات من خارج المنطقة لا يهمها سوى الإبقاء على حالة التفكك كمدخل أمثل لبقاء الهيمنة.
إذن فهي قمة جامعة تعقد في جمعة مباركة وأرض مباركة وتوقيت مثالي.
جدة.. جدا
على هامش مشاركتي ضمن الوفد الإعلامي المواكب لفعاليات القمة أمكن لي مع زملائي من كافة الدول العربية الاطلاع على جوانب من نهضة عملاقة تشهدها المملكة في رئتها الغربية حيث كان لنا جدول زيارات لعدد من المشاريع الكبرى والمناطق الصاعدة والجامعات والمتاحف ما جعل هذه المشاركة فرصة للتعرف على حجم التطور الذي تشهده بلاد خادم الحرمين الشريفين في كافة المجالات والأصعدة.
ورغم اني أزعم اني متابع لجوانب التطور الكبير الذي تشهده المملكة في ظل خطة ٢٠٣٠، إلا انني لا أبالغ أن قلت للقارئ الكريم ان الدهشة تملكتني وانا أتجول في مرافق عدة من الصعب اكتشافها دون زيارتها ومن ضمنها جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية مصنع العلماء من كل عرق ولون، وكذا منطقة رابغ التي تبدو وكأنها قطعة من الشريط الاستوائي الأخضر تم زرعها في الصحراء بمحاذاة الساحل الغربي شمال جدة.
اما جدة نفسها فليست جدة التي زرتها قبل عامين، جدة اليوم جديدة جدا، وجادة جدا في التحول لمدينة عصرية يمتزج فيها الجمال بالأصالة والحداثة. وطوال الوقت أثناء طوافنا بالمدينة ظلت ماثلة في ذهني جملة الصحفي اليمني أمين الوائلي قالها قبل عام: “جدة.. جداً”.